«العربجي»... البيئة الشامية خارج شرنقتها

دراما سورية يتبارز نجومها على التصدُّر

ديمة قندلفت بشخصية «الداية بدور» الباحثة عن «أصل وفصل»
ديمة قندلفت بشخصية «الداية بدور» الباحثة عن «أصل وفصل»
TT

«العربجي»... البيئة الشامية خارج شرنقتها

ديمة قندلفت بشخصية «الداية بدور» الباحثة عن «أصل وفصل»
ديمة قندلفت بشخصية «الداية بدور» الباحثة عن «أصل وفصل»

لا يلتحق «العربجي» بمسلسلات الثلاثين حلقة التي تبدأ بشيء وتنتهي بشيء آخر. قلة تحافظ على إيقاع متصاعد، هو منها. في كل حلقة ما يجعل الحلقة المقبلة منتظرة. النص (عثمان جحى ومؤيد النابلسي) والإخراج (سيف السبيعي) والإنتاج (غولدن لاين) على تكافؤ. وتناغم الأداء الجماعي في أحسن أحواله. من أفضل المسلسلات السورية هذا الموسم الرمضاني، نجومه ليسوا زيادة عدد داخل سياق متهالك. هم الرافعة على أساس متين.
لا تكتفي الجمالية الفنية بتجلّيها الساطع على حركة الممثلين وانفعالاتهم، ولا على التماسك الإخراجي والقبض على روحية زمن فائت ومسرح أحداثه. أقصى التجليات يكمن في الأفكار الجديدة والنظرة المغايرة للمستهلَك. «العربجي» (قنوات عدة و«شاهد») يُجدّد على مستوى الرسائل الموجّهة والرؤية الدرامية. خطّه ليس المألوف في خطوط مسلسلات البيئة الشامية المكررة حدّ الضجر. له لسان آخر يتخلّى عن مفردات قديمة تبلغ بلادتها بلازمة «أمرك ابن عمي» المتآكلة. فهي هنا شبه مغيّبة، ليحلّ مكانها على سبيل النفضة الداخلية، دور بطولي بارز للمرأة، وسُلطة مُفعّلة بين يديها تحرّك المجريات.

نادين خوري تتألق بشخصية «درية خانم»

ذروة الحضور النسائي المؤثر تقتنصها نادين خوري بشخصية «درية خانم». ورغم انقضاض مبالغات على الدور، أقله لناحية قسوة الأم المفرطة حيال أولادها وإذعانهم المطلق لها كأنهم معدومو القرار؛ تبقى في مكانة متألقة تثبت أنها بحجمها. من خلالها، تعبُر إرهاصات التغيير، فلا يتزعّم «العكيد» الحارة، ولا تكتفي المرأة بتنفيذ الأوامر، بل تتصدّر المشهد وتُواجه الرجل وتمسك بالأرزاق والأعناق، فيحسب الكبار والصغار حسابها، حتى المتصرّف ومَن يشغلون الكراسي تحت ظلال السلطنة العثمانية.
صحيح أنّ «التيمات» هي نفسها تقريباً في مسلسلات البيئة الشامية، من الظلم والثأر والفضيحة الأخلاقية، لكنها في «العربجي» تتداخل مع سياق يطفح بالأحداث بقيادة شخصيات تتبارى على الإبهار. النتيجة: فراشة تخرج من شرنقتها. مبارزة باسم ياخور بدور «عبدو العربجي» وسلوم حداد بشخصية «أبو حمزة النشواتي» في القمة.
تملك الشخصيتان الأدوات اللازمة لتوقّع كل شيء منهما. في «عبدو» الكرامة وإن غُمِّست بسوء التقدير وعدم التدارُك قبل الأوان؛ وفي «أبو حمزة» الوضاعة المستترة بالوجاهة. عداؤهما منطلقه الصراع الأزلي بين الظالم والمظلوم. إشارة الحكاية إلى أنها «لم تحدث في أي زمان ومكان، لكنها قد تحدث في كل زمان ومكان»، تمهيد لطرح معضلة بشرية تمسّ طباع الإنسان من رضى وطمع ومهانة ومكانة، تشهد العصور على تأججها لتقطف ما أينع من رؤوس.

