مشاهد من نور الشريف

مشاهد من نور الشريف
TT

مشاهد من نور الشريف

مشاهد من نور الشريف

* «لو سرقنا آدميتهم وهم لسّه صغيرين، لما يكبروا شوية حتكون حالتهم زي إيه؟»
* السؤال يوجهه الأستاذ فرجاني (نور الشريف) إلى موظف الفندق (أحمد راتب) الذي يريد حشر 24 تلميذًا صغيرًا في غرفتين فقط.. يحتج الأستاذ على ذلك ويطالب بمنح الأولاد أسرة وغرفًا كافية، لذلك يسأله وهو يحاول إقناعه عما سيحدث لهؤلاء إذا ما تمت سرقة آدميّتهم بوضعهم أربعة في سرير واحد؟ ورد هذا المشهد في فيلم «آخر الرجال المحترمين» (سمير سيف، 1984) عن قصة لوحيد حامد الذي دائمًا ما يتفحص الأوضاع الاجتماعية ويختار منها ما يرصده ويحاول ترميمه. لكن بالنسبة للممثل الراحل نور الشريف، فإن ترجمة هذه العبارة إلى إحساس صادق بدا طبيعيًا وتلقائيًا بالنسبة له.

* كان وسيمًا وموهوبًا.. والعلاقة بين الاثنين لا تعني أن وجود أحدهما رديف لوجود الآخر، لذلك إذا ما اجتمعا معًا فإن ذلك يؤدي إلى حضور ذي وقع جيد بصرف النظر عن الشخصية التي يؤديها الممثل. في هذا المشهد تحديدًا يتبدّى صدق المعنى. يؤدي الشريف العبارة المذكورة بهدوء وبابتسامة (عكس ما قبلها من حديث) كما لو أنه يعلم أنه سيترك أثرًا في نفس الشخصية التي أمامه، كما سيؤدي الرسالة التي قصدتها العبارة بين الناس.

* كثيرة هي الأفلام التي مثّلها الصديق الراحل نور الشريف حملت التوعية في مضمونها، أحيانًا مرادفة لما هو أوسع شأنًا: نقد السُلطة على نحو رمزي كما في «الخوف» لسعيد مرزوق (1972) أو على نحو مكشوف كما في «الكرنك» لعلي بدرخان (1976). كذلك نقد هيمنة المصلحة الفردية وتشتت اهتمامات الناس وسعيهم للفساد ردًّا على أوضاع البطالة أو العوز كما في «الشيطان يعظ» لأشرف فهمي (1981) و«جري الوحوش» لعلي عبد الخالق، (1987).

* هذا الاهتمام ذهب إلى مداه عندما قام ببطولة «سواق الأوتوبيس» (عاطف الطيب، 1982) مؤديًا شخصية سائق الحافلة الشعبية الذي يدور على أفراد عائلته الأكثر يسرًا طالبًا معونة لشراء سيارة تاكسي، لكنه يرد خائبًا. فقط أصحابه من أيام التجنيد هم الذين ينقذونه. رغم ذلك، من ذا الذي ينسى مشهده وهو ينهال ضربًا على نشّال في نهاية الفيلم في ذلك القدرة الإخراجية والتمثيلية معًا على تجسيد المعاني الخلفية للمشهد؟ سواق الأوتوبيس في الفيلم لم يكن يضرب شخصًا بل يضرب حالة.

* طبعًا لعب نور مئات الشخصيات الأخرى في أفلام ذات اهتمامات شاسعة كما الحال في «حدوتة مصرية» و«ناجي العلي» و«زوجتي والكلب» و«قصر الشوق» والفيلم الذي لم يستحق قسوة نقاده «قاهر الزمن».

* في ديسمبر الماضي جرى الاحتفاء به في مهرجان دبي.. كانت فرصتنا الأولى منذ سنوات للقاء كل يوم على الطاولة ذاتها صباحًا., كان موعدًا يوميًا مع الأفكار المتجددة والذكريات السعيدة والموهبة التي لا تتوقف عن الإدهاش.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز