يتسم المطبخ في سلطنة عمان بالثراء والتنوع؛ إذ يجمع بين الموروث الأفريقي والمؤثرات الهندية في خلطة عنوانها التوابل والبهارات.
ويأتي الشواء أو «المدفون» على قمة هذا المطبخ؛ حيث إنه ذو مذاق لا يُنسى، ولحم يذوب في الفم.
إنها الأكلة العمانية الأشهر في هذا السياق، وتعتمد على قطع اللحوم الكبيرة، المُتبلة في مزيج من البهارات والتوابل المتكون عادة من الهيل المطحون والكمون والفلفل الأحمر والزنجبيل، بالإضافة إلى الكزبرة الجافة والثوم مع الكثير من الخل.
يتم لف اللحم المتبل بأوراق شجر الموز الخضراء، ثم توضع بداخل «جونية» من الخيش التي تتم تغطيتها بسعف النخيل.
هنا يأتي دور حطب «السمر» الذي يتم تجميعه من الأطراف الصحراوية، ويُلقى به داخل حفرة «تنور»، ثم تشعل النار قبل أن نأتي باللحم، ونضعه داخلها لينضج ببطء في مدة لا تقل عن 24 ساعة، ولا تزيد على 48 ساعة.
ويرى الشيف العماني معاذ البادي، أنه رغم وجود أوجه شبه بين المطبخ العماني ونظيره في البلدان الخليجية الأخرى، فإن له نقاط تميز، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك الكبسة المشهورة في الخليج؛ لكنها في عمان تختلف بداية من الاسم، حيث نطلق عليها (القبولي)، ونضيف إليها الكثير من (حب الحمص)، و(الزبيب)».
ويرى أن اختيار حطب «السمر» لم يأت مصادفة، فوحده يعطي المذاق الأطيب لتلك الوليمة الفاخرة، كما أن الدخان والحرارة يجعلان اللحم طرياً لدرجة لا تُوصف، كما يجعلان الرائحة طيبة للغاية.
وليس غريباً أن العمانيين يشرعون في تجهيز التوابل وطحنها قبل المناسبات الكبرى؛ مثل رمضان والعيدين بمدة قد تصل إلى شهر في بعض الأحيان.
وغالباً ما تُقدم تلك الوليمة مع الأرز «البرياني» الأبيض مع إمكانية تقديم نوع من المانجو المخلل يسمى «الأنبا»، كأحد أشكال فواتح الشهية. ويفضل البعض تناول هذا اللحم مع شرائح الليمون الطازج.
ولا تبتعد «المشاكيك» عن فكرة «المدفون» تلك كثيراً، ولكننا نتكلم هنا عن قطع أصغر من لحم البقر أو الأغنام أو الجمال التي تُطهى على أسياخ من الخشب فوق جمرات الفحم محتفظة بـ«تتبيلة» مشابهة. وتعد من الأكلات الشعبية التي تنتشر في الشارع العماني، وتُغمس في صلصة التمر الهندي، وجاءت تسميتها بهذا الاسم؛ لأن اللحم «يُشك» في الأسياخ الخشبية.
أما «المظبي» فتكون قطع الشواء فيه أصغر وأصغر، لحماً أو دجاجاً، يتم شواؤه على قطع صغيرة من الحصى التي تحتفظ بمصدر حرارة بأسفلها والنتيجة طعم فوق العادة.
ويبدو أن غرام العمانيين باللحم اللذيذ وصل إلى وجبة الإفطار، فهناك «المقلاي» أو «التقلية» التي تتكون من قطع لحم صغيرة للغاية متبلة جيداً، وتوضع على النار في إناء مع التقليب المستمر، وتقدم كوجبة ساخنة مع الخبز العماني والعسل العماني الذي يتوافر بكثرة في بعض الجبال بعينها؛ مثل جبال الحجر والروضة وهابط والقمر.
وهناك «العُرسية» التي تعد الطبق الأشهر صباح عيد الفطر أو الأضحى، وتتكون من لحم مسلوق في الماء مضافة إليه خلطة بهارات، فضلاً عن طبق الأرز الذي ينضج على نار هادئة فوق اللحم مع تحريكه بشكل مستمر؛ حتى يصبح مهروساً، وفي النهاية يمتزج اللحم بالأرز مع وضع الكثير من «الترشة»، وهي صلصة طماطم مع حمص مسلوق وزبيب وبعض البهارات، ولا تُقدم تلك الوجبة ساخنة.
وبهدف التنويع، يلجأ العمانيون إلى وجبة تقليدية شهيرة تسمى «معصور العوال»، وتتكون من نوع معين من أسماك القرش المجففة؛ حيث تتم تطريته بالماء والخل، ثم يضاف إليه الليمون والبصل النيء والزعتر، ويؤكل مع الأرز والسمن.
وتعد «الحلوى العمانية» مسك الختام في أي مائدة بالسلطنة، وتتكون عادة من سكر وهيل وزعفران ونشا وماء الورد المحلى المنتج من الجبل الأخضر، وتُطبخ في قدور نحاسية على نار هادئة مع التقليب المستمر؛ ولهذه الحلوى تاريخ قديم يصل إلى 700 عام، وكُتب فيها الكثير من القصائد والأشعار من فرط طيب مذاقها. وكثيراً ما يضاف إليها عسل نحل عماني.
ويرى شيف بادي، أن الحلوى العمانية من نقاط تميز مطبخهم، ويؤكد أن «الحلوى السلطانية» تنسب إلى السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وتعد الأفخر والأجمل من خلال الزعفران والمكسرات وماء الورد الجبلي، فضلاً عن «حلوى التين و«اللبان».
ويرى البادي أن المشاركة الجماعية بين الجيران من سمات المطبخ العماني، لا سيما في المناسبات الكبرى مثل الشواء الذي يشارك فيه أكثر من بيت بوضع اللحم في تنور واحد في حالة من الود والحماس والمحبة، فضلاً عن أجواء احتفالية مفعمة بالبهجة، حتى إن البعض يطلق الأعيرة النارية ابتهاجاً بتلك المناسبة.
ويشدد البادي، على استخلاص الكثير من مكونات المطبخ العماني من البيئة المحلية؛ مثل ماء الورد الجبلي والزعتر الجبلي وزيت الزيتون والسمن وبعض أنواع التمور واللبان.