النساء اللواتي يقرأن خطيرات

ستيفان بولمان يتناول تاريخ القراءة النسائية في الرسم والتصوير

ستيفان بولمان
ستيفان بولمان
TT

النساء اللواتي يقرأن خطيرات

ستيفان بولمان
ستيفان بولمان

في معظم كتبه ابتداءً من كتابه الأول «النساء اللواتي يقرأن خطيرات»، (2005)؛ وكتبه اللاحقة «النساء اللواتي يكتبن، يعشن في خطر» (2006)، و«لماذا تجعلك القراءة سعيداً» (2007)، وكذلك كتاب تحت عنوان «تعيش النساء اللواتي يكتبن حياة أخطر وأخطر» (2011) و«النساء اللواتي يفكرن فإنهن خطرات وقويات» (2012)، و«النساء والكِتاب» (2013)، و«أجمل رسائل النساء» (2015)... وغيرها، اهتم الكاتب الألماني توماس بولمان بالمرأة وتاريخها، وبحث بشكل خاص عن صور النساء اللواتي يقرأن، كما جسّدهن التصوير الفوتوغرافي والرسم في القرون الماضية.
وفي كتابه «النساء اللواتي يكتبن، يعشن في خطر» يعرض بولمان صوراً لخمسين مؤلفة من القرن الثالث عشر، مثل هيلديغارد دو بينجن، وكرستين دو بيزان، وفي القرن التاسع عشر مع الأخوات برونتي، وجورج ساند، وكوليت، إلى العصر المعاصر كفرجينيا وولف كارسون ماكولز، ومارغريت يورسونار، وأنيِّس نين، وسيمون دو بوفوار، ومارغريت دوراس، وفرنسواز ساغان، وتوني موريسون، وإيزابيل أليندي أرونداتي روي.
لكن لماذا هذه النماذج من النساء خطيرات؟ عندما تقرأ المرأة رواية عن الخيانة، هل ستطبق ما قرأت؟ هل من هنا ينبع الخوف؟ لكن بالعكس، حسب كريستين هِمِّريختس التي كتبت مقدمة كتاب «النساء اللواتي يكتبن يعشن في خطر»، ربما تخون المرأة إذا لم تقرأ مثل هذه الرواية، وذلك لأن قراءتها تحميها، وتصبح واعية أكثر لتتجنب ارتكاب أخطاء جسيمة. ونعلم أيضاً أنه عندما تقرأ المرأة فإنها لا تبرح مكانَها؛ فهي هنا وهناك، حاضرة وغائبة في الوقت نفسه. ولنعد إلى الرسام الذي سجل بريشته هذه الهنيئة للمرأة القارئة. يبدو أنه يواجه معضلة صعبة. وحسب النظرية الثنائية dualism، ورائدها ديكارت في القرن السابع عشر، فإن الإنسان جسم وعقل. فهل سيرسم الـ«هنا» أم الـ«هناك»؟ هل سيرسم الجسد أم العقل؟ لكن غالبية الرسامين يهملون هذا الانقسام الأفلاطوني، فيرسمون وبِتفانٍ شديد ما هو موجود أمامهم: الجسد. فبالنسبة لهم، يقتصر العالم على ما يمكن ملاحظته تجريبياً؛ فالمرأة خُلقت لغواية الرجل وتمتيع عينيه؛ لذلك فالمرأة التي تقرأ هي أولاً قبل كل شيء امرأة. وبهذا عاشت سجينة نظرة الرجل إليها. تقول همِّريختس إن جوهر القراءة هو أن تنسى ما يحيط بك، وهو نسيان نظرة الآخر لك، وكذلك نسيان جسدك؛ فالمرأة، في أثناء القراءة، تبدو منغمسة في دواخلها وبعمق أكثر مما كانت عليه قبل القراءة. وفي البداية، كانت النساء يقرأن كتيبات عن الدين، وهذا ما يُعكَس أيضاً في اللوحات والصور الفوتوغرافية في عصرَي النهضة والباروك. وتغير وضع المرأة إلى الأحسن؛ ونلاحظ ذلك في اللوحة الأكثر شهرة للرسام الهولندي يوهانوس فيرمير «المرأة التي تقرأ رسالة». يبدو أنها حامل. تقرأ رسالة وصلت إليها من زوجها البعيد عنها. ومن خلال هذه اللوحة، نكتشف أن المرأة الهولندية تقرأ وتكتب منذ القرن السادس عشر.
