تأثير المرجعية الشيعية على القرار الحكومي العراقي يثير مخاوف من «ولاية الفقيه»

ميليشيات موالية لإيران حاولت خطف المظاهرات

تأثير المرجعية الشيعية على القرار الحكومي العراقي يثير مخاوف من «ولاية الفقيه»
TT

تأثير المرجعية الشيعية على القرار الحكومي العراقي يثير مخاوف من «ولاية الفقيه»

تأثير المرجعية الشيعية على القرار الحكومي العراقي يثير مخاوف من «ولاية الفقيه»

على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية بقيت الحكومة العراقية التي يهيمن عليها التحالف الوطني الشيعي تعلن باستمرار أنها تسترشد في كل ما تقوم به بتوجيهات ونصائح المرجعية الدينية العليا ممثلة بالمرجع الأعلى آية الله علي السيستاني.
ورغم أن الشريكين الرئيسيين الآخرين، السني والكردي، لا يقلان تأييدا لتوجهات المرجعية، لكن في كثير من الأحيان يحصل نوع من التصادم هنا أو هناك لجهة مخاوف من قبيل الاقتراب من نظام «ولاية الفقيه» المعمول به في إيران والمرفوض من قبل مرجعية النجف سواء بشخص السيستاني كمرجع أعلى أو المراجع الثلاثة الكبار (محمد سعيد الحكيم ومحمد إسحق الفياض وبشير النجفي). ومما زاد من هذه المخاوف دور العديد من ميليشيات الحشد الشعبي، مثل «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله»، التي تعلن أنها تتبع نظام ولاية الفقيه، علما بأن «العصائب» شاركت في المظاهرات الأخيرة في ساحة التحرير وسط بغداد، وهو ما ترك مخاوف هذه المرة لدى ناشطي الساحة أنفسهم.
يذكر أن الدستور العراقي يحمل منذ البداية إشكالية أساسية على صعيد الكيفية التي يمكن بموجبها بناء الدولة. فمن أجل إرضاء التيارات الدينية تم تضمين الدستور مادة تقول إنه لا يتم تشريع أي قانون يتعارض مع ثوابت الشريعة الإسلامية. ومن أجل إرضاء العلمانيين والمدنيين تم وضع مادة تنص على أنه لا يتم تشريع قانون يتناقض مع الديمقراطية.
ورغم هذا التناقض الجوهري بين الاثنين فإن التناغم الذي بدا بين المرجعية الشيعية في النجف ومظاهرات ساحة التحرير ببغداد، من خلال اتخاذ موقف مشترك ضد فساد الطبقة السياسية، هو الذي كان له تأثيره الحاسم في كل ما جرى بعد التاسع من أغسطس (آب) الحالي. فالمرجعية الدينية بقيت تحارب الفساد طوال العقد المنصرم، ووصل بها الأمر إلى حد امتناع السيستاني وطوال حكومة نوري المالكي الثانية (2010 - 2014) عن استقبال السياسيين. ليس هذا فحسب، بل إن الفتوى التي أصدرها السيستاني بشأن اختيار رئيس جديد للوزراء هي التي أطاحت بالمالكي في 8 أغسطس (آب) 2014، وجاءت بالعبادي، مثلما أطاح الضوء الأخضر الذي أعطاه المرجع للأخير لمحاربة الفساد بسلفه كنائب لرئيس الجمهورية في 11 أغسطس الحالي، أي بعد سنة كاملة تقريبا من الإطاحة الأولى.
كما أن مظاهرات الحراك المدني الديمقراطي خلال السنوات الماضية كان يجري احتواؤها بطريقة أو بأخرى. ويبقى السؤال الأكثر إشكالية الآن: من الذي حفز الحكومة.. توجيهات المرجعية ونصائحها أم الحراك الشعبي؟
تقول عضو البرلمان العراقي عن التحالف المدني الديمقراطي شروق العبايجي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدور الأبوي الذي لعبته مرجعية النجف هو بلا أدنى شك كان مهما لجهة حث الحكومات المتعاقبة التي تولت السلطة بعد عام 2003 على أن تكون منسجمة مع الشعارات التي طرحتها وتطرحها دائما في برامجها الانتخابية، فضلا عن الأهداف التي قالت إنها جاءت لتحقيقها لخدمة أبناء الشعب العراقي، غير أنه من الواضح أن الحكومة، لا سيما السابقة، لم تستمع إليها بدليل أن المرجعية أغلقت أبوابها لمدة أربع سنوات بوجه السياسيين». وتضيف النائبة قائلة إن «الذي أحرج الحكومة وأخافها وأرغمها على حزمة الإصلاحات هو المظاهرات الجماهيرية التي انطلقت في معظم أنحاء العراق، والتي لم تكن كسابقاتها من المظاهرات سواء من حيث الحجم أو من حيث ركوب موجتها من بعض الأحزاب والجهات والشخصيات السياسية». وترى أن «دور المرجعية كان مهما لجهة تعضيد المظاهرات، وهو ما أضاف قوة جديدة لقوة الجماهير بحيث لم يعد بمقدور الطبقة السياسية سوى اتخاذ هذه الإصلاحات التي نأمل أن تأخذ طريقها للتنفيذ لا للتسويف».
في السياق نفسه، يقول الناشط المدني والأكاديمي الدكتور كاظم المقدادي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الميزة الأهم لهذه المظاهرات تكمن في عفويتها وكونها عراقية صميمة لم يتمكن أحد من ركوب موجتها، على الرغم من محاولات بعض الجهات والقوى والشخصيات التي أدمنت على الرغم من فشلها ركوب الموجات بهدف حرف الحراك الجماهيري عن مساره». ويكشف المقدادي أنه «حين حاولت فصائل مسلحة (في إشارة إلى العصائب) المشاركة في المظاهرات، علما بأن بعضها يؤمن علنا بولاية الفقيه، قلنا لهم (إننا نؤمن بولاية الوطن وحدها وبالتالي فإنه لا شعار يرفع إلا شعار محاربة الفساد، ولا صور لرجال دين أو زعامات سياسية ولا أعلام أو رايات سوى علم العراق)، وهو ما حصل بالفعل»، مؤكدا «اننا بدأنا نشعر لأول مرة بأن الإرادة الجماهيرية أقوى من كل المحاولات والضغوط مهما كانت».
من جهته، أكد حيدر الغرابي، الأستاذ في الحوزة العلمية والمقرب من المرجعية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «موقف المرجعية واحد لم يتغير منذ بداية التغيير وحتى اليوم، فهي أولا وقفت منذ البداية على مسافة واحدة من الجميع، وكل من ادعى غير ذلك من أن المرجعية تسانده أو تقف إلى جانبه كذبته عبر بيانات صريحة، كما أن موقفها واضح من العملية السياسية وهو تأييدها شريطة أن تكون في خدمة العراقيين بصرف النظر عن أي انتماء». ويضيف الغرابي أن «موقف المرجعية واضح حتى من مشاركة بعض رجال الدين في السياسة، حيث أبلغتهم بأن رجل الدين حين يدخل السياسة يصبح سياسيا لا رجل دين بحيث لا يخلط بين الأمرين»، مشيرا إلى أن «المرجعية أعلنت محاربتها الفساد وشخصت حالاته بكل وضوح دون أن تتدخل في أي تفاصيل، بل إن دورها هو التوجيه والإرشاد ولم تكن يوما، رغم أنها مرجعية للشيعة، إلى جانب طبقة سياسية أو حزب دون آخر يتساوى عندها الجميع سنة وشيعة عربا وكردا وباقي القوميات والأقليات في العراق».



