هل تُعزز «الألعاب التفاعلية» العلاقة بين الصحافة والجمهور؟

هل تُعزز «الألعاب التفاعلية» العلاقة بين الصحافة والجمهور؟
TT

هل تُعزز «الألعاب التفاعلية» العلاقة بين الصحافة والجمهور؟

هل تُعزز «الألعاب التفاعلية» العلاقة بين الصحافة والجمهور؟

تُسارع الصحف لطرح نماذج عمل وخدمات تفاعلية تستهدف جذب الجمهور، لا سيما مع تغيرات طالت عادات القارئ بعدما باتت تطبيقات الترفيه تستحوذ على معظم وقته، وكانت «الألعاب الترفيهية التفاعلية» من بين الحلول التي لجأت الصحافة إليها لجذب الجمهور.
وبهدف تعزيز الاشتراكات في موقعها الإلكتروني، قدمت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية ألعاباً ترفيهية، ما أثار نقاشاً بشأن استخدام الخدمات الترفيهية وسيلة لجذب الجمهور واستدامة علاقته بالمؤسسة الصحافية. واعتبر خبراء وباحثون في الإعلام أن هذه الأفكار تُسهم في تعزيز فرص الصحف في المنافسة المحمومة التي تواجهها مع تطبيقات التواصل الاجتماعي، وكذلك أزمة عزوف الأجيال الشابة عن الأخبار المقروءة.
ما يستحق الذكر أن «نيويورك تايمز» تضم أكبر عدد من الاشتراكات المدفوعة مقارنة بأي ناشر باللغة الإنجليزية، فقد وصل عدد المشتركين فيها إلى 9.6 مليون شخص، لتحقق بذلك الصحيفة نموذج ربح مستداماً لا يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي. ولدى تحليل سلوك المشتركين في الصحيفة الأميركية المعروفة، يقول جوناثان نايت، رئيس قسم الألعاب فيها، إن «المشتركين لا يستهدفون خدمة الأخبار الحصرية، والتقارير الإخبارية، فحسب، بدليل احتلال الألعاب رأس اهتماماتهم». وأضاف في لقاء أجراه مع «بودكاست برس غازيت» بنهاية مارس (آذار) الماضي، أن «الألعاب تخلق مساراً قيماً لجذب المشتركين». وللعلم، تُقدم «نيويورك تايمز» الألعاب التقليدية المعتادة على شاكلة «السودوكو»، فلديها فريق من المحرّرين المحترفين في مجال الألعاب مكلّف بتوفير خدمات ترفيهية «متميزة وجذابة» مثل الألغاز، مقابل رسوم تبلغ 5 دولارات شهرياً أو 40 دولاراً لمدة عام كامل.
أحمد الشيخ، مستشار الإعلام الرقمي لدى شركة «ميديا مايز» للاستشارات الإعلامية ببريطانيا، وعضو مجلس الإعلام الجديد بنقابة الصحافيين البريطانية، يرى أن تطبيق تجربة «نيويورك تايمز» هذه يتوقف أولاً على دراسة الجمهور وتحديد اهتماماته. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «قبل توفير خدمات ترفيه تفاعلية مثل الألعاب، يتوجب على أي مؤسسة معنية بالتطوير، أن تُجري تجارب مُسبقة تُحدد سلوك الجمهور تجاه الألعاب وعدد القراء الذين انجذبوا لهذه الممارسة».
الشيخ لا يتوقع ملاءمة هذه التجربة للمجتمعات العربية، «لأن سلوك الجمهور على المنصات الرقمية يختلف»، وفي تحليله المبدئي للصحف البارزة في منطقة الشرق الأوسط، وجد أن الجمهور يميل إلى السياسة والاقتصاد، «ومن ثم فإن المراهنة على الألعاب قد لا تكون المسار المضمون، لا سيما أنها خدمات مدفوعة، وهو سلوك غير معتاد في العرب».
ولكن في الوقت نفسه، لم يدحض أحمد الشيخ فكرة استعانة الصحف العربية بالترفيه كوسيلة لجذب الجمهور وضمان استدامة العلاقة، شرط أن يأتي وفقاً لمعايير. وهنا يشرح أن «ثمة تجارب حدثت بالفعل، فمثلاً في مجال الصحافة الرياضية، استعانت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية بخدمات تفاعلية، مثل ترك الفرصة للجمهور ليحدد تشكيل فريقه المفضل، غير أن الإقبال عليها كان محدوداً وغير مُبشر لتتحول إلى نموذج عمل معمول به». ومن ثم يشدد الشيخ على أهمية إدراج الخدمات التفاعلية في العمل الصحافي، معتبراً أنه «ليس بالضرورة أن تكون ألعاباً، لا سيما أن الخدمات التفاعلية سواء