السنيورة يدعو الدول العربية إلى نهج سياسة موحدة لمواجهة التطرف والإرهاب

قيادات عربية تؤكد أهمية إنشاء مشروع سياسي عربي في آخر ندوات منتدى أصيلة

رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة أثناء حديثه في منتدى أصيلة («الشرق الأوسط»)
رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة أثناء حديثه في منتدى أصيلة («الشرق الأوسط»)
TT

السنيورة يدعو الدول العربية إلى نهج سياسة موحدة لمواجهة التطرف والإرهاب

رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة أثناء حديثه في منتدى أصيلة («الشرق الأوسط»)
رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة أثناء حديثه في منتدى أصيلة («الشرق الأوسط»)

دعا فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية السابق، إلى اجتماع استراتيجي بين الدول العربية الكبرى؛ يشمل مصر والسعودية والمغرب وغيرها، لوضع سياسات مشتركة للأمن العربي في العقد الحالي، وكيفية التعامل مع قضايا أربع، هي: قضية التهديد الاستراتيجي للأمن العربي، وقضية العمل والتعاون مع الدول والمجتمعات الإسلامية، وقضية التطرف والإرهاب، وقضية التعامل مع المجتمع الدولي.
وقال السنيورة، مساء أول من أمس، في الجلسة الافتتاحية لندوة «العرب: أن نكون أو لا نكون»، آخر ندوات منتدى أصيلة في دورته 37، إن «المنظومة العربية تمر اليوم بواحدة من أدق المراحل في تاريخها الحديث»، موضحًا أن «العرب ثاروا في المشرق والمغرب لعدة عقود وانتفضوا من أجل الاستقلال والحرية». وأضاف أن «ما تحقق بعد الاستقلال لا يتلاءم والتضحيات التي قدمتها الأمة العربية وشعوبها»، مشيرًا إلى «حصول مجموعة من الأحداث والصدمات التي لا تزال الدول العربية تعاني من تداعياتها اليوم».
واعتبر السنيورة أن تلك الصدمات والأحداث أسهمت في نشوء وتوسع عدد من التنظيمات المتطرفة التي تتوسد العنف، أمثال تنظيم داعش ومن هو على شاكلته من حيث التهويل والتسليح، مبرزًا مشهدين يفصل بينهما مائة عام، يتعلق المشهد الأول بتعثر المشروع العربي الذي تنامى قبل خمسة عقود من أجل التحرر من الاستعمار، أما المشهد الثاني فهو فشل المشروع العربي الذي بدأه الرئيس المصري جمال عبد الناصر وجرى العمل على إزاحته من مساره.
وذكر السنيورة أن العالم العربي يعيش اليوم حالة «تهافت التهافت»، مبينًا أن «التهافت الأول أعادنا من قوميتنا إلى أقليات ضيقة وحولنا من عرب إلى دول عربية، (مصريين) و(سوريين) و(فلسطينيين)، أما التهافت الثاني فحولنا اليوم إلى (سوريين علويين) و(سوريين)، و(مصريين أقباط) و(مصريين مسلمين)». وأردف: «إن التهافت الثاني سيؤدي بدوره (ما لم يجر تدارك تفاقم المشكلات) إلى تهافت ثالث قد يقسم المنطقة إلى إثنيات وأعراق وعشائر ويدخلنا في صراعات لا تنتهي».
وخلص السنيورة إلى أن عملية إعادة الاعتبار للمشروع العربي يمكن التقدم بها على أساس العمل على ثمانية محاور. فيكون المحور الأول إعادة الاعتبار إلى القضية العربية الأساس عبر التركيز على ضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. ويركز المحور الثاني على العمل على تطوير موقف عربي واضح وثابت يستعيد التوازن الاستراتيجي في المنطقة. أما الثالث، فيرتكز على ضرورة تطوير موقف مبادر وواضح إزاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية يكون مبنيًا