الزبداني: آخر معارك حزب الله على الحدود اللبنانية

نقطة أمن دمشق ومائها.. والملاذ شبه الأخير للمعارضة المتحدرة من المنطقة

الزبداني: آخر معارك حزب الله  على الحدود اللبنانية
TT

الزبداني: آخر معارك حزب الله على الحدود اللبنانية

الزبداني: آخر معارك حزب الله  على الحدود اللبنانية

لم تحسم القوات الحكومية السورية، مدعومة بقوات حزب الله اللبناني، معركة الزبداني بعد شهر على انطلاقتها. فالمدينة التي اختبرت خمس محاولات فاشلة لعقد هدنة على مدى السنوات الثلاث الماضية، لا تزال قوات المعارضة فيها تواجه الهجمات، رغم الحصار العسكري، فيما تحشد القوات الحكومية طاقة نارية كبيرة لإنهاء وجود المعارضة في آخر المدن الحدودية مع لبنان.
غير أن التطورات العسكرية، التي ينظر مراقبون إلى أنها لن تكون لصالح 800 مقاتل معارض لا يزالون يتحصنون فيها، فاجأت قياديين معارضين، تحدثوا عن وجوه تشابه بين معركة القصير التي بدأ حزب الله عملياته العسكرية في سوريا منها، نظرًا إلى طول أمد المعركة التي تخطت الشهرين، في وقت تغيب فيه المؤشرات على أن تكون الزبداني، آخر معارك حزب الله في سوريا، رغم أنها آخر الجبهات الاستراتيجية التي تمسّ أمنه على الحدود اللبنانية.

