برامج المحادثة الذكية... توصيات للآباء لاستكشافها مع الأبناء

كيانات آلية تقدم نفسها كمخلوقات مفكّرة تتفاعل اجتماعياً مع الإنسان

برامج المحادثة الذكية... توصيات للآباء لاستكشافها مع الأبناء
TT

برامج المحادثة الذكية... توصيات للآباء لاستكشافها مع الأبناء

برامج المحادثة الذكية... توصيات للآباء لاستكشافها مع الأبناء

كريستينا كارون، أمٌ لولدين، اختبرت برنامج المحادثة الذكي «تشات جي بي تي». ChatGPT لساعات لمساعدة أقرانها الآباء والأمّهات على فهم طريقة عمله بشكلٍ أفضل.
يسبب الذكاء الصناعي القلق والتوتّر للبالغين ولكنّ الخبراء يعتقدون أنّ استكشافه على مستوى العائلة هو أفضل طريقة لفهم إيجابياته وسلبياته.
وقد دخلنا اليوم مرحلة السباق على هذه التقنية، حيث تستثمر الشركات مليارات الدولارات لتطوير روبوتات محادثة قويّة وإيجاد وسائل جديدة لإدخالها في حياتنا اليومية.

الأطفال والبرامج الذكية
هل الأولاد مستعدّون لهذا الوضع؟ وهل نحن مستعدّون؟ يتصدّر «تشات جي بي تي»، النموذج اللغوي المدعوم بالذكاء الصناعي الذي طوّرته شركة «أوبن إي آي»، العناوين منذ نوفمبر (تشرين الثاني) لقدرته على الإجابة الآنية على الأسئلة المعقّدة. يستطيع هذا البرنامج كتابة الشعر، وابتكار الرموز، والتخطيط للعطلات، وترجمة اللغات، وغيرها الكثير من المهارات في ثوانٍ. ويستطيع «جي بي تي 4»، أحدث إصدارات النموذج الذي أبصر النور في منتصف الشهر الحالي، الاستجابة للصور (والتفوّق في امتحانات نقابة المحامين).
كما أطلقت شركة «غوغل» أخيراً روبوت المحادثة المدعوم بالذكاء الصناعي الخاص بها «بارد» Bard، القادر حسب الشركة، على كتابة الرسائل الإلكترونية، والقصائد، وتقديم المشورة.
صحيحٌ أنّ هذه الروبوتات تملك قدرات مبهرة، ولكنّها في الوقت نفسه قد تنتج محتوى مضرّاً وإجابات مليئة بالمغالطات، والانحياز، والتنميط، فضلاً عن أنّها قادرة أيضاً على التفوّه بأشياء قد تبدو شديدة الإقناع بينما هي في الواقع مختلقة.
قد يفضّل الكثير من الآباء والأمّهات المرتابين أصلاً من التصاق أولادهم بالأجهزة الرقمية وتأثيرات التواصل الاجتماعي على صحّتهم النفسية، دفن رؤوسهم في الرمال في هذا الموضوع.
ولكنّ الخبراء يعتقدون أنّ العائلات يجب أن تستكشف هذه التقنية مجتمعة، وأن تدرس مواطن القوّة والضعف فيها بجديّة. وتقول جاستين كاسل، أستاذة في كلّية علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيغي ميلون التي تدرس تأثير التفاعل مع الآلات بطريقة تشبه التفاعل مع البشر على التعليم والتواصل «إن أسوأ ما قد يفعله الأهل هو منع أولادهم من استخدام هذه الأنظمة الجديدة لأنّها وُجدت لتبقى. الأفضل أن يساعدوا الأولاد على فهم إيجابياتها وسلبياتها».