 ملصق مسلسل {العربجي}

الاحتدام بين معسكرين، ولا غالب أو مغلوب بعد. وحدها ديمة قندلفت بشخصية «الداية بدور» قادرة على قلب الطاولة. تتجرأ على «درية» بالقول والفعل. أفعى تلدغ أفعى أخرى. يُخرج الدور النسائي المكثّف هدى شعراوي بشخصية «الداية» الأزلية في مسلسلات البيئة الشامية من المعادلة. «الداية» هنا شابة داهية، تدخل منازل الأسياد للبحث عن هويتها. سيكولوجية الشخصيات حاضرة، تُبرر التعاطف مع «الأشرار»، فلا تعود «بدور» مكروهة بالمطلق، بل إنسانة من دوافع ومبررات، تشعر وتتألم، تنجح وتخفق. طموحها عقابها، ورغبتها في «الحسب والنسب» تجعل جميع الوسائل متاحة لبلوغ الغاية.
على مشارف النهاية، يشتدّ فتح النار. والأفاعي تتماهى بالعقارب فتلسع نفسها بأذنابها حين تنعدم الخيارات. تتجبّر «درية» وتتكبّر، وأمام عدالة السماء لن ينفعها جبروتها. مخططها الشرير يستعدّ للارتداد عليها.
يدخل القمح طرفاً في الحرب الصامتة بين المتحكمين بالرقاب والفقراء المرغمين على الإنتاج بأفواه مغلقة. للظلم أشكاله؛ ولعبة البقاء يكسبها الأقوى حتى إشعار آخر. يرجئ «عبدو» الحساب إلى ظرفه المناسب، وما جملته «عدس بترابه بيجي وقت حسابه» سوى استعارة إنسانية لطمأنينة إيمانية تتخذ من مبدأ «يمهل ولا يهمل» قدرتها العظيمة على الإنصاف.
عصبُ النص مشدود، وكاميرا سيف السبيعي تفلح في جعل الحكاية واقعية، ناسها يتألمون في مواضع الألم ويفلشون أحقادهم على الملامح حين يمسّهم تهديد. أمامها، يخرج محمد قنوع بشخصية «شومان» من حضوره التقليدي الطاغي في مسلسلات البيئة الشامية فيتفوق في الأداء، وتملأ روبين عيسى بدور «بديعة» مساحة لافتة لإثبات اللعب الماهر. قافلة المتميّزين في أدوارهم تشمل فارس ياغي بشخصية «حسن النشواتي»، بامتلاكه حضوراً وموهبة يضعان البُعد الثوري للنص بين أيدٍ أمينة. فللحب المحرّم بين «البيك» والعاملة في منزله (دلع نادر بشخصية «حسنية» ابنة «عبدو»)، ضريبته الباهظة، يرفع كلفتها اعتداد «درية» بالأصل والفصل وسحقها لمشاعر تتخطى الطبقية؛ لكنّ السحر قدره الانقلاب على الساحر.
الدور الضئيل لمديحة كنيفاتي (زمرد) يصبّ أيضاً ضمن الأثمان المترتّبة على عصيان الأعراف، لتحظى روعة ياسين بدور «بلقيس النويلاتي» بجرأة اختيار مَن يخفق له القلب (عبدو)، بعد ضيق تبعه فرج وخسارة استحق عوضها الانتظار.
الجميع يحرّكون الأحداث، مباشرة أو بالواسطة: ميلاد يوسف، حسام الشاه، طارق مرعشلي، عبد الرحمن كويدر، شادي الصفدي، وائل زيدان، علي كريم... في المقلب النسائي الثانوي، تشكل حلا رجب بشخصية «نورية» نموذج صحوة الضمير وكلمة الحق في وجه باطل تكرّس بشاعته النفس البشرية قبل سوط الجلّاد وحبل المشنقة.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