يشكك مصدر معارض بارز أن تكون معركة حزب الله في الزبداني، هي الأخيرة، مستندًا إلى خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قال فيه «أينما يجب أن نكون، سنكون». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن دخول حزب الله في المعركة «لم يكن بسبب حماية المقامات الدينية كما زعم في البداية، ولا الحفاظ على أمن الحدود اللبنانية كما قال قياديون فيه»، معتبرًا أن الحزب «أخذ على عاتقه حماية نظام (الرئيس السوري بشار) الذي اعترف صراحة بعجزه عن حشد الطاقات البشرية في المعارك، فنشر قواته في دمشق وريفها وجنوب سوريا وحمص وحلب وأخيرًا إدلب».
وتعتري حزب الله في الزبداني مشكلة ديموغرافية تحول دون تحقيق حسم في المدينة، كما تحول دون التوصل إلى اتفاقات لا تصب لمصلحة المعارضة. ويقول الباحث السياسي والخبير العسكري السوري عبد الناصر العايد: «حين بدأت معركة القصير، انسحب مقاتلو المعارضة إلى القلمون وحمص، قبل انسحابهم أخيرًا بفعل الهجوم على القلمون الغربي إلى الزبداني»، لافتًا إلى أن المدينة «باتت الملاذ شبه الأخير لقوات المعارضة التي تتحدر من المنطقة، ما يزيد حجم الاعتماد على المواجهة». ويضيف: «انسحب مقاتلو المعارضة في السابق من القصير، باتجاه جبهات أخرى لأن موازين القوى لا تسمح بذلك، أما اليوم، فإن عائلاتهم لم يبقَ أمامها خيار آخر، وهم يدركون أن جميع المقاتلين المعارضين الذين قاتلوا في القصير، لم تعد عائلاتهم إليها، وبالتالي، لن يغادروا اليوم مناطقهم».
والزبداني، هي آخر المدن السورية على الحدود اللبنانية التي تحكم قوات المعارضة فيها السيطرة على أجزاء من المدينة، رغم انتشار قوات المعارضة في تلال حدودية، أهمها في جرود عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا. وتمتاز بميزتين استراتيجيتين بالنسبة للمعارضة، من جهة، ونظام الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه حزب الله من جهة ثانية، ويتمثلان في موقعها الجغرافي وبأنها تتضمن محطات ضخ مياه الري للعاصمة السورية.
بالنسبة لقوات المعارضة، تتمتع الزبداني بأهمية رمزية، كونها أول مدينة سورية سيطرت عليها بعد اندلاع الأزمة السورية في مارس (آذار) 2011، وقليلاً ما استقطبت مقاتلين أجانب، كون القسم الأكبر من المقاتلين يتبعون فصيل «أحرار الشام»، وهم من أهالي الزبداني وريفها، وأهالي القلمون والقصير الذين استقطبتهم المدينة بعد استعادة النظام السيطرة عليهما.
ومن الناحية الاستراتيجية، تعتبر الزبداني نقطة انطلاق لقطع طريق دمشق - بيروت الدولي، نظرًا لبعد قواتها في جرود الزبداني عن الطريق الدولية، مسافة 8 كيلومترات فقط، فضلاً عن أنها نقطة انطلاق باتجاه العاصمة السورية عبر بلدات ريف دمشق الغربي، ونقطة اتصال بالغوطة الشرقية لدمشق، وبالتالي يمكن تهديد العاصمة السورية التي تسعى قوات النظام لإبعاد الخطر عنها. إضافة إلى ذلك، تعتبر المدينة خط اتصال خلفيا، ولو أنه ضعيف، بمقاتلي المعارضة في الغوطة الغربية لدمشق، وبالتالي باتجاه جنوب سوريا.
وفي المقابل، تسعى القوات النظامية لإنهاء ظاهرة المعارضة على حدود دمشق، وبالتالي استكمال سيطرتها على الحدود اللبنانية، وريف دمشق، وتأمين طريق العاصمة، ومياه الشفة إليها. وقد بدأ الهجوم على الزبداني بعد أسبوع على قطع المعارضة مياه الشفة عن العاصمة السورية، مقابل إطلاق سراح معتقلات، بحسب ما أعلنت فصائل المعارضة أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي.
ويوضح الخبير الاستراتيجي عبد الناصر العايد لـ«الشرق الأوسط»، أن تأمين العاصمة السورية واحتفاظ النظام بها، هو هدف النظام وحزب الله وحلفائهما في روسيا وإيران، وذلك «لتعزيز مكانة النظام، والإبقاء عليه كممثل وحيد للبلاد أمام المجتمع الدولي»، مشيرًا إلى أن النظام اليوم «يتمسك بتمثيله للدولة، وبرموزها السيادية التي تعد أهم نقاط قوته الدولية»، لافتًا إلى أن سيطرته على العاصمة دمشق «توفر له تلك الميزة».
ويشرح العايد أن سيطرته على الرموز السيادية للدولة «تتمثل في الوزارات والحكومة ومؤسسات الدولة، وبالتالي يحتكر التمثيل ويبقى الطرف المعترف به في الأمم المتحدة». ويضيف: «وعي النظام لأهمية الحفاظ على الورقة يمنحه قوة في المحافل الدولية، لذلك أولى معركة دمشق أهمية بالغة».
أما الميزة الاستراتيجية الثانية للنظام التي تمنحه قدرة على الصمود، فتتمثل في الدفاع عن حاضنته الشعبية العلوية في الساحل السوري، والإبقاء على اتصالها بمركز الدولة في العاصمة، كما يقول العايد، معتبرًا أن «حماية العاصمة والمنطقة العلوية، والإبقاء على الاتصال بينهما، يشعره بأمان نسبي، ومن هنا تأتي أهمية العملية في الزبداني بالنسبة إليه التي تعد جزءًا من العاصمة، بينما إبعادها عن الخطر يحظى بأولوية بالنسبة للنظام».
