قطاع الصحة في ليبيا... «تركة ثقيلة» يتحملها المرضى

العوكلي: لا بديل عن نظام تمويلي جديد يشارك فيه المواطن والحكومة

أطباء يجرون عملية جراحية بمركز مصراتة الطبي (إدارة المركز)
أطباء يجرون عملية جراحية بمركز مصراتة الطبي (إدارة المركز)
TT

قطاع الصحة في ليبيا... «تركة ثقيلة» يتحملها المرضى

أطباء يجرون عملية جراحية بمركز مصراتة الطبي (إدارة المركز)
أطباء يجرون عملية جراحية بمركز مصراتة الطبي (إدارة المركز)

بين حين وآخر تتصدر المشهد الليبي، صور المرضى الباحثين عن علاج دون جدوى، في وقائع تعكس تحديات جمة تواجه القطاع الصحي في البلد المثقل بآثار الاقتتال الأهلي طيلة السنوات الماضية.
وإلى جانب أسباب الانقسام السياسي، ووجود حكومتين للفرقاء في الغرب والشرق، تعزو دراسات متخصصة تراجُع قدرات المنظومة الصحية الليبية إلى النهج الذي أدار القطاع قبل «الثورة»، التي أطاحت بالرئيس السابق، معمر القذافي، عام 2011.
بيد أن وزير الصحة السابق، رضا العوكلي، يعد تجدد أزمة المرضى الباحثين عن علاج «مأساة كل يوم». ويضيف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مرضى الأورام، مثل مرضى القلب... وغيرهم، لا يجدون طريقة سهلة للوصول إلى العلاج المطلوب، منتقداً ما يعده «اختلالاً في ترتيب الأولويات». ويؤكد الوزير السابق أن المستشفيات الحكومية تفتقر إلى المستلزمات الأساسية اللازمة لتقديم الخدمة الطبية؛ مثل أدوية الأورام، ومستلزمات إجراء جراحات القلب، «حيث لا تتوافر بسهولة». وبينما يتحدث عن إنشاء عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، مكتباً لتوطين العلاج بالداخل يتبع رئاسة الحكومة مباشرة، محاوَلة للتغلب على تحديات القطاع الصحي، فإنه يوضح أن عمل المكتب لا يشمل عموم الأراضي الليبية، مشيراً إلى الانقسام السياسي، ووجود حكومتين.
ويدعو العوكلي إلى إرساء نظام تمويلي جديد للرعاية الصحية في البلاد، ويؤكد أن ليبيا تنفق على الصحة، نحو 500 إلى 600 دولار على كل مواطن ليبي سنوياً، وهو ما يعده «رقماً هزيلاً». ويضيف أن الإنفاق العام على الصحة بلغ 12 مليار دينار العام الماضي، مضيفاً أنه مهما بلغ حجم الإنفاق فلن يؤدي إلى نتائج ملموسة من دون إدراك الأسباب الأساسية للأزمة.
ويتابع وزير الصحة السابق: «على المسؤولين التعامل مع ملف الصحة من هذا الجانب، وعلى الدولة أن تعي أن طريقة التمويل القائمة خاطئة، ومهما فعلنا، أو غيّرنا وزراء، ومهما ضُخّت أموال بكميات كبيرة، فلن يتغير شيء لكن إذا أعدنا النظر في طرق تمويل القطاع عن طريق التأمين الصحي فسننجح بإذن الله».
وفي عهد القذافي، كان لدى ليبيا الإمكانات لاجتذاب المهنيين الأجانب في قطاع الصحة، وشراء الأدوية المنقذة للحياة، وإرسال الأشخاص إلى الخارج للعلاج، ولكن هذا النهج «قلّل من القدرة المؤسسية للنظام الصحي الليبي». وقد ظهرت الآثار السلبية عندما غادر الكثير من موظفي قطاع الصحة الأجانب ليبيا بعد الثورة والأزمة الاقتصادية، كما أدى الصراع السياسي والأزمة الاقتصادية إلى خفض جودة الخدمات الصحية وإمكانية الوصول إلى الرعاية»، وفق دراسة صادرة عن مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك)، حول إصلاح النظام الصحي في ليبيا، من إعداد يوسف شيليك، وعادل التاجوري يونيو (حزيران) 2021 (نسخة رقمية).
