نائب رئيس البرلمان الأوروبي: نحتاج لجهود المجموعات المسلمة لمواجهة اليمين المتطرف

جياني بيتيلا لـ «الشرق الأوسط»: دول «الربيع العربي» تمر بظروف متباينة.. والنتائج في تونس إيجابية

جياني بيتيلا (تصوير: جيمس حنا)
جياني بيتيلا (تصوير: جيمس حنا)
TT

نائب رئيس البرلمان الأوروبي: نحتاج لجهود المجموعات المسلمة لمواجهة اليمين المتطرف

جياني بيتيلا (تصوير: جيمس حنا)
جياني بيتيلا (تصوير: جيمس حنا)

قال النائب الأول لرئيس البرلمان الأوروبي جياني بيتيلا جياني، إن الأوروبيين بحاجة إلى إطار عمل جديد لتطوير مشروع جديد للتعاون بين أوروبا والعالم العربي. وأضاف في حوار مع «الشرق الأوسط»، جرى في لندن على هامش زيارته للأكاديمية الدبلوماسية: «أعتقد أنه ينبغي علينا التركيز على إقامة مشروعات محددة وملموسة، خاصة في مجال التعليم»، مشيرا إلى أن رأس المال البشري يشكل أهم الأصول في مجتمع اليوم.
وحول سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه ما يقع في سوريا، قال بيتيلا إن الاتحاد «لا يملك سياسة خارجية فاعلة». وأوضح أن «أوروبا ستظل دائما غير قادرة على الرد سياسيا ما لم تمنح الدول الأوروبية الاتحاد قدرا أكبر من القوة في السياسة الخارجية». وحول مطالب سياسيين بريطانيين بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، قال النائب الأول لرئيس البرلمان الأوروبي، إن هذا إن حدث «سيسبب كارثة للاقتصاد البريطاني». وفيما يلي نص الحوار.