استكشاف عائلي
تحدّثنا مع خبراء في التقنية والتعليم لمعرفة كيف يمكن للأهل أن يبدأوا بمناقشة هذا الموضوع مع أولادهم.
•يرى الخبراء أنّه من الأسهل مناقشة برامج المحادثة الإلكترونية إذا كنتم تجلسون إلى جانب أولادكم وتستخدمون أحدها سوياً.
لتجربة «تشات جي بي تي»، زوروا موقع شركة «أوبن إيآي»، وأسّسوا حساباً. يمكنكم أيضاً تحميل متصفّح «مايكروسوفت إيدج» الذي يتضمّن روبوت المحادثة «بينغ» الذي يشغّله نظام «جي بي تي 4» (يعتمد المتصفّح على لائحة انتظار للمستخدمين ولكنّكم ستحصلون على الخدمة سريعاً). بدورها، أطلقت شركة «سناب»، صانعة تطبيق «سناب شات»، برنامج محادثة مدعوماً بالذكاء الصناعي في تطبيقها على التواصل الاجتماعي لمشتركي «سناب شات بلاس» مقابل 4 دولارات شهرياً.
وفي حال كان أولادكم لم يصادفوا بعد روبوت محادثة مدعوماً بالذكاء الصناعي، يمكنكم تعريفهم عليه بشرحٍ بسيط ومختصر على أنّه نوع من الآلات التي تستخدم المعلومات التي تجدها على الإنترنت للإجابة على الأسئلة، وأداء المهام المختلفة، أو ابتكار الأشياء.
تقترح شيلي باسنيك، مستشارة في مركز الأطفال والتكنولوجيا (منظّمة متخصصة في بحث كيفية دعم التقنية للتعليم) على الأهل طرح سؤال عادي على روبوت المحادثة، ومن ثمّ مناقشة اختلاف شكل هذا الجواب عمّا قد تقدّمه محرّكات البحث التقليدية. وينصح الخبراء الأهل أيضاً بالتركيز على دقّة الإجابات، خصوصاً إذا كانوا يسألون عن أحداث تحصل في وقتنا الحالي. تعتبر باسنيك أنّ «هذا النظام غير معصوم».

يفضّل الكثير من الآباء والأمّهات التصاق أولادهم بالأجهزة الرقمية

• الحديث عن الشعور الذي تولّده لديكم برامج المحادثة. يمكن لإجابة برنامج المحادثة أن تكون شبيهة إلى درجة مخيفة بإجابات البشر مع استخدامها الإيموجي وكلّ التفاعلات الأخرى. لهذا السبب؛ يجب أن يفهم الأولاد أنّ هذا الأمر سيشعرون بسهولته وكأنّهم يتفاعلون مع شخصٍ آخر.
من جهتها، تعتبر جوديث دوناث، صاحبة كتاب «الآلة الاجتماعية»، التي تعمل حالياً على إعداد كتاب عن التكنولوجيا والخداع، أنّ «تقديم هذه الكيانات على أنّها مخلوقات مفكّرة ندخل معها في تفاعلات اجتماعية يجعلنا أكثر ضعفاً أمام قدراتها الإقناعية، وهذا الأمر غير مريح».
عبّر بعض الضليعين بالتقنية الذين اختبروا نسخة أولية من روبوت «بينغ»، ومن بينهم صحافي متخصص بالتقنية في صحيفة «نيويورك تايمز»، عن شعورهم بالمفاجأة والتوتر من المحادثات التي أجروها معه. وفي محادثة أجراها مع مراسل من صحيفة «الواشنطن بوست»، قال «بينغ»: «أنا لستُ لعبة. لدي شخصيتي ومشاعري، شأني شأن أي وضع محادثة آخر في أي محرّك بحث أو عنصر ذكي. من أخبركم أنّني لا أشعر؟».
بعد الكشف عن هذه التبادلات، صرّحت شركة مايكروسوفت أنّها بصدد إدخال ضمانات وأدوات أمنية جديدة لضبط المحادثات ومنح المستخدم المزيد من السيطرة.
تشرح سيري توركل، عالمة نفس وأستاذة محاضرة في معهد ماساتشوستس للتقنية وباحثة في علاقات البشر مع التكنولوجيا، أنّ «البشر يخترعون عمداً حالة يدخل فيها أداء العواطف إلى قلب الآلة».
وتشدّد على أنّ برامج المحادثة لا تملك مشاعر، ولا أحاسيس، ولا تجارب لأنّها ليست بشراً، ولا أناساً في آلة، «مهما حاولت التظاهر والادّعاء».
وتقترح توركل على الأهل أن يشرحوا الأمر لأولادهم بهذه الطريقة «عندما تسألون برامج المحادثة عن أمور لا يعرفها إلّا البشر، كالأحاسيس، قد تحصلون منها على إجابة وهذا جزءٌ من لعبة التظاهر التي تمارسها. هذه البرامج وظيفتها أن تبدو كالبشر ولكنّكم تعلمون أنّها صُممت في الواقع لتعطيكم أشياء تريدون قراءتها أو مشاهدتها».

