«فرص ومخاوف» في طريق تشكيل قوة عسكرية ليبية مشتركة

يراهن محللون وعسكريون على المساعي التي تبذلها الأطراف الليبية لتشكيل قوة عسكرية مشتركة، ويعتبرونها «فرصة» لتعزيز مسار الحل السياسي، وإنجاح محاولات إجراء انتخابات عامة، خلال العام الجاري؛ لكنهم لا يستبعدون وجود مخاوف قد تعترض تشكيلها.
وتساءلت مصادر ليبية عن مدى قبول قوى شرق ليبيا وغربها، دخول قوات عسكرية في مناطق كل منهما، بمشاركة عناصر من الفريق الآخر، بعد سنوات من الصراع الدامي بين قطبي الاستقطاب الحاد في البلد الغني بالنفط.
وعلى وقع الاجتماع الذي شهدته طرابلس، بمشاركة قادة عسكريين من الشرق والغرب، يصف وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي، الخطوة بـ«الجيدة». ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن مهمة هذه القوات «ستكون المحافظة على حماية الحدود، والسيطرة على الهجرة غير المشروعة، وخصوصاً في الجنوب الليبي، وكذلك حماية الأهداف الحيوية المشتركة، مثل حراسة آبار النفط والغاز والمواني النفطية، والسيطرة على عمليات التهريب وانتشار السلاح».
وتشمل تلك المساعي توحيد المؤسسات التعليمية العسكرية العليا، مثل كلية القيادة والأركان، والكليات والأكاديميات العليا في الأسلحة الفرعية، من بينها البحرية، والجوية، والدفاع الجوي، حسب البرغثي. ويشدد المسؤول العسكري السابق، على «الأهمية الكبيرة لدعم إيطاليا والولايات المتحدة، لأي خطوة للسيطرة على الهجرة غير المشروعة، وحل مشكلة المرتزقة»؛ مشيراً إلى أن «قوات الشرق والغرب في ليبيا بحاجة إلى تجهيز للقيام بمهام حراسة الحدود والأهداف الحيوية، وتعقب الهجرة غير الشرعية، ومكافحة التهريب».
وعن طبيعة الدعم الذي يمكن أن يقدمه الشركاء الغربيون للقوات الوطنية، يوضح: «إن هذا الدعم يجب أن يشمل تزويد القوات الليبية بمنظومات استطلاع بري، وجوي، بواسطة أجهزة المراقبة على الحدود، وطيران»، مضيفاً أن أفرقاء الصراع من المعسكرين: «متفقون على رفض وجود الجماعات المسلحة والمتمردة، القادمة من تشاد والسودان، في مدن الجنوب الليبي».
وبالمثل، يراهن عبد الحفيظ غوقة، المحلل السياسي ونائب رئيس «المجلس الوطني الانتقالي» الليبي السابق، على تشكيل القوة العسكرية المشتركة، قائلاً: «هذا أمر ممكن، ولا توجد معوقات كثيرة أمام توحيد المؤسسة العسكرية؛ لكن للأسف الشديد، فإن لجنة (5 5)، مثل غيرها من اللجان، فشلت في أهم ما جاءت من أجله، وهو توحيد المؤسسة العسكرية، وحل الجماعات المسلحة، وتسريح أو دمج أعضائها في هذه المؤسسة».
ويضيف -في تصريح لـ«الشرق الأوسط»- أن اللجنة «تأخرت في تلك المهمة كثيراً، بعد مضي نحو 3 سنوات على انطلاق عملها في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020»؛ لكنه يقر بما حققته في «ملف الحفاظ على وقف إطلاق النار في المنطقة الوسطى من البلاد، وحلحلة بعض الإشكاليات فيما يتعلق بفتح الطريق الدولية، وبين المدن الليبية شرقاً وغرباً، وإطلاق سراح بعض المعتقلين في هذا الجانب، أو ذاك».
ويشدد غوقة على أن الأهم في عمل اللجنة العسكرية، والذي من أجله اجتمعت: «هو حصر كل الجماعات المسلحة، ومعرفة مقراتها وعتادها، وأمرائها، تمهيداً لبرنامج وطني كامل، يكون معنياً بالتأهيل والتسريح والدمج في المؤسسة العسكرية، وهو ما لم تفلح فيه من قبل».
ورداً على سؤال حول مستقبل الاجتماعات الرامية إلى تشكيل القوة المشتركة، يجيب غوقة: «لا يوجد أي عائق على الإطلاق أمام هذا الهدف، وأعتقد أن الاجتماعات الأخيرة، سواء في تونس أو داخل ليبيا، في مدينة سرت، بحضور البعثة الأممية من قبل، أجابت عن كثير من الأسئلة، وطالما بدأت اجتماعات اللجنة فأعتقد أننا سنرى تشكيل هذه القوة المشتركة، وهو ما نعول عليه لضمان أي حل سياسي».
وحول الربط بين الملفين العسكري والسياسي، يقول: «شاهدنا كثيراً من المبادرات ومحاولات حل الأزمة، وجميعها اصطدمت بالسلاح والجماعات المسلحة التي تشعل فتيل الحرب كلما قاربت الأزمة على الانتهاء. وبتشكيل القوة المشتركة، وتوحيد المؤسسة العسكرية شرقاً وغرباً، سنكون قادرين على إنجاح أي مساعٍ لحل الأزمة السياسية».
ويعتقد المحلل الليبي أن الحل يكمن «في توحيد المؤسسة العسكرية أولاً، أو أن يتزامن المساران: المسار العسكري، ومسار الحل السياسي بقيادة الأمم المتحدة وبخريطة طريق بآليات واضحة، وبجدول زمني محدد، لإجراء الانتخابات من دون إسناد أي مهام أو عمل لقاعدة دستورية أو قوانين الانتخابات لأي من أطراف الصراع»، مع تكليف اللجنة التوجيهية رفيعة المستوى التي تحدث عنها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي بهذه المهمة، وبضمانات دولية، في ظل قوة عسكرية وأمنية موحدة تشرف على الانتخابات، وتنهي هذه الأزمة.
وبينما تسود نبرة متفائلة إزاء تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين الشرق والغرب، لا تخفي مصادر ليبية مخاوفها.
ويتساءل أحد هذه المصادر: «هل سيقبل الفاعلون في شرق ليبيا دخول قوة مشتركة، تضم عناصر من المنطقة الغربية، لتأمين المواني النفطية؟ وبالمثل: هل سيقبل الفاعلون في غرب ليبيا دخول قوة عسكرية، تضم عناصر من شرق البلاد، لتأمين مجمع مليتة للنفط والغاز في طرابلس؟ أم أن الأمر سيقتصر على الجنوب وحده؟». ويتابع المصدر نفسه بأن البداية ستكون بالجنوب «لكن هذا لا يكفي»، مضيفاً أن الاجتماعات الجارية يجب أن تتبعها اجتماعات لمجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مؤتمر برلين، بالتعاون مع لجنة «5 5».