* أكدت في الكثير من المناسبات على أهمية التعاون بين دول أوروبا والعالم العربي، فما رؤيتك لتحقيق ذلك؟
- فشل اتحاد البحر المتوسط، والآن نحن بحاجة إلى إطار عمل جديد لتطوير مشروع للتعاون بين أوروبا والعالم العربي. وأعتقد أنه ينبغي علينا التركيز على إقامة مشروعات محددة وملموسة، خاصة في مجال التعليم. وأرى أن رأس المال البشري يشكل أهم الأصول في مجتمع اليوم.
* كيف تنظر إلى الجدل بشأن التأييد الواسع الذي حصلت عليه الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وما توقعاتك بشأن تأثير ذلك على المجموعات العربية والإسلامية التي تعيش في أوروبا؟
- هذه قضية معقدة، وأعتقد أننا بحاجة إلى جهود ملائمة من النظام السياسي والمجموعات المسلمة لتهميش القوى المتطرفة.
* بلغ عدد السوريين المحتاجين إلى مساعدات إنسانية 9.3 مليون سوري، بحسب المفوضية الأوروبية. ورغم القلق العميق الذي أبداه الاتحاد الأوروبي، فإنه تحرك بصورة بطيئة تجاه حل القضية، فما السبب في ذلك؟
- هذا يعود إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يملك سياسة خارجية فاعلة، وعلى صعيد المساعدات الإنسانية فالاتحاد الأوروبي يبذل الكثير، لكنه بحاجة إلى إجابة سياسية، وأوروبا ستظل دائما غير قادرة على الرد سياسيا ما لم تمنح الدول الأوروبية الاتحاد قدرا أكبر من القوة في السياسة الخارجية.
* شهد «الربيع العربي» انتكاسة، واضطرابات متواصلة في ليبيا ومصر وتونس.. فما الأسباب الرئيسة لذلك؟
- التحول إلى الديمقراطية عملية بالغة التعقيد ولا تحدث في بضع سنوات، فهي تتطلب قدرا من الوقت، والأنظمة الاستبدادية السابقة تركت بناء سياسيا ضعيفا للغاية، وقد حان الوقت الآن لإعادة بناء نظام ديمقراطي. وحسب رأيي فإن هذه الدول تمر بظروف متباينة للغاية، فالنتائج في تونس إيجابية إلى حد بعيد.
* ما رأيك في بعض التصريحات التي تقول إن العالم العربي غير مستعد للديمقراطية بعد.. هل تتفق مع وجهات النظر تلك؟
- كلا على الإطلاق، فالديمقراطية قيمة عالمية لا تقتصر على الغرب وحده، لهذا مررنا نحن أيضا بالثورات التي مرت بها الدول العربية، قبل الوصول إلى ما نحن عليه من أنظمة سياسية.
* ما تقييمكم للحكومة التونسية حاليا والدستور الجديد؟
- أعتقد أنها خطوة بالغة الأهمية تجاه بناء تونس أكثر ديمقراطية وحرية وهي في الوقت ذاته مؤشر على أن العمل لم ينته بعد.
* التعليم والثقافة يقودان باتجاه تطوير المجتمع، فكيف تقيم التعليم والثقافة في أوروبا اليوم.. هل التعليم والثقافة في دولها يسيران بموازاة مع النسق التكنولوجي ووسائل الإعلام الجديدة؟
- ينبغي علينا بذل المزيد من الجهد، عبر دعم الموارد غير المادية مثل الإنترنت بصورة أكثر تأكيدا، وقد طالبت بتدشين برامج خاصة على المستوى الأوروبي لدعم المجتمع الرقمي. وشرعت الحكومة الفرنسية في تنفيذ هذا الاقتراح، وسوف تضع إيطاليا، الرئيس الحالي للاتحاد، هذه القضية كإحدى أبرز القضايا على أجندتها في النصف الثاني من العام.
* ما الذي تقوله لأبناء العالم العربي الذين يعتقدون أن أحداث الربيع العربي مؤامرة مدعومة من الغرب تهدف إلى رسم خريطة إقليمية جديدة؟
- أنا لا أؤمن بنظريات المؤامرة.
* هناك دعوات تحظى بتأييد واسع داخل المملكة المتحدة للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فما الرسالة التي تعتقد أن الشعب البريطاني بحاجة لسماعها قبل انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجرى في مايو (أيار) المقبل؟
- ينبغي على الشعب البريطاني ألا يستسلم للشعور بالانتماء الوطني فحسب، فاللاعبون الرئيسون في الاقتصاد البريطاني كانوا واضحين، وأكدوا أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيسبب كارثة للاقتصاد البريطاني. وإذا أراد الناخبون تغيير أوروبا فالخيار الأفضل هو المشاركة في صناعة القرار.
* كيف ترد على الانتقادات المستمرة من أحزاب مثل حزب الاستقلال البريطاني بأن البرلمان الأوروبي غير ديمقراطي لما يتمتع به من سلطات، منذ اتفاقية لشبونة؟
- هذا غير صحيح، وأرى أنه ادعاء سخيف، فالبرلمان الأوروبي هو المؤسسة الأوروبية الوحيدة المنتخبة بشكل مباشر من قبل مواطني الاتحاد.
* كان الاقتصاد الأوروبي قضية رئيسة بالنسبة لك، ولأوروبا بشكل عام، خلال الفترة التي توليت فيها منصب نائب رئيس البرلمان، والتي أيدت خلالها إصدار سندات اليورو لبعض الوقت على الرغم من النتائج التي يمكن أن تسفر عنها هذه الخطوة والمتمثلة في توسيع الفجوة بين المملكة المتحدة ومنطقة اليورو.. ألا تشعر بأن مثل هذه الخطوة قد تشعر الشعب البريطاني بمزيد من الإقصاء عن المجتمع الأوروبي؟
- لا يستطيع أحد في أوروبا أن يستثني المملكة المتحدة، لكن في بعض الأحيان يخالجني شعور برغبة البريطانيين في إقصاء أنفسهم. أضف إلى ذلك أن خدمة الديون في منطقة اليورو مرتفعة للغاية، ولهذا السبب نحتاج إلى سندات اليورو. وإذا أرادت المملكة المتحدة الانضمام إلى مبادرة اليورو فهي موضع ترحيب.
* لا تزال أوروبا تواجه تبعات الأزمة الاقتصادية، فهل تعتقد أن التشريع الجديد الذي سيسهم في فتح الأبواب أمام الآخرين من الأوروبيين خاصة المنضمين الجدد، يمثل ضرورة في الوقت الراهن؟
- ما الذي تعنيه بكلمة «آخرين».. ومن هم الآخرون.. هل هم الرومانيون والبلغار والإيطاليون والألمان؟ إنهم ليسوا آخرين، بل هم أوروبيون لأنهم مواطنون أوروبيون، ودعني أذكركم بأن مئات الآلاف من البريطانيين يعيشون خارج بلادهم خاصة في جنوب أوروبا. فإذا أرادت المملكة المتحدة أن توصد الباب أمام الأوروبيين، فستفعل باقي دول أوروبا الشيء ذاته أمام البريطانيين، وهو ما سيأتي بنتائج غير طيبة.