ويعتقد وزير الصحة السابق أنه بالإمكان النهوض بالقطاع الصحي في ليبيا «خلال أشهر قليلة أو سنة على الأكثر» إذا تغيرت طريقة التمويل، من خلال استقطاع ما يعادل 10 أو 15 في المائة من الراتب الشهري لكل مواطن لصالح حساب حكومي للإنفاق على الصحة، مستكملاً: «على أن تدفع الحكومة نسبة محددة لهذا الحساب، حتى يصبح لدى كل مواطن بوليصة تأمين، مع مساعدة الحكومة لذوي الدخل المحدود في شراء هذه البوليصة من شركات التأمين العاملة في القطاع الطبي، بما يضمن تقديم كافة الخدمات الطبية لجميع المرضى». ولا يرى العوكلي أي عائق يحول دون التوجه نحو هذا النمط التمويلي في ظل الانقسام السياسي الحالي.
وبينما يتحدث الوزير السابق عن أمراض القلب بوصفها السبب الرئيسي للوفيات في ليبيا، يؤكد أن جهازاً متطوراً للقسطرة القلبية والجراحة، جرى استيراده منذ أربع سنوات من إحدى الشركات الفرنسية، لصالح مركز بنغازي الطبي، لكن الجهاز لا يزال داخل الصناديق، ولم يجرِ تركيبه بعد لأسباب لوجيستية.
ورداً على سؤال حول طبيعة تلك الأسباب، قال: «إنها متعلقة بخطأ كبير تمثل في توقيع رسالة من مسؤول إداري تفيد بأن الشركة أنجزت الاتفاق الخاص بتوريد وتركيب الجهاز وتدريب العاملين عليه، وهو ما ترتب عليها حصول الشركة على أموالها بالكامل، بينما الجهاز في الصناديق». ويضيف أن الشركة تتعلل بالأسباب الأمنية من أجل عدم الوفاء بما نص عليه الاتفاق بشأن إرسال تشغيل الجهاز.
كما ينتقد العوكلي غياب الأدوية الأساسية اللازمة رغم أن تكلفتها ليست مرتفعة. ويوضح أن منظمة الصحة العالمية حددت نحو 500 دواء أساسي يجب توفيرها، لكن المسؤولين عن هذا الملف «يشطحون ويشترون أغلى الأدوية لاستغلال ما لديهم من ميزانية، وأحياناً يكون التخزين سيئاً جداً فتنتهي صلاحية الكثير من هذه الأدوية قبل استخدامها».
ووفق العوكلي، فإن الوفيات في ليبيا تحدث بشكل رئيسي نتيجة الجلطة الناتجة عن ضيق الشريان التاجي. وحول ما إذا كانت هناك أسباب مرتبطة بواقع الحرب والنزوح داخل ليبيا بالإصابة بالجلطات، قال: «لا شك أن الوضع النفسي يزيد من احتمال الإصابة بالجلطة، وكذلك عدم الاهتمام بعلاج الضغط والسكري، وعدم توافر الدعامات ومستلزمات جراحة القلب المفتوح».
وفي السياق نفسه، ينتقد مفتاح سعد نويجي، مدير مركز التدريب والتعلم المستمر بالجامعة الليبية الدولية للعلوم الطبية، غياب الشفافية، وعدم وجود سياسة واضحة لمعالجة الأوضاع المتردية في القطاع الصحي بصفة عامة. ويضيف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه شارك منذ عامين في لقاء مع «المركز الوطني لتطوير الصحة»، إلا أن غياب الإرادة الحقيقية حال دون إحداث أي تغيير نحو الأفضل، مشدداً على ضرورة تغيير السياسات الصحية في البلاد.
وبالمثل، يقول الناشط المدني والمدون سعد الدينالي إن افتقار ليبيا إلى البنى التحتية المؤهلة لتقديم الخدمات الصحية يجعلها بحاجة إلى علاج طويل الأمد. ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده تحتاج إلى التخلص أولاً من مشكلاتها السياسية، وتوحيد الحكومة، وصولاً إلى إيجاد حكومة واحدة قادرة على تنفيذ خطط استراتيجية في هذا القطاع.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».