أولمبياد باريس: ملاعب مبلّلة... وفلسطين ترفض انسحاب رياضييها أمام الإسرائيليين

بعض المنافسات لم تتأثر بالأمطار الغزيرة وانطلقت في مواعيدها (أ.ب)
بعض المنافسات لم تتأثر بالأمطار الغزيرة وانطلقت في مواعيدها (أ.ب)
TT

أولمبياد باريس: ملاعب مبلّلة... وفلسطين ترفض انسحاب رياضييها أمام الإسرائيليين

بعض المنافسات لم تتأثر بالأمطار الغزيرة وانطلقت في مواعيدها (أ.ب)
بعض المنافسات لم تتأثر بالأمطار الغزيرة وانطلقت في مواعيدها (أ.ب)

وضعت الأمطار الغزيرة منظمي أولمبياد باريس في اختبار صعب منذ اليوم الأول، وتسبّبت في تأجيل منافسات التزلج على اللوح في الشوارع للرجال، كما تأجلت مباريات في منافسات التنس.

وشهد حفل الافتتاح المبهر «المبلل» مشاركة آلاف الرياضيين في مسيرة، على متن أسطول من الزوارق على نهر السين في قلب العاصمة الفرنسية، وهم يلوّحون للجماهير رغم هطول الأمطار.

وضحكت لاعبة الريشة الطائرة الصينية هي بينجياو، عندما سُئلت عما إذا كانت تعتقد أن حفل الافتتاح كان جميلاً، وقالت إنها لم تتمكّن من الحضور بسبب الطقس.

وقالت: «للأسف لم أتمكّن من الحضور بسبب المطر. كان عليّ أن أستريح. ليس من الطبيعي إقامة حفل مثل هذا على متن القوارب. كنت أشاهده على هاتفي».

واستمر هطول الأمطار لليوم الثاني؛ ما أدى إلى إعادة جدولة بعض الأحداث، وكانت المظلات أكثر وضوحاً من النظارات الشمسية في لعبة الكرة الطائرة الشاطئية عند سفح برج إيفل.

وقال متحدث باسم الاتحاد الدولي للتزلج، بعد إعادة جدولة منافسات السبت إلى الإثنين، بسبب غرق منطقة لا كونكورد، المكان المفتوح الذي كان من المفترض أن تُقام فيه المنافسات، «إن عامل الخطر يصبح مرتفعاً للغاية عند التزلج تحت المطر».

كما تعطّل اليوم الافتتاحي لمنافسات التنس؛ إذ أُصيب الآلاف من المتفرجين، الذين لم يكن لديهم تذاكر لحضور المباريات على الملعبين الرئيسيين، بالإحباط بعد الوقوف في طوابير طويلة لمحاولة الدخول.

وبدأ اللعب في الوقت المحدد تحت سقف ملعب «فيليب شاترييه»، وفي ملعب «سوزان لينجلين». لكن المنافسات تأخرت على الملاعب المكشوفة.

ومع ذلك، قال منظمو باريس 2024، إنهم واثقون بأن منافسات الثلاثي ستُقام كما هو مقرر يوم الثلاثاء على الرغم من أن المطر قد يؤدي إلى إلغاء جلسة التدريب الأحد، بسبب المخاوف بشأن جودة المياه في نهر السين.

الأمطار الغزيرة أدت إلى تأجيل مباريات التنس (رويترز)

وتوقعت «هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية» أن يجف الطقس، الأحد، قبل أن يصبح شديد الحرارة الأسبوع المقبل، ومن المتوقع أن تصل درجة الحرارة إلى 36 درجة مئوية، يوم الثلاثاء.

