عودة مارتن سكورسيزي إلى «كان»https://aawsat.com/home/article/4258471/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%86-%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%B1%D8%B3%D9%8A%D8%B2%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%C2%AB%D9%83%D8%A7%D9%86%C2%BB
> سيتوجه، كما توقعنا هنا في الأسبوع الماضي، فيلم مارتن سكورسيزي الجديد Killers of the Flower Moon إلى شاشة مهرجان كان ليشهد عرضه العالمي الأول، وذلك قبل عروضه التجارية التي ستبدأ متدرّجة من السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. العنوان مرتبط برمز أشار إليه مؤلف الكتاب ديفيد غران في مقدّمة عمله الصادر سنة 2017 والمستند إلى وقائع ومكتوب على هذا الأساس تبعاً لبحث طويل قام به المؤلف حول سلسلة جرائم وقعت في عشرينات القرن الماضي، ضحاياها من مواطني المنطقة الأصليين. في مطلع أبريل (نيسان) تزدهر ربوع منطقة أوساج في ولاية أوكلاهوما ببراعم، سريعاً ما تزهر، مانحة تلك الربوع والسهول الممتدة حتى الأفق مساهمة في تكوين جمال طبيعي أخّاذ. ما إن يحل الصيف، يمضي الكتاب غير الروائي قوله، حتى ترتفع قامة تلك الزهور على حساب الزهور الصغيرة «سارقة الضوء والماء» من النباتات الصغيرة، كما يرد في الكتاب. ما يحدث في الطبيعة يتكرر مع المحيط الاجتماعي، حسبما يرد في الكتاب وفي الفيلم. «قتلة فلاور مون»، الذي يرصد كيف أن البيض سعوا لمنع أبناء القبيلة من استثمار النفط الذي وجده «الهنود» في مقاطعتهم هذه. كانت المحكمة منحتهم حق الاستفادة من نفطهم، مما أدّى إلى ثراء رجال أعمال من القبيلة، مما أزعج جيرانهم فدأب بعضهم على التخلص من أثرياء أوساج بالقتل. انبرى مارتن سكورسيزي لتحقيق هذا العمل بعد أشهر قليلة من نشر الكتاب. والتصوير بدأ في الثالث عشر من أبريل في العام الماضي. يؤدي ليوناردو ديكابريو دور المحقق، الذي سيكشف تلك الجرائم، وهذا هو التعاون السابع بين ديكابريو وسكورسيزي. يشارك في البطولة روبرت دي نيرو لاعباً شخصية ويليام هايل، الذي كان المحرك الأساسي وراء تلك الجرائم. وهذه هي المرّة العاشرة التي يمثّل دي نيرو فيلماً للمخرج سكورسيزي (هناك فيلم قصير بينهما خارج هذه الحسبة) والمرّة الرابعة التي يمثل دي نيرو وديكاربيو في فيلم واحد. اشتراك سكورسيزي (80 سنة) عبر هذا الفيلم في مهرجان «كان» هو الأول منذ عام 1986 عندما عرض فيلمه الكوميدي الداكن After Hours داخل المسابقة. حينها خرج فيلم The Mission من إخراج رولاند جوفي وبطولة جيريمي آيرونز ودي نيرو بالسعفة الذهبية.
يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.
لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.
الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.
في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟
هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
THE WRESTLER ★★
* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).
يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.
هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.
يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★
* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).
قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).
نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.
اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.
* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز