قاعدة عسكرية «افتراضية» تسبب أزمة ثقة بين الجزائر وتونس

تأكيدات عن نقل محطة تجسس أميركية من إيطاليا إلى سواحل تونس

شاحنات تقل جنودا تونسيين بالقرب من جبل السلوم الذي تشتبه السلطات في تحصن عدد من قيادات التنظيمات المتطرفة بداخله (غيتي)
شاحنات تقل جنودا تونسيين بالقرب من جبل السلوم الذي تشتبه السلطات في تحصن عدد من قيادات التنظيمات المتطرفة بداخله (غيتي)
TT

قاعدة عسكرية «افتراضية» تسبب أزمة ثقة بين الجزائر وتونس

شاحنات تقل جنودا تونسيين بالقرب من جبل السلوم الذي تشتبه السلطات في تحصن عدد من قيادات التنظيمات المتطرفة بداخله (غيتي)
شاحنات تقل جنودا تونسيين بالقرب من جبل السلوم الذي تشتبه السلطات في تحصن عدد من قيادات التنظيمات المتطرفة بداخله (غيتي)

عادت وسائل إعلام جزائرية وتونسية وبعض المواقع الإلكترونية إلى إثارة موضوع احتمال إبرام جهات رسمية تونسية مع السلطات الأميركية اتفاقا «سريا»، وذلك على هامش زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى واشنطن قبل أسابيع، يقضي بإحداث «قاعدة عسكرية أميركية في تونس تكون من بين مهامها التجسس على الفصائل الليبية المتقاتلة وعلى الجزائر».
ونفت السلطات التونسية، بما في ذلك الرئيس التونسي، وجود أي اتفاق مع الجانب الأميركي ينص على إحداث أي «قاعدة أميركية في أي نقطة من التراب التونسي».
وفسر الطيب البكوش، وزير الخارجية التونسي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» توقيع «اتفاق تعاون عسكري» جديد بين تونس والحلف الأطلسي بكونه «مجرد محضر تعاون تقليدي، منحت واشنطن بموجبه تونس» صفة الحليف المميز التي «لن تحدث تغييرا جوهريا في علاقات البلدين، ولا في علاقات الحلف الأطلسي ببقية دول جنوب البحر الأبيض المتوسط»، ومن بينها الجزائر والمغرب والأردن ومصر، التي انخرطت منذ 2004 في آلية «الحوار الأطلسي المتوسطي»، تنفيذا لتوصيات مؤتمر قيادة الحلف الأطلسي بمدينة إسطنبول التركية في نفس العام.
لكن بعض وسائل الإعلام الجزائرية والتونسية ما تزال تواصل انتقادها لمحسن مرزوق، الأمين العام لحزب نداء تونس، والوزير المستشار السياسي السابق لرئاسة الجمهورية، حيث تتهمه بكونه مهندس هذا الاتفاق التونسي الأميركي: «الذي أغضب رسميين جزائريين رغم توضيحات كل الرسميين التونسيين ومحاولاتهم رفع الالتباس».
من جانبه، قال السفير خميس الجهيناوي، المستشار الدبلوماسي للرئيس التونسي، لـ«الشرق الأوسط» إنه زار الجزائر، والتقى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وثلة من كبار مساعديه، وبينهم رئيس الحكومة عبد المالك سلال، وأبلغهم تطمينات رئيس الجمهورية التونسي قائد السبسي عن «استحالة وجود أي مخطط تونسي لإقامة قواعد أجنبية على أرضه، أو الاشتراك في أي مشروع يستهدف أمن الجزائر أو ليبيا»، موضحا أن «تونس رفضت دوما كل المقترحات التي قدمت إليها بخصوص إنشاء قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها».
ورغم هذه التطمينات المتتالية، تتابع أطراف عروبية وقومية تونسية انتقاداتها لتوقيع الأمين العام لحزب نداء تونس «مذكرة تفاهم مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري حول منح تونس صفة الحليف المميز في الحلف الأطلسي، مع الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بعضوية الحلف»، وقد تزايدت حدة هذه الانتقادات بشكل كبير بعد استضافة قيادة حزب نداء تونس رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي، وتنظيمهما اجتماعا مشتركا أدلى فيه زعيم اليمين الفرنسي السابق بتصريحات انتقدتها سلطات الجزائر رسميا، ووصفتها بأنها «عدائية». وكان ساركوزي قد وصف في ذلك الاجتماع الوضع في دولة الجزائر بالغموض، ودعا إلى حسمه في سياق مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وإلى تدويل «الأزمة الجزائرية».
وتواصل هذه الأطراف انتقاداتها للقاعدة العسكرية الأميركية «الافتراضية»، وبينها بعض قيادات اليسار «الراديكالي» في تونس، مثل «الجبهة الشعبية» بزعامة حمة الهمامي، وحزب الشعب بزعامة زهير المغزاوي، وحزب التيار الشعبي بزعامة زهير حمدي. وقد روجت مصادر إعلامية مقربة من السلطات الجزائرية أن «تعليمات» صدرت إلى عبد القادر حجار، سفير الجزائر في تونس والمقرب من الرئيس بوتفليقة، وإلى موظفي السفارة بمغادرة تونس احتجاجا على تصريحات الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي حول الجزائر خلال وجوده في تونس، بدعوة من أمين عام الحزب محسن مرزوق، الذي وقع اتفاقية الحلف الأطلسي مع جون كيري، لكن مصادر رسمية جزائرية في السفارة فندت هذه «الإشاعات»، وأكدت أن السفير الجزائري وطاقمه يتابعون عملهم في تونس.
ولئن لوحظ تغيب السفير الجزائري والصديق الشخصي للرئيس بوتفليقة عبد القادر حجار مؤقتا عن تونس، إلا أنه عاد إليها بسرعة، حيث شوهد مجددا خلال مقابلة علنية جمعته بوزير الطاقة الجزائري صالح خيري ورئيس الحكومة التونسية في مقر رئيس الحكومة. وقد أعلن في أعقاب تلك المقابلة عن إجراءات دعم الاقتصاد التونسي من قبل الجزائر، ومن بينها توفير كميات هائلة من الغاز الطبيعي والمحروقات الجزائرية لتونس بسعر تفضيلي، ومنحها قرضا قيمته 100 مليون دولار بنسب فائدة «منخفضة جدا».
لكن مرحلة الشد والجذب في العلاقات التونسية الجزائرية ما تزال متواصلة بسبب «إشاعة القاعدة العسكرية» أو من دونها، ويبدو أن «الحرب الأهلية في ليبيا»، وغموض الوضع الأمني في كامل المنطقة، انطلاقا من مالي ودول الساحل والصحراء، من بين العوامل التي ستجعل تونس والجزائر محكومتين بمزيد من التنسيق الأمني والشراكة الاقتصادية، تحسبا لكل سيناريوهات تدويل الأزمات الإقليمية، وبينها الأزمة الليبية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.