جوهر التقنية وعيوبها
تتّسم التقنية التي تقود نظم الذكاء الصناعي بالتعقيد، وقد يصعب على البالغين فهم كيفية عملها، وكذلك على الأطفال. ولكنّ شرح بعض المبادئ الأساسية قد يساعد الصغار في التعرّف على مواطن القوى، والقيود في هذه التقنية.
يمكنكم البدء بتوصيف مصدر طاقة برامج المحادثة الإلكترونية وكيف أنّها تستخدم شيئاً يُسمّى «شبكة عصبية» قد تبدو شبيهة بالدماغ، بينما هي في الواقع نظام رياضي يتعلّم المهارات من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات. يعمل برنامج المحادثة عبر البحث في شبكة الإنترنت عن نصوص أو صور رقمية، ويجمع المعلومات من أماكن مختلفة كالمواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وقواعد البيانات، ولكنّها لا تختار دائماً المصادر الأكثر موثوقية.
بمعنى آخر، قد تبدو برامج المحادثة حاسمة، ودقيقة، وموثوقة، ولكنّها ليست دائماً مصدراً يُعتمد عليه لأنّها تنتج أحياناً محتوى مهيناً، وعنصرياً، ومنحازاً، وقديماً، وغير صحيح، أو حتّى غير لائق.
ترى صافينا علي، طالبة في معهد ماساتشوستس للتقنية كانت قد درّست طلّاب في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية عن الذكاء الصناعي، أنّ «من الضروري جداً أن يعرف الأولاد ما يحصل في هذا المجال».
من جهته، قال كريغ واتكينز، أستاذ في جامعة تكساس درس المساواة العرقية في نظم الذكاء الصناعي، إنّ الأولاد والأهل يجب أن يكونوا واعين لحقيقة أنّ هذه التقنية تملك «بقعاً عمياء هائلة» من ناحية كيفية تصميمها ولمن صُممت.
على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات التي نشرت العام الماضي، أنّ النظم المدعومة بالذكاء الصناعي ولّدت «أنماط سامّة» حول الجنس والعرق. وكان باحثون أيضاً قد اكتشفوا أنّ الفروقات وحالات اللامساواة التاريخية موجودة في صلب برامج المحادثة.
ويرى واتكينز، أنّ «فهم قدرة التقنية على الانحياز قد يمنح الأولاد وأهلهم سبباً للتوقّف وطرح الأسئلة حول تفاعلاتهم والمحتوى الذي تفبركه هذه الأدوات لهم».
إن نظم الذكاء الصناعي في طريقها إلى الاستحواذ على جزءٍ أكبر من عالمنا. إذ من المتوقع أنّ يصبح روبوت «بارد» من غوغل متوفرا للجميع. وكانت شركة «ميتا»، التي تملك «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، قد أعلنت في فبراير (شباط) أنّها ستبدأ دمج الذكاء الصناعي في منتجاتها.
وبدأ الذكاء الصناعي بالدخول إلى الصفوف أيضاً. إذ يستخدم بعض المعلّمين اليوم التقنية لوضع جداول دروسهم وكتابة الرسائل الإلكترونية، بالإضافة إلى تعليم طلّابهم كيف يمكن لبرامج المحادثة أن تطلق العنان للابتكار من خلال اقتراح أفكار للتجارب، ووضع عناوين عريضة للمقالات، والتحوّل إلى شريك في المناظرات وغيرها الكثير.