من جانب آخر، قال رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، جبريل الرجوب، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، السبت، إنه لن يطلب من رياضييه المشاركين حالياً في الألعاب الأولمبية في باريس الانسحاب، حال أوقعتهم القرعة مع لاعبين إسرائيليين، وذلك بموازاة الحرب الدائرة في غزة.

وفي أكثر من حالة سابقة، انسحب رياضيون عرب في محافل دولية، تفادياً لمواجهة رياضيين من إسرائيل، رفضاً للتطبيع؛ ما عرّضهم لعقوبات الإيقاف من الاتحادات الدولية.

وقال الرجوب، من مقر البعثة الفلسطينية: «أولاً لن أعطي هذه التعليمات، ولن أعطيها (بالانسحاب). لكن يمكنك سؤال الرياضيين. أحدهم خسر ثمانين شخصاً من عائلته وأقاربه».

وأضاف الرجوب، الذي يرأس أيضاً الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم: «لن أطلب أبداً هذا الشيء. أطلب من الرياضيين الالتزام بالشرعية الأولمبية».

وعما إذا كان سيعاقب الرياضيين الذين ينسحبون من مواجهة إسرائيليين، ترك الرجوب الكرة في ملعب رياضييه: «تعليماتي واضحة. من يخالف الشرعة الأولمبية هي إسرائيل. هل تصرّفت اللجنة الأولمبية الدولية فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية وفقاً للشرعة الأولمبية؟ عندها يمكن الحكم على الرياضيين الفلسطينيين».

وتشارك البعثة الفلسطينية بثمانية رياضيين في أولمبياد باريس 2024، باحثة عن تحقيق أول ميدالية في تاريخها.

من جانب آخر، قرر عقيل مفتن، رئيس اللجنة الأولمبية العراقية، فتح تحقيق للكشف عن ملابسات سقوط مصارع الجودو سجاد غانم في اختبار منشطات، قبل مشاركته في ألعاب باريس.

وأوقفت وكالة الاختبارات الدولية الجمعة غانم مؤقتاً، بعد أن كشفت تحاليل عينته عن وجود مواد محظورة رياضياً.

واستُبعد غانم من المشاركة في أي فعاليات في أولمبياد باريس، لكن يمكنه طلب الخضوع لفحص عينة ثانية.

ونقلت «وكالة الأنباء العراقية» عن مفتن قوله في بيان: «اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية لن تقف مكتوفة الأيدي في هذه القضية، وستحاسب المقصر، سواء كان اللاعب أو المدرب أو الإدارة أو اتحاد اللعبة، وستكون العقوبة قاسية بحق من تسبّب بتشويه سمعة اللجنة الأولمبية في هذا المحفل الكبير».

وأضاف: «ما حدث للاعب سجاد غانم يُعد سابقة خطيرة في الرياضة العراقية، إذ إن اللجنة الأولمبية دائماً ما تكون حريصة على أن تكون مشاركتها في المحافل الخارجية بصورة مثالية، وبعيداً عن أي مشكلات تُذكر، لذلك فإن ما حدث لن يمر مرور الكرام، وستكون العقوبات قاسية جداً بحق المتسبب».

من جانب آخر، احتجت كوريا الجنوبية على تقديم رياضييها المشاركين في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية على أنهم من كوريا الشمالية، ما دفع اللجنة الأولمبية الدولية إلى الاعتذار عن هذا الخطأ.

ولدى مرور القارب الذي ينقل رياضيي الجنوب في نهر السين، تم تقديمهم على أنهم من «جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية» باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وهو الاسم الرسمي لكوريا الشمالية التي لا تزال جارتها الجنوبية تقنياً في حالة حرب معها.

وتقدمت «الأولمبية الدولية» باعتذار عما حصل، جاء فيه «نعتذر بشدة عن الخطأ الذي حصل عند تقديم الفريق الكوري الجنوبي خلال بث حفل الافتتاح»، وذلك في منشور عبر حسابها باللغة الكورية على منصة «إكس».