لكن المرأة التي تقرأ، تتساءل همِّريختس، هل يمكن أن تصبح كما كانت عليه؛ المرأة التي لم تقرأ؟ فبالقراءة رأت النور في مكان آخر، وهي تعرف أن هذا النور موجود. لقد أصبحت خطرة على الذين يريدون إيقافها ووضع عراقيل أمامها. لكنها لن تكترث بعد لِمن يقول لها: ابقيْ هنا! اجلسي! كوني هادئة!
يبدو أنها، من خلال القراءة، استطاعت أن تكتسب معرفة وخبرة وأسلوباً لم يسبق أن حدده لها المجتمع. هذا الفصل الآسر في تاريخ قراءة النساء هو ما اكتشفته لور أدلر وستيفان بولمان، مع اهتمام خاص بالتفاصيل. يقود خيط التحليل من العصور الوسطى إلى يومنا هذا، مع التركيز بشكل خاص على أعمال معينة لفنانين هولنديين، مثل رامبرانت وفيرمير، وأيضاً مانيه، وماتيس، أو إدوارد هوبر، حتى الصورة الشهيرة التي التقطتها إيف أرنولد والتي تظهر مارلين مونرو وفي يدها كتاب، منشغلة في قراءة «أوليس» لجيمس جويس. ينعكس تاريخ القراءة النسائية في الرسم والتصوير؛ صور فنانين لنساء يقرأن من جميع العصور. ومع ذلك، فقد استغرق الأمر قروناً قبل أن يُسمح للنساء بالقراءة كما يحلو لهن وبعدئذ الكتابة. كانت وظيفة النساء الأولى هي التطريز والصلاة والاعتناء بالأطفال والطهي. ومن اللحظة التي اعتبرن فيها أن القراءة توفر إمكانية لاستبدال ضيق العالم المنزلي بمساحة غير محدودة من الفكر والخيال وأيضاً المعرفة، عندها أصبحت النساء خطرات في نظر الأسرة والمجتمع.
«نعم إن المرأة خطرة»، كما يقول ويقصد الشاعر الألماني هينريخ هين (1797 - 1856) ويقصد بهذا القول الكاتبات؛ فلفترة طويلة، كانت غالبية النساء يستطعن القراءة، ولكنهن لا يتقنّ الكتابة؛ التي كانت حكراً على الرجال فقط. وعندما حصلن على حق الكتابة، فمن بين العقبات التي واجهنها إيجاد وقت للكتابة التي تتطلب العزلة، وهذا في حد ذاته ثمن باهظ، بالإضافة إلى الخطر المتمثل بعدم امتثالهن لتقاليد المجتمع. ثم كان عليهِّن أن يخضن صراعاً طويلاً، ألا وهو الاعتراف بإنتاجهن الكتابي.
وُلد ستيفان بولمان عام 1958 بمدينة دوسلدورف. درس فقه اللغة الألمانية، والدراما، والتاريخ، والفلسفة. كانت أطروحته للدكتوراه عن الكاتب الألماني توماس مان. يعيش ويعمل محاضراً ومؤلفاً وناشراً في ميونيخ. أقام فترة طويلة في باريس، وبعدها عمل لمدة ست سنوات أستاذاً مساعداً في جامعة مانهايم.