على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. والرابع يتعلق بأهمية البناء على العمل العربي المشترك وتطوير المصالح الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية. أما المحور الخامس، فيهدف إلى التقدم في مسار الإصلاح السياسي بالعمل على إعادة تأسيس الحكم المدني والدولة المدنية. بينما يسعى المحور السادس إلى التصدي لأسباب تفتت المجتمعات العربية من الداخل. ويتعلق المحور السابع بالتقدم على مسار الإصلاح الديني و«إنقاذ الإسلام واسترجاعه من خاطفيه» والتصدي للحركات الإرهابية المتطرفة. أما المحور الثامن والأخير، فيهدف إلى تكوين موقف عربي حازم وفكر عربي مبادر وخلاق.
من جهته، قال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة ووزير خارجية المغرب الأسبق، إن «الإرهاب فتح الأبواب للتدخلات الخارجية، وضاعف شهية الأطماع الأجنبية فالتقت مآربها على محو الكينونة العربية وتفتيتها إلى جزئيات متناثرة متباعدة متحاربة». وأضاف أنه «لم نعد نواجه احتمال عالم عربي جديد، وإنما اندثار الاسم والمسمى، وقيام دويلات وكيانات منكفئة على نفسها، رهينة وتابعة للقوى النافذة».
ومن جانبه، انطلق مصطفى البرغوثي، رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية ووزير الإعلام الفلسطيني سابقًا، للإجابة عن سؤال الندوة من قولة المفكر غرامشي: «تشاؤم العقل يجب أن يعقبه تفاؤل الإرادة»، مفيدًا أن الوجود يجب أن يخرج من حيز النيات إلى ضرورة توفير رؤية لتحقيقه بالقوة والفعل.
وعزا البرغوثي أسباب تراجع العرب اليوم إلى غياب تلاؤم بين ما يعيشونه في داخل أوطانهم وبين ما يجري من تطور في العالم، مشيرًا إلى أربع ثورات كبرى تكنولوجية ومعلوماتية وتواصلية وعولمية، ومبرزًا أن أصل الداء كامن في العرب أنفسهم؛ إذ عليهم أن يجيبوا عن رزمة من الأسئلة حول كيفية مواجهة تحدياتهم والخلافات العالقة بينهم.
كما أشار البرغوثي إلى أن «هناك مجموعة قوى إقليمية تطرح تحديات كبرى على الأمة والبلدان العربية، أخطرها تبقى هي إسرائيل، التي تمثل أسوأ نظام للتمييز العنصري في العالم اليوم ولا تستهدف الفلسطينيين وحدهم بل العرب جلهم».
أما محمد بن عبد الله الرميحي، مساعد وزير الخارجية للشؤون الخارجية القطري، فطرح سؤالاً حول «من كنا نحن العرب في الماضي حتى نكون أو لا نكون»، موضحًا أن هناك «عربًا بائدة وعربًا عاربة وعربًا مستعربة». وجرد الرميحي المراحل التي مر منها العرب منذ مجيء الإسلام وبناء الحضارة، مرورًا بسقوط الدولة العثمانية ووصولاً إلى تقسيم العرب إلى دول مختلفة، وأجاب أنه اليوم هناك 22 دولة لديها مشروع وحدة عربية، لكن «هل هناك من هو مستعد لأن يتنازل عن سيادته تحت سلطة دولة واحدة؟». كما طالب الرميحي بالإنصات للشباب، وقال إنه «ليس لدينا نموذج سياسي للدولة العربية.. هل هي دولة ليبرالية أم فدرالية أم متعددة الأطراف؟ هؤلاء الشباب لا يعرفون ماهية الدولة العربية التي يريدون أن يتبنوها وأن يسيروا فيها»، مشيرًا إلى الاختلاف في الطوائف والديانات وأن هناك من لديه أكثر من 18 طائفة في بلده. وخلص بالتحدث عن كيفية الحفاظ على العالم العربي وعلى هويته، مبينًا أن التحولات الاجتماعية والتطورات السياسية في العالم العربي تتضارب وتتطور كل يوم لأنه ليس لديها مشروع سياسي.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.