الإسماعيلية تستعيد ذكريات نشأتها وحفل القناة الأسطوري

146 عامًا تفصل حدثين حضرهما زعماء العالم بالمدينة

الإسماعيلية تستعيد ذكريات نشأتها وحفل القناة الأسطوري
TT

الإسماعيلية تستعيد ذكريات نشأتها وحفل القناة الأسطوري

الإسماعيلية تستعيد ذكريات نشأتها وحفل القناة الأسطوري

استعادت مدينة الإسماعيلية التي تتوسط قناة السويس في شرق مصر ذكريات نشأتها وما شهدته من حفل أسطوري قبل 146 عاما حين استقبلت المدينة حديثة البناء آنذاك زعماء العالم الذين دعاهم حاكم مصر في ذلك الوقت الخديو إسماعيل على شرف حفل افتتاح قناة السويس.
وتزينت المدينة الهادئة بأبهى صورها أمس قبل ساعات من الحفل الكبير المرتقب، حيث حفلت الشوارع التي تكاد تتلألأ تحت أشعة الشمس بأعلام مصر وأعلام دول العالم، بينما انتشرت الخدمات الأمنية في كافة المحاور مرسخة صورة لسيطرة الدولة على الوضع تماما رغم القلاقل التي شهدتها مختلف الأرجاء خلال الشهور الماضية، مما أعطى شعورا متزايدا للمواطنين والضيوف بالأمن والأمان.
وطافت الشوارع عربات تحمل مكبرات صوتية ضخمة تذيع الأغاني الوطنية والاحتفالية، وهو ما تفاعل معه المواطنون بالتصفيق والرقص في شوارع المدينة التي تخلت عن طابعها الهادئ المعتاد لتشهد حالة من الاحتفالية الاستثنائية؛ لم تكن ترى إلا في حالات نادرة خلال الأعوام الماضية حين يفوز فريق المدينة الرياضي بإحدى بطولات كرة القدم.
ومع تدفق الشخصيات الدولية والوفود إلى المدينة، بدأ المصريون في الإسماعيلية في تذكر تاريخ لم يره رأي العين أحد من الأحياء، لكن كتب التاريخ أرخت له بشكل موسع، وهو افتتاح قناة السويس الأولى قبل نحو قرن ونصف من الزمان في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1869 في حفل مهيب وبميزانية ضخمة خصصها الخديو إسماعيل لهذا الحدث العالمي.
وقبل حفر قناة السويس، لم تكن هناك إلا مدينة السويس من مدن القناة اليوم. حيث جرى تأسيس مدينة بورسعيد، التي اتخذت من اسم سعيد باشا اسما لها، على المدخل الشمالي للقناة الجديدة.. وتوسطت المسافة بين المدينتين مدينة جديدة أخرى هي الإسماعيلية نسبة إلى الخديو إسماعيل.
ورغم تشابه الحدثين من حيث الأهمية ورفعة الحضور، فإن حفل افتتاح القناة الجديدة أمس تجنب البذخ الكبير الذي صاحب الحدث الأول، الذي أدى بحسب المؤرخين إلى تحمل مصر في ذلك العصر لديون طائلة، مكتفيا باحتفال وصفه الناس بأنه عظيم ورصين في ذات الوقت.
وكان الخديو إسماعيل قد سافر إلى أوروبا لدعوة زعماء ذلك العصر لحضور افتتاح القناة، ثم عاد لإعداد الحفل حيث تذكر كتب التاريخ أنه خصص 500 من الطهاة وألفا من الخدم للعمل على راحة الضيوف، الذين قدر عددهم بنحو ستة آلاف مدعو.
وتوافد الضيوف إلى مصر على متن السفن قبل شهر من الاحتفال، حيث ازدحم ميناء بورسعيد بأساطيل الدول والوفود ومئات المصريين من كافة الطوائف احتفالا بالمناسبة التي لم يشهد العالم لها مثيلا في ذلك الوقت من الزمان.
وكان من أبرز حضور هذا الحفل الإمبراطورة أوجيني زوجة الإمبراطور نابليون الثالث حاكم فرنسا، وإمبراطور النمسا، وولي عهد بروسيا وولي عهد هولندا، وعشرات من الزعماء وشخصيات العالم البارزة.
وأبحر يخت المحروسة، الذي طلب الخديو إسماعيل إنشاءه خصيصا بمناسبة الحدث، في القناة كأول قطعة بحرية تعبر الممر الملاحي الجديد، حاملا على متنه زعماء ووفود العالم. كما شهدت مصر أول عرض أوبرا من نوعه وهو أوبرا «ريجوليتو» الإيطالي.. رغم أن الترتيبات كانت تقضي بعرض أوبرا عايدة في ذلك الوقت، وذلك في دار الأوبرا المصرية التي أمر الخديو بتأسيسها خصيصا في القاهرة احتفالا بالضيوف.
وأوبرا عايدة، ألفها الموسيقار العالمي الإيطالي غوسيبي فيردي خاصة للمناسبة، مستلهما أحداثها من مخطوطات مصرية قديمة اكتشفها العالم الفرنسي أوجست ماريتا في وقت الحملة الفرنسية على مصر.
وجرى تصميم الملابس والإكسسوارات الخاصة بالأوبرا في باريس، لكن تأخر وصول الملابس والتجهيزات الخاصة بها أدى إلى استبدال عرض ريجوليتو بها، بينما شهدت دار الأوبرا المصرية العرض الأول لعايدة في عام 1871.
ومع مرور الأيام، شهدت مصر تغيرات حاسمة في تاريخها وعلاقاتها بسبب قناة السويس، فبينما جمع المشروع الفرنسي القاهرة وباريس بعلاقة وثيقة في زمن نشأتها الأولى، وكذلك علاقات وثيقة بين القاهرة ولندن بحكم الاحتلال البريطاني لمصر وامتلاك بريطانيا لأسهم في القناة.. تدهورت العلاقات بين مصر من جانب وإنجلترا وفرنسا من الجانب الآخر عقب تأميم القناة في عام 1956، لتشن الدولتان هجوما عسكريا على مصر شهد بسالة فائقة من أهالي مدن القناة التي دمرت أغلب منشآتها خلال الغارات الجوية.
لكن احتفال افتتاح القناة الجديدة أمس شهد تحولا دراميا في شكل العلاقات التي تجمع الدول الثلاث فيما يخص قناة السويس، حيث حضر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كضيف شرف حفل الافتتاح، كما حضر وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون على رأس وفد بلاده تهنئة بافتتاح المجرى الملاحي الدولي الجديد.
إسرائيل، الطرف الثالث في عدوان عام 1956 على مصر ومدن القناة، كان لها أيضا «حضور رمزي» رغم عدم دعوتها رسميا لافتتاح القناة الجديدة، إذ إن المجرى الملاحي الجديد جرى حفره على أنقاض موقع خط بارليف القديم، الذي شيده الجيش الإسرائيلي على الضفة الشرقية للقناة في وقت احتلاله شبه جزيرة سيناء منذ عام 1967. حتى عبره جنود مصر في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 لينهوا أسطورة أخرى حول «المانع العسكري الذي لا يقهر».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».