رؤية موحّدة للحياة في سياق علاقات تفاعلية معقّدة

فرتجوف كابرا
فرتجوف كابرا
TT

رؤية موحّدة للحياة في سياق علاقات تفاعلية معقّدة

فرتجوف كابرا
فرتجوف كابرا

عندما وقعتْ عيني على نسخة إلكترونية من كتاب «الطاوية والفيزياء الحديثة» لم أتأخّرْ في قراءته على الفور، وأضاف العنوان الثانوي للكتاب «استكشافُ التماثلات بين الفيزياء الحديثة والصوفية الشرقية» دافعية إضافية لي لقراءة الكتاب.

كان الكتابُ هدية، حسبتها كبرى؛ لسببَين: أمتعَني كثيراً لأنّه قدّم رؤية حديثة غير مستكشفة للفيزياء المعاصرة، تختلف نوعياً عن الفيزياء المدرسية في سياقاتها المعروفة، وتكمن الجدّة والحداثة في تقديم الفيزياء كمسعى إنساني يتناغم مع سائر تطلّعات الإنسان الطموحة في إضفاء معنى حقيقي على وجوده البشري.

وفّر لي الكتاب، وهذا هو السبب الثاني، معرفةً بالفيزيائي النظري فريتجوف كابرا Fritjof Capra، الذي علمتُ منذ قراءتي كتابه أنّ متابعتي له لن تنقطع أبداً في السنوات اللاحقة، كما حدستُ أنّ كتابه ذاك كان مقدّمة تمهيدية لانخراطه في مباحث أكثر تعقيداً بشأن دراسة مفهوم الحياة ذاتها دراسةً نسقية موحّدة، تعتمدُ الثراءَ التفاعلي بين حقول معرفية متعدّدة، وجاءت السنوات اللاحقة مصداقاً لحدسي؛ إذ نشر كابرا العديد من الكتب المهمّة التي تُرجِم بعضها إلى العربية، وآخرُها - وهو أهمّها بالتأكيد- الكتاب المعنون «النظرة النُّظُميّة إلى الحياة.. رؤية موحِّدة» The Systems View of Life: A Unifying Vision.

لندقّقْ في ضمّ النون والظاء في مفردة (النُّظُمية)، أحياناً قد تسمّى رؤية منظومية أو أنظومية. الفكرة واحدة، وهي إحالةٌ إلى مفهوم النظام System، وأُفضّلُ من جانبي مفردة الرؤية النسقية؛ لأنّ النسق يأتي في سياق تناول تاريخ الأفكار، وليس في السياق التقني الضيّق والمحدّد للمفردة.

لويسي

لن أُخفي سعادتي بهذه الترجمة، ولي أسبابي العديدة، التي أوّلها أنّ مؤلّفَي الكتاب عَلَمان كبيران في حقل أبحاثهما الخاصة بنظرية التعقيد Complexity Theory وتطبيقاتها في مفهوم الحياة بكلّ متفرعاتها على صعيد العلم والتقنية والاقتصاد والبيئة، ومن أسبابي الأخرى رغبتي التوّاقة في إشاعة هذا اللون من الفكر النسقي الخاص بالنُّظُم الدينامية المعقّدة التي نشكو منها فراغاً معيباً - يكادُ يوصف بفجوة معرفية وفكرية كثقب أسود- على صعيد الفكر العام وأروقة الأكاديميا معاً.

يكتب كابرا في تقديم الكتاب أنّه لطالما رأى فيه تحقيقاً لحلم راوده طويلاً، وملأه إثارةً على مدى سنوات عديدة، وقد عظّم بواعث الإثارة اشتراكُه مع صديقه القديم بيير لويجي لويزي Pier Luigi Luisi في تأليف الكتاب-الحلم، وخصوصاً أنّ لويزي معروفٌ عنه أنّه أحد أكابر المختصين العالميين بموضوعة «أصل الحياة والتنظيم الذاتي في النُّظُم التركيبية والطبيعية».

جاءت النتيجة كتاباً مرجعياً «Textbook»، وصالحاً للقراءة العامة أيضاً، تشتبك فيه الحياة في أبعادها الأربعة: البيولوجية، الإدراكية (المعرفية)، الاجتماعية، والبيئية.

هذا ما يفعله الكاتبان في جزء الكتاب الأول؛ أما في جزئه الثاني فيقدّمان أطروحة ثمينة بشأن المترتبات الفلسفية والاجتماعية والسياسية الناشئة عن التناول النسقي الشامل لمفهوم الحياة. الأطروحة الأساسية في الكتاب هي مغادرة النظرة الميكانيكية الاختزالية (الديكارتية) للحياة بوصفها آلة معقّدة، والانتقال المفاهيمي إلى رؤية الحياة بكونها سلسلة علاقات دينامية مشتبكة.

ثمة انتقالة مفاهيمية من الحياة بوصفها أشياء مادية إلى الحياة بوصفها شبكة علاقات بينية متداخلة لا يمكن فكّها أو اختزالها.