باحثة روسية: بوتين لا يخادع وإطلاق صاروخ فرط صوتي متوسط المدى يُعدّ «تحذيراً»

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

باحثة روسية: بوتين لا يخادع وإطلاق صاروخ فرط صوتي متوسط المدى يُعدّ «تحذيراً»

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)

في خطوة مثيرة للجدل خلال فترته الانتقالية، كثَّف الرئيس الأميركي جو بايدن دعم بلاده لأوكرانيا من خلال الموافقة على نشر مقاولين عسكريين ونقل ألغامٍ مضادة للأفراد والسماح باستخدام صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع لشن ضربات داخل روسيا. وتستهدف هذه الإجراءات تعزيز دفاعات أوكرانيا قبل تولي خليفة بايدن الرئيس المنتخب دونالد ترمب السلطة، إلا أنها تخاطر بالتعرض لانتقادات دولية، خصوصاً إذا فشلت الصواريخ الغربية. فقد ردت روسيا باختبار صاروخ «أوريشنيك» الذي تفوق سرعته سرعة الصوت؛ ليؤكد بذلك قوته مع تجنب تصعيد أوسع نطاقاً.

«أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، قالت الدكتورة آنا ماتفيفا، الباحثة الزائرة بمعهد روسيا، التابع لكلية كينغز كوليدج لندن، ومؤلفة كتاب «خلال أوقات المتاعب»، إن الرئيس جو بايدن لم يلتزم الحذر وقرر استغلال الفترة الانتقالية لزيادة مخاطر الحرب في أوكرانيا. فقد سمح بانتشار المقاولين العسكريين الأميركيين داخل أوكرانيا ونقل ألغامٍ مضادة للأفراد إلى أوكرانيا. ولا تعدّ هذه الخطوة الأخيرة عملاً غير قانوني؛ نظراً لأن الولايات المتحدة لم توقّع مطلقاً على اتفاقية أوتاوا، إلا أنها تظل موضع شك من الناحية الأخلاقية. وبشكل عام، فإن الرغبة في تعظيم دعم أميركا لحليفتها واضحة لكي تتمكن أوكرانيا من الصمود لفترة بعد انتهاء ولاية بايدن في البيت الأبيض. ومن المتوقع أن يتم تقديم المزيد من الدعم.

فلاديمير بوتين يصافح دونالد ترمب خلال لقاء في اليابان (أ.ب)

ومن الناحية العسكرية، من غير المرجح أن تغير صواريخ «أتاكمز» وصواريخ «ستورم شادو» البريطانية الصنع الأوضاع في أوكرانيا، حيث إن الجيش الروسي على دراية بها من المعارك التي خاضها من قبل، ومن المتوقع أن تكون روسيا قد أبعدت أصولها القيّمة من المدى الذي تصل إليه هذه الصواريخ. ولا تمتلك أوكرانيا مخزونات كبيرة من الصواريخ، وتكمن أولويتها في الدفاع عن أراضيها بدلاً من الاحتفاظ بموطئ قدم في منطقة كورسك الروسية إلى أجل غير مسمى.

