تونس ترحب بدعم إيطاليا وتتجاهل انتقادات أوروبا

عبّرت الخارجية التونسية أمس عن ترحيبها بالدعم المالي الذي قدمته إيطاليا، وأكدت انفتاحها على شراكة «مسؤولة ومحترمة ومتساوية، نداً للند، مع جميع شركائها»، وانتقدت في المقابل تصريحات جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية الذي تحدث عن مخاوف من «انهيار» الوضع في تونس، واعتبرتها «غير متناسبة».
وجاء رد فعل الخارجية التونسية تزامناً مع زيارة وفد من الاتحاد الأوروبي البلاد التي تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية، وحيث تنتقد المعارضة بشدة إجراءات اتخذها الرئيس قيس سعيّد، وتصفها بأنها «انقلاب على الثورة». وأضافت الوزارة في بيان أن «التصريحات التي تمّ الإدلاء بها مبالغ فيها وغير متناسبة، سواء بالنظر للقدرات الراسخة والمشهود بها عبر التاريخ للشعب التونسي على الصمود وتجاوز المصاعب، وكذلك فيما يتعلق بالتهديد الذي تمثله الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا».
يذكر أن أنطونيو تاياني، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي ونائب رئيسة الوزراء، قد أعلن أول من أمس، عن تقديم بلاده نحو 110 ملايين يورو لفائدة تونس وبعض الشركات الصغرى والمتوسطة، من خلال الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي، تزامناً مع تصريحات بوريل التي عبّر فيها عن شعور الاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس، وخشيته من انهياره، مشدداً على أن الرئيس سعيد «يجب أن يوقع اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي وينفذه، وإلا فإن الوضع سيكون خطيراً للغاية بالنسبة لتونس».
وأضاف بوريل متخوفاً: «إذا انهارت تونس، فإن هذا سيهدد بتدفق المهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي، والتسبب في عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولذلك نريد تجنب هذا الوضع». وأوضح في هذا السياق أن وزراء الاتحاد الأوروبي طلبوا من بلجيكا والبرتغال إرسال ممثلين إلى تونس لإجراء «تقييم للوضع قصد تمكين الاتحاد الأوروبي من توجيه إجراءاته»، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي «لا يمكنه مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي».
وكانت جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، قد كشفت عن برنامج يتم طرحه خلال الأسابيع المقبلة، ستطالب من خلاله أوروبا بـ«ردود فورية لدعم دول شمال أفريقيا، وعلى رأسها تونس التي تعيش أزمة اقتصادية ومؤسساتية». وقالت إن تونس «تواجه أزمة عميقة، مع عواقب يمكن أن تكون مقلقة للغاية لأوروبا، وليس فقط إيطاليا»، في إشارة إلى بيانات وزارة الداخلية الإيطالية التي أكدت أن تونس باتت بلد العبور الأول في المنطقة نحو إيطاليا؛ خصوصاً بعد تسجيل مغادرة 12 ألفاً و83 شخصاً انطلاقاً من سواحلها منذ بداية السنة، وحتى يوم 13 مارس (آذار) الحالي، مقارنة بـ1360 وافداً فقط في الفترة نفسها السنة الماضية.
وفي هذا الشأن، قال جمال العرفاوي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط»، إن تونس باتت تستعمل ورقة المهاجرين في وجه دول أوروبا من أجل الحصول على استثمارات مالية، ومساعدات للحد من الفقر والخصاصة، وخفض أعداد المهاجرين؛ مضيفاً أن إيطاليا باتت تطالب الدول الأوروبية بالضغط على أعضاء صندوق النقد الدولي لتمكين تونس من قرض مالي، وهذا أمر نادر الحدوث. كما أكد العرفاوي أن تونس قد تلجأ إلى طريقة التفاوض نفسها التي استعملتها عدة دول مع أوروبا، على غرار تركيا، من أجل الحصول على دعم مالي مقابل وقف نزيف الهجرة غير الشرعية.
ورداً على التحذيرات من خطورة الأوضاع السياسية والاقتصادية، أكد الرئيس التونسي خلال زيارة إلى مدينة القيروان (وسط) أمس، أن ما تحقق في تونس بعد 25 يوليو (تموز) 2021 «هو من قبيل المعجزات»، وجدد رفضه التدخل في شؤون تونس لـ«أننا لسنا تحت الانتداب أو الحماية أو أي نوع من أنواع الوصاية»، على حد قوله.
كما كشف الرئيس سعيد عن أسباب اتخاذه قرار إقصاء منظومة الحكم السابقة، قائلاً: «اتخذتُ هذا القرار لتصحيح المسار، والعزوف عن الانتخابات التشريعية مرده إلى رفض المواطنين لفكرة البرلمان بشكل عام. كما أن الديمقراطية النيابية تعيش أزمة في كل أنحاء العالم». مبرزاً أن تونس «تخوض حرب تحرير وطنية بلا هوادة، لضرب الفاسدين الذين لا وطنية لهم، والذين يريدون تجويع الشعب»، متهماً خصومه السياسيين قائلاً: «هؤلاء منخرطون في مؤامرة ضد الدولة التونسية للانقلاب على إرادة الشعب».
وفيما يتعلق بمواصلة بناء النظام السياسي الذي اختاره، قال الرئيس سعيد إن مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية) «سيكون تمثيلاً حقيقياً لإرادة التونسيين... وسيكون الانتخاب على الأفراد خلال دورتين، كما سيكون هناك تداول على التمثيل حتى تكون هناك رقابة داخلية، إضافة إلى إمكانية سحب الثقة من الأعضاء المنتخبين».