المفهوم الأساسي في النظرة النُّظُمية للحياة في عالمنا كثيف الاشتباك هو الإدامة الذاتية «Autopoiesis»، ذلك المفهوم الأساسي الذي طوّره هومبرتو ماتورانا وفرانسيسكو فاليرا في سبعينات القرن العشرين.

وطبقاً لهذه الرؤية فإنّ النُّظُم الحيّة تعيد تجديد مادتها الحية بطريقة حثيثة مستمرة عبر التحوّل إلى أشكال حيوية جديدة أو استبدال بعض أو كلّ أعضائها الحيوية، تقترن هذه الفعالية بتغيرات بنيوية (هيكلية)، مع الحفاظ على أنماط التنظيم الأساسية مع باقي الأجزاء الحيوية، ومع المحيط كذلك، إذن ظاهرة الحياة تنطوي على هذه الثنائية العجيبة: الاستقرارية «Stability»، والتغيّر «Change» معاً.

الاستقرارية والتغيّر خصيصتان جوهريتان في ظاهرة الحياة، تذكّراننا بمفهوم الجديد النوعي الناتج عن تفاعل ضدَّين قطبيَّين متعاكسَين، ربما تكون الرؤية النسقية للحياة هي المعادل البيولوجي المادي المعاصر للتركيب الهيغلي الذي يشتغل في نطاق الأفكار العليا، كمثال على الرؤية الجديدة للأفكار، فإننا بدلاً من التفكير بـ(العقل) في السياق التقليدي المتوارَث كجسم سكوني، صِرنا اليوم نشهد انتقالة نحو مفهوم الصيرورة الإدراكية «Process of Cognition»، الجسم السكوني (الدماغ) الذي ينبثق عنه العقل استحال شبكةً من العلاقات في نطاق صيرورة تفاعلية معقّدة؛ الأمر الذي نشأ عنه علمٌ كامل هو العلم الإدراكي الذي انطوت تحت ظلِّه الأُطُر المعرفية الكلاسيكية المعروفة في البيولوجيا والعلم العصبي وعلم النفس والإبستمولوجيا... إلخ.

قراءة كتاب «النظرة النُّظُمية إلى الحياة» رحلة في دراسة النظام «Order»، والتعقيد «Complexity» في العالم الحي، تتيحُ لنا فهم الخواص السلوكية للنُّظُم الفوضوية المعقّدة، والهدف هو فَهم أنماط التنظيم والفعاليات التطورية في النُّظُم الحية.

عندما نفكرُ في سياق نسقي فإنّ التنظيم والهيكلية (التركيب) والصيرورة هي الخواص الثلاث المتلازمة غير القابلة للاختزال في ظاهرة الحياة، الإشكالية الكبرى عند دراسة النُّظُم المعقّدة في سياق نسقي، عبر عملية النمذجة والمحاكاة، تكمنُ في أنّ العلماء والمختصين بهذه الظاهرة لا يمنحون الخواصّ الثلاث المميِّزة لهذه النُّظُم أهمية متساوية، بسبب إرثنا الثقيل من الفلسفة الديكارتية القائمة على ثنائية العقل- الجسد، فضلاً عن الخواص الثلاث المتداخلة أعلاه ثمّة خاصية رابعة تنبثق عنها، وهي خاصية المعنى «Meaning».

لنأخذ مثالاً لنظام دينامي معقّد غير بيولوجي: وسائط التفاعل الاجتماعي، تستخدمُ هذه الوسائل الاتصالية والتواصلية لغة رمزية ومحدّدات ثقافية وتَمظهُرات مختلفة من علاقات السلطة، يمكن القول إنّ النظرة النُّظُمية عند تطبيقها على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن لها أن تقدّم لنا مثالاً على تحليل عناصر القوة (السلطة)، والهياكل الاجتماعية (التراتُبية الطبقية والاقتصادية)، والقيادة، والجماعات البشرية، دعونا نتذكّرْ أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تضمّ عناصر بيولوجية (المستخدمون البشريون)، مع عناصر غير بيولوجية (العناصر المادية للتواصل)، لا فرق بين العنصر البيولوجي وغير البيولوجي إلا في درجة التعقيد.