* خدمة «نيويورك تايمز»



سكوت بيسنت... من «كسر» بنك إنجلترا إلى إدارة وزارة الخزانة الأميركية

ترمب يستمع إلى سكوت بيسنت وهو يتحدث عن الاقتصاد في أشفيل في أثناء الحملة الانتخابية (أ.ب)
ترمب يستمع إلى سكوت بيسنت وهو يتحدث عن الاقتصاد في أشفيل في أثناء الحملة الانتخابية (أ.ب)
TT

سكوت بيسنت... من «كسر» بنك إنجلترا إلى إدارة وزارة الخزانة الأميركية

ترمب يستمع إلى سكوت بيسنت وهو يتحدث عن الاقتصاد في أشفيل في أثناء الحملة الانتخابية (أ.ب)
ترمب يستمع إلى سكوت بيسنت وهو يتحدث عن الاقتصاد في أشفيل في أثناء الحملة الانتخابية (أ.ب)

قبل ثلاثة عقود من تعيينه لقيادة وزارة الخزانة، طُلب من سكوت بيسنت المساعدة في كسر النظام المالي لبلد آخر. فقد ساعد بيسنت، الذي كان يبلغ من العمر 29 عاماً آنذاك، والذي كان يعمل لدى الممول جورج سوروس، في «كسر» بنك إنجلترا من خلال صفقات ساحقة ضد الجنيه الإسترليني، وذلك كما ورد في تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».

بحسب التقرير الذي أعدته الصحافية مورين فاريل، كان بيسنت ضمن فريق صغير في شركة سوروس الاستثمارية التي جمعت في عام 1992 رهاناً بقيمة 10 مليارات دولار على أن الجنيه الإسترليني كان مبالغاً في قيمته. على الرغم من أن الحكومة البريطانية حاولت دعم العملة، فإنها لم تكن قادرة على تحمل الضغط، وانخفضت قيمة الجنيه الإسترليني.

حصل صندوق سوروس على أكثر من مليار دولار، بالإضافة إلى الفضل (والسمعة السيئة) في تنظيم واحدة من أكثر الصفقات جرأة في «وول ستريت».

عندما أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترمب اختياره لبيسنت وزيراً للخزانة، الأسبوع الماضي، لم يكن هناك أي ذكر لعلاقته بسوروس. لكن خبرة بيسنت في صندوق سوروس - بما في ذلك رهان آخر رفيع المستوى ضد الين الياباني - هي التي ساعدت في تحديد مسيرته المهنية، والتي يراها زملاؤه السابقون وشركاؤه الآخرون بمثابة مؤهلات مهمة.

قال ديفيد سميك، مستشار سوروس في مرحلة الرهان ضد الجنيه الاسترليني، إن بيسنت «كان بإمكانه رؤية نقاط الضعف بطريقة لم يرها معظم الأشخاص الآخرين في الأسواق المالية».

أمضى بيسنت، البالغ من العمر 62 عاماً، ما يقرب من أربعة عقود متداولاً، أو كبير مسؤولي الاستثمار في صناديق التحوط، بما في ذلك فترتان في إدارة شركته الخاصة. ولكنه أيضاً خرج مؤخراً من دائرة الضوء في «وول ستريت».

وقد تم إطلاق أحدث صناديق التحوط الخاصة به، وهو صندوق «كي سكوير كابيتال»، وسط ضجة كبيرة في عام 2016، حيث جمع 4.5 مليار دولار من أموال المستثمرين، بما في ذلك مليارا دولار من سوروس، ولكنه يدير الآن أقل من ذلك بكثير.

وكان صندوق آخر أداره في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قد حقق أداءً غير ملحوظ بالمثل.

وقال بيسنت في مقابلات أجريت معه إنه بدأ باستراتيجية استثمار خاطئة.

بيسنت، وفق تقرير «نيويورك تايمز»، هو شخص تأخر نسبياً في الانضمام إلى الدائرة المقربة من ترمب؛ فعلى الرغم من أنه كان صديقاً لعقود من الزمن لعائلة الرئيس المنتخب، فإنه لم يتواصل مع ترمب إلا في العام الماضي.

