لم تغيّر التحولات التي طرأت على الأذواق، وأصناف الطعام التي دخلت الأسواق، من قيمة ثنائية «الفول والتميس» على السفرة الرمضانية، فحافظت على حضورها في قائمة طعام الأغنياء والفقراء على حد سواء، إذ تقف طوابير الانتظار عندما يوشك الأذان، لينال كل حصته من الوجبة، فيما تتقد الأفران التي تحضر قطع خبز التميس، الذي هاجر من دول آسيا الوسطى إلى غرب السعودية.
ويعود ارتباط الوجبة التقليدية بالموائد العربية، خصوصاً في رمضان، إلى سعره الزهيد، الذي مكّن جميع الطبقات والفئات من شرائه، بالإضافة إلى القيمة الغذائية العالية التي يتمتع به في تركيبته ومكوناته باعتباره طعاماً صحياً ونافعاً، حافظ على ثبات بريق ثنائية «الفول والتميس» في قائمة الطعام، رغم ما طرأ عليه من تحولات في شكله ومكوناته، ولا سيما خبز التميس الذي أصبح أكثر تنوعاً وانتشاراً.
ويرتبط خبز «التميس» بقصة طويلة منذ بدء دخوله إلى منطقة الحجاز، ومن ثم انتشاره في بقية مدن المملكة، قادماً من دول آسيا الوسطى، ولا سيما منطقة «بخارى» التي اشتهر فيه هذا النوع من الخبز الذي يشبه إلى حد كبير خبز التنور الهولي أو الباكستاني، مع تفاوت في الحجم والسماكة وبعض المكونات عند تحضيره.
المطاعم الشعبية تتنافس في تقديم التميس (تصوير: علي خمج)
وترتبط مقولة «صبر جوعك بالفول والتميس ولا تنسى تسمي قبل التغميس» في أوساط المجتمع السعودي، اعترافاً بقدرة هذه الوجبة على السيطرة على الجوع، وتأكيداً على العلاقة التاريخية العريقة للتميس (الخبز الأفغاني) مع الفول، سواء على مائدة الإفطار الرمضانية، أو في صباح أي يوم من أيام السنة.
وتقول مستشارة ومدربة الطهي، بدور بدر، إن «وجود الفول والتميس في باكر اليوم، استوجب ربطهما لتقارب قيمتهما المادية، ولأن الفول يتطلب وجود الخبز لتناوله، حضر التميس ليفرض نفسه بمذاقه المتميز الذي أضاف طعماً رائعاً، وأصبحت المطاعم الشعبية تحرص على وجود هذين المكونين في مكان واحد، ومع تطور السوق وتعدد مصادر الخبز وأنواعه، تم تطويرهما سوياً والحفاظ على عمق هذا الارتباط».
وللفول قيمة غذائية عالية، باعتباره مصدراً مهماً للمغنسيوم والنحاس والحديد ومضادات الأكسدة، غير أنه يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات والبروتينات التي يحتاجها الجسم، لذا هو بمثابة ثروة، إلا أن تناوله يمكن أن يتسبب في حالة من الخمول. أما التميس فيحتوي على كمية كبيرة من الكربوهيدرات التي تنشط الجسم وتمده بالطاقة لتكتمل قيمة الفول الغذائية من جميع النواحي.
وعن فرصة اختيار أي نوع آخر من الخبز، ترى مدربة الطبخ بدور أن وصف التميس بشكله الدائري والخفيف يساعد على الاحتفاظ بنكهة الفول، وعدم امتصاصه أثناء تناوله، وأصبح التميس نتيجة ذلك الأنسب من بين كل الأنواع وارتبط به ارتباطاً قوياً.
تحضير التميس يسبق بيعه بدقائق (تصوير: علي خمج)
وعن تعدد وصفات الفول وأنواع التميس، تقول بدور: «لتحضير الفول عدة طرق تفرقت واجتمعت تحت سقف بلادنا الحبيبة، ومهما اختلفت طرق تناوله، فإننا نحرص على تناوله بكل الطرق في المملكة، ففي الحجاز اشتهر الفول المبخر والفول بالدُقة المدينية والدقس والفول (القِلابة) والفول المكشن، واشتهر التميس كذلك بعدة أنواع، من أهمها تميس بالسمن وتميس بالبسكوت، وأخيراً أصبح يوجد تميس بعدة حشوات، منها الجبن الأصفر، والبصل والزيتون والزعتر».
وعما إذا لحق تغيير بالفول، بيّنت بدور أن للفول طعماً قوياً جداً لا يمكن أن يتأثر بأي مكون إضافي، لذا فإن وجود أي مكون دخيل في إعداد ذلك الطبق الساحر يعتبر إضافة وتعزيزاً له ولا يغير من طعمه الجميل، مشيرة إلى أن منكهات الفول تعتمد على البهارات وقليل من الخضراوات زهيدة الثمن.
الأمر الذي حافظ على طعمه وجعل سعره في متناول الجميع، مع حرص الطهاة دائماً على تطوير طرق تقديمه. أما التميس فبقي على هويته الأصلية وطبيعته التقليدية، مع تطوير طفيف لم يؤثر في ثباته على السفرة الرمضانية.