هدف ماكرون المعلن من زيارة بكين تحقيق انفراجة في الحرب الأوكرانية

وبعد أسبوع منها أصبح السؤال المطروح: ما هو المردود غير المتوقع لقمته مع نظيره شي؟

لم تتم دعوة أورسولا فون دير لاين لبعض الفعاليات خلال زيارة بكين حيث كان واضحاً أن ماكرون كان الشخصية الرئيسية فيها (رويترز)
لم تتم دعوة أورسولا فون دير لاين لبعض الفعاليات خلال زيارة بكين حيث كان واضحاً أن ماكرون كان الشخصية الرئيسية فيها (رويترز)
TT

هدف ماكرون المعلن من زيارة بكين تحقيق انفراجة في الحرب الأوكرانية

لم تتم دعوة أورسولا فون دير لاين لبعض الفعاليات خلال زيارة بكين حيث كان واضحاً أن ماكرون كان الشخصية الرئيسية فيها (رويترز)
لم تتم دعوة أورسولا فون دير لاين لبعض الفعاليات خلال زيارة بكين حيث كان واضحاً أن ماكرون كان الشخصية الرئيسية فيها (رويترز)

أثارت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصين ولقاؤه الرئيس الصيني شي جينبينغ، أخيراً، ردود فعل متباينة، خاصة تصريحات ماكرون التي أعقبت الزيارة، والتي أغضبت الكثيرين في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. ويقول الأدميرال الأميركي المتقاعد جيمس ستافريديس، في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إنه رغم ذلك اتضح أن ذلك اللقاء الدبلوماسي المهم للغاية أقل أهمية مما توقع الطرفان. ولحسن الحظ، لا يبدو أنه أدى إلى التسبب في أضرار كان يخشاها الكثيرون في الولايات المتحدة. وقد وُصفت تلك الزيارة بأنها انفراجة دبلوماسية محتملة، يمكن خلالها أن يقنع ماكرون بشخصيته الكاريزمية الرئيس الصيني بدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تربطه به صداقة «بلا حدود»، إلى المشاركة في مفاوضات سلام بشأن الحرب في أوكرانيا. من ناحية أخرى، يحتمل أن شي كان يأمل في إحداث انقسام في التحالف الغربي وبناء علاقات ثنائية أكثر قوة مع فرنسا.
ومع ذلك، يبدو أن الزيارة لم تسفر عن أي شيء أساسي، وأبقت على عدد من الأسئلة من دون إجابة.
والأمر الأكثر أهمية هو: ماذا تقول القمة عن العلاقات بين بكين وأوروبا على نطاق واسع؟ وقد تمثل أحد جوانب الزيارة في الاهتمام الأقل مما ينبغي بوجود رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في الصين. فقد حظي ماكرون بمعاملة فاخرة؛ شملت تناول الشاي في مدينة قوانجشو التي كان يقيم فيها والد شي (قبل سقوطه الدراماتيكي من السلطة أثناء الثورة الثقافية). ولم يكن الترحيب بفون دير لاين على مستوى عالٍ في مطار بكين، ولم يتم دعوتها لبعض الفعاليات التي كان من الواضح للغاية أن ماكرون كان الشخصية الرئيسية فيها.
وقال ستافريديس إن محاولة التقليل من شأن فون دير لاين كان خطأ من جانب الرئيس الصيني. وأضاف: «إنني أعرفها منذ أن كانت وزيرة للدفاع في ألمانيا بعد أن كنت قائداً أعلى للقوات المتحالفة في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وبقينا على اتصال طوال العقد الماضي، وعملها في حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل وحالياً في الاتحاد الأوروبي يستحق العرفان. فهي صلبة، وعميقة التفكير، وذكية استراتيجياً ومرشحة بارزة لتصبح أول امرأة تترأس (الناتو). ولا شك أن شي ضايقه بعض تصريحاتها قبل زيارتها للصين؛ إذ وصفتها بأنها دولة قمعية على الساحة الدولية، كما أدلت بآراء متشددة بشأن تهديد الصين لتايوان». وتمثل هدف ماكرون المعلن من الزيارة في تعزيز مسار إلى الأمام في الحرب الأوكرانية، وقد شجع ماكرون شي على بحث الوضع مباشرة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وربما حقق ماكرون نجاحاً أكبر في الحصول على بعض المكاسب التجارية لبلاده، وقد رافقه عشرات من رجال الأعمال الفرنسيين.
وأعرب ماكرون عن شعوره بالضيق وهو يستنكر «فك الارتباط»؛ وهو ما يعني انفصال الولايات المتحدة والصين عن بعضهما اقتصادياً والاتجاه نحو وضع اقتصادي في ظل حرب باردة. وتعتبر بكين فك الارتباط خطوة أولية لاستراتيجية غربية للاحتواء لعرقلة نمو الصين وقوتها.
ومن الناحية الدبلوماسية، تمثلت استراتيجية شي في محاولة لجذب فرنسا بعيداً عن موقف الحلف الأطلسي الأوسع نطاقاً بشأن الحرب في أوكرانيا، والحد من الدعم الأوروبي لتايوان، وتقويض محاولات الولايات المتحدة لعزل الصين اقتصادياً أو في الفضاء السيبراني. وتأتي محاولات الصين مع فرنسا في وقت تشهد فيه الدبلوماسية الصينية نجاحاً كبيراً، خاصة في تحقيق تقارب مفاجئ بين إيران والسعودية.
ويقول ستافريديس إنه يبدو بعد مضي أسبوع أنه لم يحقق أي من الطرفين أهدافه. فوفقاً للبيان الختامي المشترك، يتضح أن الصين غير مستعدة لاتخاذ موقف رئيسي لتحقيق السلام في أوكرانيا. وفي أفضل الأحوال، ربما حصل ماكرون على ضمان خاص بأن الصين لن ترسل شحنات أسلحة رئيسية إلى موسكو.
وأكثر قضية أهميةً بالنسبة للطرفين هي في الحقيقة أكبر من فرنسا؛ وهي الدور الأوروبي الشامل في هياكل الأمن العالمية ونظام التجارة الدولي. وكان هنري كيسنجر قد قال في أحد مقالاته إن أوروبا «في مفترق طرق حاد».
وأكد ستافريديس أن الأوروبيين يزدادون تقارباً، خاصة بعد أن اختارت المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي. وهذا خبر سار بالنسبة للولايات المتحدة. فالأوروبيون أكثر قوة عندما يتحدون، ويتنافسون بصورة
جماعية مع الصين فيما يتعلق بإجمالي الناتج المحلي والإنفاق العسكري.
ولم يكن لدى واشنطن ثقة كبيرة في أن يستطيع ماكرون إقناع شي بالابتعاد عن موسكو، ولكنها كانت تحبس أنفاسها وهي تأمل ألا تؤدي الزيارة إلى إلحاق الضرر بمركز الجاذبية الرئيسي في حرب أوكرانيا، وهو الوحدة
الغربية والإرادة عبر «الأطلسي». ورغم أن ماكرون وفون دير لاين لم يستطيعا تقريب الصين من الموقف الأوروبي بشأن أوكرانيا، فسوف تؤدي جبهتهما الموحدة بشأن الأمور الجيوسياسية التي هي أطول مدى إلى خدمة الغرب جيداً.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.