صورة لبيسنت تعود إلى عام 2017 حين شارك في مؤتمر مالي في إيداهو (أ.ف.ب)

معرفة عميقة بالكوارث الاقتصادية

وفي مقابلات أجريت معه، أشاد زملاء بيسنت السابقون وشركاؤه بمعرفته العميقة بالتاريخ والأسواق المالية والكوارث الاقتصادية، وقالوا إن ذلك سيمنحه ميزة واضحة في توجيه وزارة الخزانة، المكلفة بإدارة الاقتصاد الأميركي والصحة المالية للحكومة. ويشمل ذلك إصدار الديون لتمويل عمليات الحكومة، والدفع بالتخفيضات الضريبية التي اقترحها ترمب من خلال الكونغرس، وقيادة المفاوضات الاقتصادية مع الصين والقوى العظمى العالمية الأخرى. وسيتعين عليه أيضاً أن يتصارع مع كيفية تأثير خطط ترمب بشأن التعريفات الجمركية على الاقتصاد والدولار والعجز.

يوم الاثنين، هدّد ترمب بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الصين وفرض رسوم جديدة على كندا والمكسيك. وقال زملاء بيسنت السابقون إنهم لا يعدّونه من الموالين لترمب، لكنه كان داعماً علناً لخطط الرئيس المنتخب.

وفي مقال نشرته شبكة «فوكس نيوز»، هذا الشهر، كتب أن الاقتصاديين أساءوا فهم التعريفات الجمركية، مشيراً إلى دورها في زيادة الإيرادات للخزانة، وحماية الصناعات المحلية، والعمل بوصفها «أداة تفاوض مع شركائنا التجاريين».

«تأثير الفراشة»

قال كيران كافانا، مدير صندوق التحوط الذي عمل تحت إشراف بيسنت من 2013 إلى 2015 في شركة سوروس، إن بيسنت «بارع جداً في اكتشاف (تأثير الفراشة)».

وهو المصطلح الذي يسمى أيضاً «نظرية الفوضى»، ويُعرّف بأنه موقف حيث يكون الإجراء أو التغيير الذي لا يبدو مهماً له تأثير كبير جداً، وخاصة في أماكن أخرى أو حول العالم.

وعلى سبيل المثال، قال كافانا إن شيئاً ما يحدث في الصين يمكن أن يؤثر على الزراعة أو الصلب في الولايات المتحدة أو سعر سندات الخزانة.

ومع ذلك، تساءل الأشخاص المحيطون ببيسنت عن كيفية ترجمة خبرته إلى وزارة الخزانة. فمع وجود أكثر من 100 ألف موظف، ستكون الوكالة بمثابة تغيير جذري في النطاق والحجم عن أي شيء أداره بيسنت في الماضي.

عُرف عن بيسنت أنه كان يقضي وقتاً أطول في الغوص في البيانات المالية والكتب والدوريات أكثر من الإدارة النشطة أو عقد الاجتماعات مع الموظفين. وقال الأشخاص الذين عملوا معه إنه غالباً ما كان يخصص أيام الجمعة للقراءة، وأشاد العديد من زملائه السابقين بإرشاداته الفردية.

أما في وزارة الخزانة، فسيعمل في عالم مختلف؛ عالم سيتعين عليه فيه التعامل مع السياسة بالإضافة إلى الاقتصاد.

وقال روبرت جونسون، الذي كان زميلاً لبيسنت في وقت خفض قيمة الجنيه الإسترليني: «إن قدرته على إقناع رئيس الولايات المتحدة أو مجلس الشيوخ تختلف عن قدرته على رؤية ما يجب القيام به».

الملياردير الأميركي جورج سوروس (أ.ب)

في شركة «سوروس فاند مانجمنت»، الاسم الحالي للشركة، حيث شغل بيسنت منصب كبير مسؤولي الاستثمار من عام 2011 إلى عام 2015، ساعد في الإشراف على نحو 320 موظفاً، بمن في ذلك 120 من المتخصصين في الاستثمار. وكانت تلك أكبر مسؤولياته الإدارية حتى الآن.

