بعد طول انتظار .. أصبح لنيويورك أسبوع رجالي للموضة

الآمال كبيرة والبداية متواضعة

جون فارفاتوس و مايكل باستيان
جون فارفاتوس و مايكل باستيان
TT

بعد طول انتظار .. أصبح لنيويورك أسبوع رجالي للموضة

جون فارفاتوس و مايكل باستيان
جون فارفاتوس و مايكل باستيان

كان أول موسم للأزياء الرجالية بالمعنى الرسمي. فنيويورك التي رسخ أسبوعها النسائي مكانتها ضمن العواصم العالمية الأربعة، لم يكن فيها للرجل نصيب مهم إلى الآن. خطوة كان لا بد منها، بعد أن لمست تنامي قطاع الأزياء الرجالية وتزايد اهتمام الشباب بالموضة. ثم إنها، أي نيويورك، تحب التجاري، ومن سماتها المميزة بيع منتجاتها بسهولة مقارنة بغيرها من العواصم الأوروبية، ما دفعها لتخصيص أيام تسلط فيها الضوء على هذه الصناعة وعلى مصمميها الذين استولت عليهم عواصم أوروبية سبقتها في هذا المجال. أسوة بلندن، كثفت نيويورك كل جهودها لكي تعيد بعض أبنائها إليها، مثل المصمم جون فارفاتوس، الذي كان وجها مألوفا في أسبوع ميلانو لثمان سنوات واختتم الأسبوع بعرض كبير، وفي الوقت ذاته قدمت منبرا مهما لمصممين شباب ليس بمقدورهم العرض في أي عاصمة أخرى.
من السابق للأوان الحكم على الأسبوع في دورته الأولى، والجزم بأنه سيحقق أهدافه في المستقبل القريب، لكن المؤكد أن التفاحة الكبيرة تتقن فن التسويق، وبالتالي فإن استحداث منبر خاص بها، أمر تأخرت فيه. بإمكاناتها وسمعتها، فهي قادرة على دخول المنافسة منذ سنوات، رغم أنها تفتقد إلى الابتكار والجرأة الفنية مقارنة بغيرها، لا سيما لندن التي حققت ما لم تحققه الكثير من العواصم الأخرى رغم أنها دخلت هذا المجال منذ ثلاث سنوات فقط. المشكلة في نيويورك أن ما كان مكمن قوتها أصبح هو مكمن ضعفها. والمقصود هنا هو توجهها التجاري وإعطاؤها الأولية للتسويق على حساب الابتكار. فمصممو نيويورك من أمثال مايكل كورس، بيللي ريد، مايكل باستيان، جون فارفاتوس، تومي هلفيغر، يُؤمنون بأن الألوان المتحفظة والتصاميم الكلاسيكية هي التي تبيع، ويتقيدون بهذا السيناريو في كل المواسم. هذا لا يعني أن تصاميمهم ليست عصرية أو أنيقة، بل هي فقط غير جريئة أو جديدة في أفكارها بالمعنى الثوري الذي من المفترض أن يضج بالابتكار مع بعض التحدي لتكسير المألوف وخض المتعارف عليه، مثل ما يقوم به كل من ريك أوينز، دريز فان نوتن، يوجي ياماموتو أو حيدر أكرمان في باريس ومعظم مصممي لندن، بل وحتى أليساندرو ميشال مصمم دار «غوتشي» الجديد في ميلانو. صحيح أن تصاميم هؤلاء لا تبيع بسهولة ولا تحقق لهم الربح المضمون في كل المواسم، لكنها حتما ترسخ أسماءهم كمبدعين يتمتعون بنظرة خاصة يحاولون ترجمتها في أرض الواقع وإقناع زبائنهم بها، بغض النظر عما إذا كانت ستبيع أم لا. ثم لا ننسى أن هؤلاء يخاطبون شرائح نخبوية تتمتع بإمكانات عالية.
قلة من المصممين الأميركيين يحاولون تقديم الجديد، ونذكر منهم داكي براون، وكريغ لورين، سيكي آي إم، تيم كوبينز. لكن هذه الأسماء لا تزال صغيرة، وبعضهم لا يزال في أول الطريق، ما يسمح لهم بأن يتحلوا ببعض الجرأة. فليس هناك ما يخافون عليه أو سيخسرونه من جهة، كما أن الابتكار هو الطريق المثالي أمامهم للحصول على اهتمام وتعاطف وسائل الإعلام، وما يترتب عن اهتمامهم هذا من تغطيات إيجابية ومجانية، من جهة ثانية.
مشكلة نيويورك لحد الآن أنها تعرف جيدا أن الرجل يريد أزياء سهلة يمكنه تنسيقها بسهولة ومن دون تعقيدات، لكنها لا تعرف أنه يريد أن يتميز ويختلف عن غيره، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمنتجات تكلفه مبلغا محترما لا يقدر عليها الرجل العادي الذي يتسوق من المحلات الشعبية. فلحد الآن يستهدف أغلبية مصممي نيويورك، الطبقات المتوسطة أو المتطلعة للموضة، وعلى رأسهم مايكل كورس، وتومي هيلفيغر، مثلا. فهذان المصممان من أهم اللاعبين في ملعب نيويورك، وقدوتان يقتدي بهما الكثير من الشباب الأميركي الطامح لتحقيق الربح وترسيخ الاسم في الوقت ذاته. والنتيجة أن الأسبوع كان ناجحا من حيث المشاركة والتنظيم، لكنه لم يقدم جديدا من ناحية التصاميم، واقتصر المصممون فيه على السير في نفس الاتجاهات التي تابعناها في ميلانو وباريس وإلى حد ما في لندن. فقد تميزت الخطوط بالسخاء والأقمشة بالخفة، بينما اكتسبت الألوان دكانة وعمقا رغم أنها موجهة للربيع والصيف. وطبعا لأنها نيويورك، مهد الأسلوب الـ«سبور» كان من الطبيعي أن يتبنى الكثير من أبنائها هذا الأسلوب، أحيانا مستوحى من ثقافة الشارع، وأحيانا أخرى من موسيقى الهيب هوب والراب،



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.