إخضاع منتسبي الكشّافة في مدارس صنعاء للتعبئة العسكرية

فرق الكشافة في صنعاء ترفع شعارات تمجد زعيم الجماعة الحوثية (إكس)
فرق الكشافة في صنعاء ترفع شعارات تمجد زعيم الجماعة الحوثية (إكس)
TT

إخضاع منتسبي الكشّافة في مدارس صنعاء للتعبئة العسكرية

فرق الكشافة في صنعاء ترفع شعارات تمجد زعيم الجماعة الحوثية (إكس)
فرق الكشافة في صنعاء ترفع شعارات تمجد زعيم الجماعة الحوثية (إكس)

​بدأت الجماعة الحوثية في صنعاء، منذ نحو أسبوع، إخضاع منتسبي الكشّافة المدرسية للتعبئة الفكرية والعسكرية، وذلك ضمن حملة استقطاب وتجنيد جديدة تستهدف المراهقين في المدارس، تحت لافتة إقامة ما تسميه الجماعة بـ«ورش تأهيلية».

ووفق مصادر تربوية في صنعاء، أجبرت الجماعة، عبر ما تُسمى مكاتب التعليم والشباب والرياضة، أزيد من 250 عنصراً من الكشافة من طُلاب مدارس حكومية بمديريتي معين وبني الحارث بالعاصمة المختطفة صنعاء، ومدارس في مديريتي بني حشيش وبني مطر بريف العاصمة، على تلقي التعبئة وتدريبات عسكرية مفتوحة، تحت مسمى «طوفان الأقصى».