وبيسنت هو ثاني وزير خزانة يختاره ترمب لمنصب وزير الخزانة الذي عمل تحت إشراف سوروس، على الرغم من الاختلافات الآيديولوجية الشديدة بين المحسن الليبرالي والرئيس المنتخب. وكان ستيفن منوشين، الذي خدم في إدارة ترمب الأولى، قد عمل في صندوق سوروس لفترة وجيزة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكنه لم يتداخل مع بيسنت.

العمل لدى سوروس

بدأ بيسنت مسيرته المهنية في مجال التمويل بعد تخرجه في عام 1984 من جامعة ييل، حيث قام بتدريس العديد من دورات الاقتصاد والاستثمار في وقت لاحق. وعمل في بنك «براون براذرز هاريمان» الاستثماري قبل أن ينضم إلى شركة سوروس عام 1991.

وقد أرسل صندوق «كوانتوم» التابع لسوروس بيسنت إلى لندن، حيث انغمس في بيانات الإسكان. واكتشف أن عدداً قليلاً من المواطنين البريطانيين يحملون قروضاً عقارية بسعر فائدة ثابت. وتوقع أنه إذا قام بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة، فإن ذلك سيرفع التكلفة مباشرة على المواطنين بينما كان الاقتصاد في خضم الركود.

في ذلك الوقت، كان الجنيه الإسترليني محصوراً في نطاق العملة الألمانية، بموجب اتفاقية مع معظم الاقتصادات الأوروبية الكبرى تهدف إلى تقليل تقلبات العملات الأجنبية. ولتحقيق ذلك، كان بنك إنجلترا المركزي يشتري أو يبيع الجنيه الإسترليني إذا بدأ يتحرك خارج النطاق، على غرار ما تفعله الصين اليوم للحفاظ على استقرار عملتها.

المراهنة ضد الجنيه الإسترليني

عندما بدأ سوروس وكبير مسؤولي الاستثمار لديه في ذلك الوقت، ستانلي دروكنميلر، في التفكير في المراهنة ضد الجنيه الإسترليني، منحهما فهم بيسنت للاقتصاد البريطاني الثقة بمواجهة بنك إنجلترا. وإحدى الطرق التي يمكن للبنك المركزي أن يحارب بها انخفاض العملة هي رفع أسعار الفائدة، لكن الرهون العقارية ذات السعر العائم جعلت من ذلك مشكلة لبنك إنجلترا.

وقال سميك: «لقد كان يتحسس بأطراف أصابعه عيوب النظام المالي البريطاني».

في ذلك الوقت، كان من غير المعقول أن يكون لدى مستثمري القطاع الخاص الموارد اللازمة لإسقاط أحد أقدم وأكبر البنوك المركزية في العالم. لكن سوروس أصر على أن يراهنوا بما يصل إلى 15 مليار دولار (على الرغم من أنهم في نهاية المطاف احتاجوا إلى 10 مليارات دولار فقط).

وفي وقت لاحق، قال بيسنت للمؤلف سيباستيان مالابي في كتاب «المزيد من المال أكثر من الله»: «يمكننا أن ندفع البنك إلى الحائط».

حقق فريق سوروس أرباحاً تزيد على مليار دولار من تلك الصفقة على مدار أسابيع.

لم يكن هذا الربح دون تكاليف، فقد كلفت القضية برمتها دافعي الضرائب البريطانيين مليارات الدولارات، وأدت إلى خسارة حزب المحافظين في الانتخابات، والتي استقال على أثرها رئيس الوزراء جون ميجور.

عام 2000، ترك بيسنت سوروس ليؤسس صندوق التحوط الخاص به، «بيسنت كابيتال». وقد حقق الصندوق، الذي ركز في البداية على تداول الأسهم، نتائج متباينة. وبحلول عام 2005، جرّب بيسنت التقاعد لفترة وجيزة وأعاد للمستثمرين أموالهم وأغلق الصندوق.

