بايدن يعتزم خوض السباق الرئاسي... لكنه «غير مستعد» لإعلان ترشحه حالياً

حسابات المنافسة مع ترمب ومعركة رفع سقف الديون تؤخر الإعلان

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

بايدن يعتزم خوض السباق الرئاسي... لكنه «غير مستعد» لإعلان ترشحه حالياً

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

خلال استقبال جو بايدن وزوجته جيل بايدن ضيوفاً في البيت الأبيض للاحتفال بـ«عيد الفصح»، قال الرئيس الأميركي في تصريحات تلفزيونية، إنه يخطط للترشح للسباق الرئاسي بهدف الفوز بولاية ثانية، لافتاً إلى أنه ليس مستعداً للإعلان عن ذلك بعد.
وأعلن بايدن مرات عدة نيته الترشح لولاية ثانية، لكنه أحجم عن الإعلان الرسمي لخوض السباق الرئاسي، خاصة في توقيت يستحوذ فيه الرئيس السابق دونالد ترمب على الكثير من الأضواء. وفي الوقت نفسه، يوجّه ترمب بعضاً من أقسى هجماته إلى خصم أساسي لم يعلن ترشحه رسمياً حتى الآن، وهو حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتوس.
وكان نهج بايدن في تصريحاته العلنية يشير إلى أنه «ينوي الترشح» في عام 2024، لكنه كان دائماً يصيغها مع تحذير بأنه «يحترم القدر»، في إشارة إلى الاحتمال الحقيقي بأن الظروف، سواء كانت سياسية أم شخصية، يمكن أن تتغير، وتغير وجهته. إلا أن مسؤولي إدارة بايدن وفقاً لشبكة «إن بي سي نيوز» بدأوا التحضير بالفعل لإطلاق حملة إعادة انتخاب بايدن. وقال مسؤول في البيت الأبيض، إن تأخير الإعلان عن الترشح رسمياً يعود إلى حرص الرئيس بايدن على «الحفاظ على خيار عدم الترشح» أيضاً.
ويؤكد مساعدون، أن بايدن سيسعى بالفعل لخوض السباق لولاية ثانية، وأن الاستعدادات جارية وفقاً لذلك، بحيث يعلن ترشحه رسمياً بالتزامن مع جولة، على غرار الحملة الانتخابية، تروّج لإنجازاته التشريعية. وبقيامه بذلك، فإنه يعتمد على إحدى ميزاته الرئيسية في هذه المرحلة، أي كونه رئيساً وليس مجرد مرشح.
وتضغط المواعيد التشريعية في الكونغرس على الرئيس للإعلان عن ترشحه رسمياً في موعد أقصاه مايو (أيار) المقبل، وبعد ذلك من المرجح أن تتصاعد معركة الحد من الديون ومفاوضات الميزانية مع الجمهوريين في الكونغرس، خصوصاً أن وزارة الخزانة الأميركية وضعت بعض الإجراءات الاستثنائية حتى يونيو (حزيران) المقبل، وحذرت من التخلف عن سداد الديون، إذا لم يتخذ قادة الكونغرس الإجراءات اللازمة.
ومع ابتعاد أعضاء مجلس الشيوخ الليبراليين مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارين عن السباق احتراماً لبايدن، قال النائب جيم كليبيرن «حتى الآن، لا يوجد منافس جاد للرئيس بايدن، لذلك؛ لا يوجد سبب يدعوه للخروج وتعريض نفسه لقواعد ولوائح (الحملة) التي تحدّ من مقدار ما يمكنك القيام به عندما تكون مرشحاً مُعلن عنه». وأضاف «كلما طالت مدة انتظاره من دون أن يكون مرشحاً معلناً عنه، كان ذلك أفضل».
ومن المخاوف التي ذكرها مستشارو البيت الأبيض، هي أن بايدن لا يمكنه جمع أموال للحملة، حتى إعلان ترشيحه رسمياً. وإذا انتهى الأمر بترمب مرشحاً للحزب الجمهوري، فمن المؤكد أن ذلك سيساعد بايدن، على جمع التبرعات للحزب الديمقراطي.
من المحتمل أن يكون مقر حملة بايدن في ويلمنجتون بولاية ديلاوير، على الرغم من أن الموظفين قد يعملون أيضاً في منطقة واشنطن، حيث يتم وضع بعض أجهزة الحملة معاً في اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