ويخصّص المؤلّفان فصلاً كاملاً في الكتاب لموضوعة «العلاقة بين العلم والدين والروحانية» «Spirituality»، وثمة أُطُر فكرية تكامُلية بين هذه الحقول الثلاثة، كذلك الإطار الذي يقدّمه كين ويلبر Ken Wilber الذي يدّعي بلوغه «نظرية كل شيء» في هذه الحقول الثلاثة.

يقدّم المؤلّفان إطاراً أقلّ ادّعاءً؛ فهما يتأمّلان في مواضع الالتقاء والاختلاف الممكنة بين هذه الحقول. ومن المثير في الكتاب بهذا الشأن أنّ المؤلّفَين يقدّمان الروحانية كنظام أخلاقي في سياق القيم البشرية، وعلى أساس هذه الرؤية تكون المعرفة البيئية «Ecoliteracy»، مثلاً، دالّة على مقدار قدرتنا على فهم المبادئ الأساسية للبيئة والاستدامة معاً، وبما يمكّننا من العيش التكامُلي مع البيئة في تفاعل أخلاقي لا ينفصم، البيئة وعاءُ وجودنا، والإساءة إليها فعل لا أخلاقي جسيم، تماماً مثل الإساءة إلى أجسادنا. هكذا يتّحد الوجود المادي مع الأخلاقيات الرفيعة في سياق الرؤية النسقية للحياة، نسعى لما هو أبعد من الفهم المجرّد، نريد بلوغ المقصد الأخلاقي وراء كلّ سلوك دينامي معقّد على صعيد الكائن البشري والطبيعة معاً.

يمكن للنظرة النُّظُمية عند تطبيقها على وسائل التواصل الاجتماعي أن تقدّم لنا مثالاً على تحليل عناصر القوة، والهياكل الاجتماعية، والقيادة، والجماعات البشرية

اعتمد المؤلّفان تصميماً أظنّه رائعاً في هيكلة الكتاب، فالأجزاء الرئيسية في الكتاب (وهي أربعة) تضمّ العناوين الكبيرة: الرؤية العالمية الميكانيكية، نشأة التفكير النسقي، مفهوم جديد للحياة، إدامة شبكة الحياة، وكلّ جزء من هذه الأجزاء الأربعة يضمّ أجزاءً ثانوية تتفرّع بدورها إلى أجزاء ثانوية أصغر يَشِي بها نظام الترقيم، ويمكن للقارئ أن يختار منها أجزاء منتخَبة للقراءة، وإن كنت أحسبُ أنّ سياق ترتيب الأفكار في الكتاب سيدفع القارئ الشغوف لمتابعة القراءة بحسب التسلسل السياقي لها في الكتاب. ينتهي كلّ جزء بملاحظات استنتاجية تعزّز التفكير السياقي لدى القارئ، وحجم المراجعة التاريخية للأفكار والشخوص في الكتاب ليس بالحجم القليل أبداً، وهذا ما يعزّز أهمية الكتاب، ويضعه في مصافّ الكتب التي لا يحتاج معها القارئ للانشغال بمراجعات كثيرة، وفي نهاية الكتاب ثمة ثبتٌ لمصادر كثيرة في الموضوع تُغني من يشاء الاستزادة الفكرية العامة أو الفلسفية في شتى جوانب موضوعة التعقيد والنُّظُم الدينامية المعقدة.

يقالُ في تراثياتنا العربية في سياق الإطراء على كتاب بعينه أنّ كتاباً قد يُغني عن عشرة، أثِق كثيراً أنّ كتاب كابرا ولويزي يُغني عن أكثر كثيراً من عشرة كتب!! هو كتاب ضخم يستلزم جلَداً وشَغفاً ورغبة في الاستزادة من المعرفة المعاصرة، وهو ليس قراءة سياحية، لكنه مع هذا يمكن أن يقدّم طبقاً ثرياً من المعرفة، لا بأس من قراءته بتمهّل وتفكّر على مدى شهر كامل، ولا أظنُّ أن الشهر كثير على ألوان المعرفة والأفكار المخبوءة فيه.

عنوان الكتاب: رؤية نُظُمية إلى الحياة – رؤية موحّدة

المؤلف: فريتجوف كابرا وبيير لويجي لويزي

الناشر: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع

عدد الصفحات: 601

تأريخ النشر: 2023