كانت ترفيهاً أو أخباراً، مثل الخرائط، باتت منتجاً صحافياً أساسياً لجذب الجمهور». ويتابع شارحاً: «الصحافة أصبحت أمام منتجات متعدّدة، الأخبار واحدة منها، وليس نهاية المطاف». وبالتالي، يضع الشيخ تصوره حول الخدمات الصحافية التي تحقق العلاقة المستدامة مع الجمهور، فيقول إن «الأخبار قد تكون مركز العمل الصحافي، غير أن اهتمامات الجمهور راهناً شهدت تحولات متسارعة، لتتحول الأخبار في شكلها التقليدي إلى جزء من مخرجات العمل الصحافي، فضلاً عن المنتجات الخدمية والترفيهية والتفاعلية، ومن هنا قد تقدم الألعاب وسيلة لجذب شريحة معينة من الجمهور، بشرط تحقيق معايير الجودة والتميز».
من جهة ثانية عن تطويع التكنولوجيا لخدمة الصحافة والجمهور، يقول أحمد الشيخ إن «المؤسسات الصحافية الكبرى ضمّنت هذه الأدوات في العمل الصحافي، وأصبح الذكاء الصناعي مثلاً وسيلة لتعزيز الأخبار وضمان نشرها على نحو أسرع وأكثر متعة وتفاعلية، غير أن توسيع نطاق استخداماتها شريطة عدة عوامل مثل جودة الإنترنت وتفضيلات الجمهور».
جدير بالذكر، أن صحيفة «نيويورك تايمز» ضمنت تجربة الألعاب لأول مرة عام 1997، من خلال الكلمات المتقاطعة و«السودوكو»، بيد أن موقعها الإلكتروني أضاف عشرات الملايين من المستخدمين دفعة واحدة عندما اشترت الصحيفة لعبة «وردل» في يناير (كانون الثاني) 2021. واستطراداً، فإن تجربة «نيويورك تايمز» ليست التجربة الصحافية الوحيدة التي استثمرت في الألعاب كجزء من خدماتها، إذ قدمت صحيفة «صنداي تلغراف» البريطانية تجربة مماثلة عبر الألغاز الأسبوعية. كذلك أطلقت «تلغراف» تطبيقاً رقمياً جديداً لمشاركة الجمهور بعض الألعاب الترفيهية.
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، يرى محمد صلاح، الباحث في الإعلام الرقمي بمصر، أن أمام الصحافة الرقمية تحدّيات ترجّح كفة الأفكار المبتكرة على شاكلة ربط القارئ بسلوك ترفيهي. ويضيف أن «الألعاب الإلكترونية باتت سوقاً ضخمة، فحسب تقارير موثوقة، يتوقع أن يصل حجم سوق الألعاب الإلكترونية إلى نحو 280 مليار دولار بحلول 2025، ومن ثم فإن الوقت مناسب لأن تندمج الصحافة مع مجالات ترفيهية غير معتادة لتعزيز تجربة صحافية مميزة، وكذلك جذب مزيد من القراء على نحو مستدام».
ويشير صلاح إلى أن «الواقع الرقمي أسهم في دمج الثقافات، ومن ثم باتت التجارب متشابهة... ثم إن سلوك القارئ العربي، لا سيما من فئة الشباب، لم يعد بعيداً عما يدور في العالم». وهو يعتبر أن تجربة المزج بين الصحافة والترفيه «تجربة واعدة»، وأن «التقارير تشير إلى رواج الألعاب الإلكترونية في المجتمعات العربية». كذلك، يؤكد صلاح أن «عنصر التفاعلية في المنتجات الصحافية سواء كانت ألعاباً أو أخباراً، ركيزة أساسية في نجاح واستدامة العلاقة بين القارئ والصحف»، لافتاً إلى أن «جائحة (كوفيد - 19) عجلت بسلوك التسوق الإلكتروني، وخلقت فرصاً أمام المنصات الرقمية، لأن تضع أمام الجمهور أشكالاً متعددة من المنتجات التي تلبي احتياجاته».
ويتابع محمد صلاح: «الصحافة الورقية منذ عقود قدمت بالفعل نموذجاً ناجحاً في تطوير العلاقة مع القارئ... والقراء ارتبطوا بالكلمات المتقاطعة وأبواب الترفيه التي كانت تقدمها الصحف الورقية قديماً، حتى إن بعض القراء ربما تتحدد اختياراتهم من بين الصحف، وفقاً لما توفره له من مساحة ترفيه». قبل أن يختتم بالقول: «الآن أصبحت الأدوات المتوفرة للتفاعل والجذب أقوى بكثير، لكن قبل خوض أي تجربة يستوجب تحليل بيانات وسلوك الجمهور للوقوف على مساراته وتفضيلاته، ثم يأتي تحديد المنتجات الصحافية، وفقاً لخبراء ومتخذي القرار».



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».