وترى الدكتورة ماتفيفا، التي عملت لدى الأمم المتحدة وعاشت في آسيا الوسطى بصفتها المستشارة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعني بالسلام والتنمية، أنه إذا حدث خطأ في الملاحة وتسبب في سقوط صاروخ غربي على روضة أطفال روسية، فسيضيف هذا إلى تضرر سمعة الغرب على الصعيد الدولي.

وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر الواضح هو أن بايدن عازم على ترك إرث معقد في السياسة الخارجية لخليفته قدر الإمكان وعرقلة طموحات ترمب لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا.

وظهر الانطباع بأنه يحاول استفزاز روسيا للقيام برد فعل متهور، يجعل مفاوضات السلام مع بوتين صعبة للغاية، حتى بالنسبة لترمب. ولا يستند نهج الرئيس القادم إزاء الصراع إلى هزيمة روسيا، لكنه قد لا يكون قادراً على تحمُّل تصعيد خطير. وهذا ما تردد أن ترمب حذر بوتين من القيام به.

وهكذا، فإن الضربات التي وافقت عليها الولايات المتحدة على منطقتي كورسك وبريانسك الروسيتين يومي 19 و21 نوفمبر (تشرين الثاني) وضعت موسكو أمام معضلة: إما الرد بقوة والتخلي عن آمال السلام أو ابتلاع كبريائها والانتظار لمدة شهرين حتى تنصيب ترمب. ونظراً لأن بوتين يحقق النجاح لأنه يفعل ما يقول، فإنه لا يمكن أن يترك ضربة تمر دون أن يرد عليها ـ وإلا فإن صورة القوة الروسية ستتضرر وستفقد تهديداتها للغرب مصداقيتها. وكان يتعين على بوتين أن يتحرك، على الأقل بدافع احترام الذات.

خبراء أوكرانيون يعاينون بقايا صاروخ روسي الاثنين في خاركيف (إ.ب.أ)

وقالت ماتفيفا إن موسكو اختارت الرد في ساحة المعركة الحالية بدلاً من مهاجمة مصالح غربية في مختلف أنحاء العالم. وقد حققت روسيا هذا الغرض من خلال إطلاق الصاروخ «أوريشنيك» الباليستي متوسط المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت ومن دون رأس حربية نووية على أوكرانيا المدمرة بالكامل. فقد أظهر هذا الهجوم قوة روسيا دون أن يتسبب في ضرر جسيم. وأظهرت روسيا أن لديها سلاحاً، كشفت عنه في السابق، وأنها مستعدة لاستخدامه.

وقد كانت عملية إطلاق الصاروخ تجربة مذهلة وناجحة وإن كانت محفوفة بالمخاطر. فقد نجح الصاروخ في اختبار ظروف القتال ووصل إلى هدفه وهو منشأة «يوجماش» الأوكرانية للإنتاج العسكري في دنيبرو دون أن يتم اعتراضه.

وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر المشجع هو أن نظام التحذير الروسي - الأميركي أثبت نجاحه، فقد أصدر المركز الروسي للحد من الخطر النووي إشارة إخطار مسبق إلى نظيره الأميركي قبل ثلاثين دقيقة من الإطلاق لكي يعرف نظام تتبع الصواريخ الأميركي أن هذا الإطلاق لم يكن نووياً.

وحذَّر بوتين الذي اكتسب جرأة من أنه يمكن أن يكون هناك المزيد من تجارب إطلاق الصواريخ؛ وذلك بناءً على الطريقة التي سيتصرف بها الغرب، في إشارة واضحة إلى دعوات بعض السياسيين الأوروبيين لإرسال قواتهم إلى أوكرانيا.

واختتمت ماتفيفا تحليلها بالقول إن هذه الأحداث أظهرت أن انتقال السلطة في الولايات المتحدة يمثل فترة غير مستقرة للغاية قد تشهد تصعيداً كبيراً. ويبدو أن الضمانة الرئيسة ضد اندلاع حرب كبرى هي وجود العقل في موسكو وليس الحكمة الصادرة من واشنطن. فهل مات فن الدبلوماسية الدفاعية في الغرب؟ لقد زاد الطلب عليه الآن.