الحوثيون يخضعون أشبال الكشافة في ضواحي صنعاء للتعبئة (إعلام حوثي)

ويتزامن هذا الاستهداف مع ما تواجهه الكشافة اليمنية، خصوصاً بمناطق سيطرة الجماعة الحوثية، من مشاكل وتحديات كبيرة، يرافقها إهمال متعمد أدى إلى تراجع العمل الكشفي عن أداء مهامه وأنشطته في خدمة المجتمع.

ونقلت وسائل إعلام حوثية عن عبد المحسن الشريف، المُعين مديراً لمكتب الشباب والرياضة في صنعاء، قوله: «إن البرنامج الاستهدافي لقادة وأشبال الكشافة يأتي ضمن ما سمّاها المرحلة الأولى من إعادة (تشكيل وتأهيل) الفرق الكشفية».

وفي حين تستهدف المرحلة الثانية أكثر من ألف طالب كشفي في عدد من المدارس، أوضح القيادي الحوثي أن ذلك يأتي تنفيذاً لتوجيهات كان أصدرها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، تحضّ على إطلاق دورات تعبئة لقادة وأشبال الكشافة المدرسية.

تدمير منظم

تحدث مصدر مسؤول في جمعية الكشافة اليمنية لـ«الشرق الأوسط»، عن جملة من التحديات والصعوبات والعراقيل، تواجه العمل الكشفي ناتجة عن الانقلاب والحرب المستمرة، وما أعقب ذلك من أعمال فساد وتدمير حوثي منظم ضد القطاع الكشفي ومنتسبيه.

وحمّل المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، الجماعة الانقلابية مسؤولية العبث والتدمير ضد الكشافة، من خلال مصادرة الموازنة التشغيلية التي كانت معتمدة بعهد حكومات سابقة للحركة الكشفية، متهماً الجماعة بالسعي إلى تحويل ذلك القطاع الشبابي المهم إلى ملكية خاصة تخدم مشروعاتها التدميرية.

واشتكى طلاب في مجموعات كشفية بصنعاء، شاركوا ببرامج تعبئة حوثية، لـ«الشرق الأوسط»، من إلزام الحوثيين لهم بالمشاركة في دورات عسكرية مفتوحة، وتلقي دروس مكثفة تروّج للأفكار «الخمينية»، وتمجد زعيم الجماعة، وتؤكد أحقيته في حكم اليمنيين.

جانب من محاضرة تعبوية يلقيها قيادي حوثي على منتسبي الكشافة في صنعاء (إكس)

ويؤكد «لؤي» وهو قائد فرقة كشفية لـ«الشرق الأوسط»، إرغامه وعدد من زملائه قبل نحو أسبوع على الحضور إلى بدروم تحت الأرض في ضواحي صنعاء، وهو مكان خصصته الجماعة للاستماع إلى محاضرات يُلقيها عليهم معممون حوثيون.

وركّزت الجماعة في برامجها على الجانب الطائفي دون غيره من الجوانب الأخرى المتعلقة بالتحديات التي تواجه العمل الكشفي.

وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعة الحوثية فِرق الكشافة بالتلقين، فقد سبق أن أخضعت قبل أشهر ما يزيد على 80 طالباً كشفياً في صنعاء لدورات قتالية، بزعم إكسابهم ما تسميه الجماعة «مهارات جهادية».

ولا يقتصر الأمر على الإخضاع للتطييف فحسب، بل تُجبِر الجماعة منتسبي الكشافة في عدد من المدارس الحكومية على تنفيذ زيارات جماعية إلى مقابر قتلاها، وتنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات تجوب الشوارع، وتهتف بشعاراتها ذات البُعدين الطائفي والسياسي.

وكانت مفوضية الكشافة اليمنية قد أدانت سابقاً قيام الجماعة الحوثية بتجنيد الأطفال بمناطق سيطرتها تحت مسمى «الكشافة المدرسية».

ودعا مفوض عام الكشافة، مشعل الداعري، الكشافة العالمية والمنظمة الكشفية العربية إلى إدانة الممارسات الحوثية، والضغط على الجماعة لوقف تجنيد الطلاب والأطفال الذين يجري استقطابهم للتجنيد والتدريب من المدارس.

يشار إلى أن الجماعة الحوثية تلزم قادة وأشبال الكشافة في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها على إلصاق شعار «الصرخة الخمينية» في زيهم الكشفي.