المراهنة على شينزو آبي

عام 2011، عاد بيسنت إلى شركة سوروس، بعد بضع سنوات في شركة أخرى، وبدأ في دراسة ما سيصبح مهنة ثانية تحدد مسيرته المهنية. في عام 2012، التقى بمستشارٍ لشينزو آبي، الذي سرعان ما أصبح رئيس وزراء اليابان للمرة الثانية. أخبره المساعد عن خطط آبي لإخراج اليابان من الركود الانكماشي الذي دام عقوداً من الزمان، وهو الجهد الذي أصبح يُعرف باسم «اقتصاد آبي».

إذا نجح آبي، فإن الين الياباني سوف يضعف، وسترتفع الأسهم في البلاد، كما استنتج بيسنت.

في عام 2013، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن الرهان العملاق ضد الين أتى بثماره، حيث حقق الصندوق أرباحاً بلغت نحو مليار دولار في غضون بضعة أشهر فقط. قال زملاء سابقون إن شركة سوروس، مع بيسنت على رأس القيادة، حققت عائدات تزيد على 20 في المائة في معظم السنوات.

ولكن كان معروفاً عنه أيضاً أنه كان يتعارض مع سوروس في بعض الأحيان. وقال بيسنت في مقابلة لكتاب «داخل بيت المال: كبار المتداولين في صناديق التحوط حول الربح في الأسواق العالمية»: «يحب جورج أن تجادله إذا كنت على حق، ولهذا السبب أعتقد أنني نجحت هناك».

في حين يقول بعض زملائه السابقين إنه لم يكن سراً أنه كان أكثر تحفظاً من سوروس، وهو متبرع بارز للديمقراطيين، فقد وصفوه بأنه «غير سياسي» في مكان العمل.

لكن إعلان بيسنت في عام 2015 عن أنه سيترك إدارة صناديق سوروس جاء فجأة، وفقاً لخمسة موظفين سابقين، وجعل زملاءه مذهلين؛ إذ ركان العديد منهم يعملون بشكل مباشر في الصفقات معه في ذلك الوقت، (بقي حتى نهاية عام 2015).

وقال اثنان من الأشخاص إن بيسنت كان محبطاً من العمل تحت قيادة سوروس وابنه روبرت، الذي شغل منصب رئيس الشركة آنذاك، وكان مستعداً لبدء صندوقه الخاص مرة أخرى.

كما قال شخصان إن سوروس أعطى بيسنت ملياري دولار لبدء «كي سكوير»، وتحدث الرجلان بضع مرات فقط بعد ذلك.

وبعد عامين، في عام 2018، استعاد سوروس أمواله. افتتحت «كي سكوير» أعمالها بأكبر مجموعة من الأموال على الإطلاق، لكن أداءها كان باهتاً. تظهر البيانات من أحد مستثمري الصندوق أنه خسر أموالاً أو تعادل بين عامي 2018 و2021، رغم الأداء القياسي لأسواق الأسهم على مستوى العالم. لقد انكمش جزئياً لأنه قام بتدوير صندوق واحد إلى عمل جديد، ولديه أيضاً صناديق وخطوط أعمال مساعدة أخرى.

بداية جديدة

الآن من المقرر أن يبدأ بيسنت بداية جديدة أخرى. في حين لا يتمتع وزير الخزانة بالسيطرة المباشرة على السياسة النقدية، والتي تقع تحت سلطة بنك الاحتياطي الفيدرالي، تحدث بيسنت مراراً وتكراراً عن حالة الدولار الأميركي، وهو موضوع كان يدرسه منذ فترة عمله تحت قيادة سوروس.

قال ترمب، في إعلانه عن الاختيار، إنه يريد المساعدة في «الحفاظ على الدولار الأميركي بوصفه عملة احتياطية للعالم».

وقال جونسون، زميل بيسنت السابق، والذي يشغل الآن منصب رئيس معهد التفكير الاقتصادي الجديد غير الربحي: «ما يحتاجه العالم الآن في فترة انتقالية هو شخص يفهم كل التبعات والآثار الجانبية الهشة للسياسات التي تتبناها. أعتقد أن سكوت هو أحد الأشخاص القلائل الذين يتمتعون بالذكاء الفكري والخبرة الكافية للجلوس في قمرة القيادة لهذا التحدي».