ويتشارك حزب الله، مع حليفه النظام السوري، بتلك الدوافع للانخراط في معركة الزبداني، فيما يهم حزب الله سبب آخر يمثل أولوية بالنسبة إليه، وهو إبعاد قوات المعارضة السورية عن مناطق نفوذه في المناطق اللبنانية أيضًا. فعلى المقلب اللبناني من الحدود، تنتشر بلدات وقرى يغلب عليها الطابع الشيعي، تعتبر الخزان البشري لقاعدة حزب الله الشعبية، وقد تعرضت في وقت سابق في شرق بعلبك، لإطلاق صواريخ مصدرها السلسلة الشرقية لجبال القلمون، فضلاً عن أن قوات المعارضة نفذت كمائن على نقاط تمركز حزب الله في المنطقة الحدودية، وهو ما دفع الحزب، خلال الأشهر الماضية، لإطلاق معركة واسعة للسيطرة على التلال الحدودية مع سوريا في القلمون الغربي والتي كانت تتحصن فيها قوات المعارضة.
ومنذ انطلاق الهجوم على الزبداني، سرى اعتقاد بأن المعركة ستكون آخر المعارك الحدودية لحزب الله التي أطلقها في مدينة القصير (ريف حمص الجنوبي) في ربيع 2013 وامتدت إلى القلمون. وعقدت المقارنة بين القصير والزبداني، على قاعدة «التحصين» لقوات المعارضة، و«الاستنزاف» لحزب الله، فضلاً عن أن المنطقتين تتشابهان لناحية الهجوم على مدينة مأهولة بالسكان المدنيين.
غير أن توقعات مشابهة بأنها ستكون آخر معارك حزب الله الحدودية، ينفيها العايد، قائلا إن المعركة «هي حرب واسعة بكل ما تعنيه الكلمة، وتتطلب القضاء على وجود المعارضة ماديا، عبر القضاء على البيئة البنائية في المدينة، إضافة إلى انتشار المقاتلين المعارضين في بيئتهم الجغرافية وامتدادهم الديموغرافي»، مضيفًا: «هنا نتحدث عن بؤر متعددة، يصعب السيطرة عليها بالنهاية، فالمعارضة في ريف دمشق، ليسوا جيشًا له قيادة تتحطم ويُعلن الانتصار عليها»، معربًا عن اعتقاده أن «القيادة في المدينة، لن تسلم، فقد تختفي في مكان وتظهر في مكان آخر، مثلما حصل إبان معركة القصير، وستخوض حرب العصابات التي لا يمكن إنهاءها ولا يمكن تسجيل نصر إثرها».
ويقول إن «الطبيعة الديموغرافية والجغرافية تقود إلى أن حزب الله والنظام سيوجدون في بيئة مناوئة لهم من الناحية الديموغرافية، ما يعني أن نهاية المعركة لن تتحقق، وستفتح التضاريس حرب استنزاف»، لافتًا إلى أن الحرب «ستكون بلا أفق كونها لا تخضع لمعايير الحروب النظامية»، مشيرًا إلى أن «الحزب والنظام يدركان ذلك، وقد اختبرا الهدن في مناطق أخرى مثل المعضمية والحجر الأسود واليرموك وغيرها حول العاصمة، لكنها لم تمنحهما السيطرة بثقة على المكان، وبقيت سيطرة غير مضمونة النتائج».
وكانت القوات النظامية توصلت إلى هدن واتفاقات مع قوات المعارضة، قضت بسحب السلاح الثقيل، وتخفيف الحصار عنها، لكنها لم تحقق نجاحًا كاملاً نظرًا إلى اختراقها بين الحين والآخر.. وقد اختبرت الزبداني، خمس محاولات للتوصل إلى اتفاق بين قوى المعارضة والنظام، لكنها كانت تسقط، ولم تنجح في عقد اتفاقات كما في مناطق أخرى، رغم أن أولى المحاولات في ريف دمشق بدأت في المدينة.
وفشلت جولة المفاوضات الأخيرة بين النظام والمعارضة في الزبداني، التي بدأت المحاولات فيها بعد 15 يومًا على انطلاق الهجوم، بتحقيق أي نتائج. وفيما تحدث معارضون عن انخراط إيرانيين بالمفاوضات بشكل مباشر، نفت مصادر بارزة في المعارضة السورية ذلك، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن أطرافًا لبنانيين وسوريين «انخرطوا بالمفاوضات عن النظام بالوساطة عبر أعضاء في فريق المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذين التقوا بدورهم بممثلين عن لواء أحرار الشام الذي يتمتع بالنفوذ العسكري الأوسع في المدينة». وقال إن المفاوضات التي سهلتها أيضًا فعاليات مدنية من المدينة «وصلت إلى حائط مسدود».
ميدانيًا، وبعد شهر على انطلاق المعركة، لم تستطع القوات الحكومية السورية، مدعومة بقوات حزب الله اللبناني، حسم معركة الزبداني (ريف دمشق الغربي)، رغم التوقعات بالسيطرة عليها في فترة قياسية، وحشد الطاقات لإنهاء وجود المعارضة في آخر معاقل المعارضة السورية على الحدود اللبنانية.
وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، يشارك حزب الله اللبناني وقوات الدفاع الوطني والفرقة الرابعة وجيش التحرير الفلسطيني في المعارك ضد فصائل إسلامية أهمها «أحرار الشام» ومسلحين محليين، وسط توثيق سقوط أكثر من 900 برميل متفجر في المدينة، إضافة إلى عشرات الصواريخ ومئات القذائف المدفعية.
وتحولت المعركة إلى مواجهات مباشرة تتركز في الأحياء الواقعة جنوب شرقي الزبداني، بعد انحسارها في مساحة من الأبنية، إثر انسحاب قوات المعارضة من المزارع المحيطة بالمدينة، كان آخرها حي الحكمة المتصل بشارع الجرجانية شرق الزبداني. وبفعل الاشتباكات والالتحام المباشر، تضاءل عدد الغارات الجوية اليومية التي تنفذ ضد قوات المعارضة، فيما يقول ناشطون إن مقاتلي المعارضة يستخدمون «تكتيك الأنفاق لمباغتة قوات حزب الله».
ويقول عضو مجلس قيادة الثورة بريف دمشق إسماعيل الداراني لـ«الشرق الأوسط»، إن وتيرة المعارك خفت عن السابق، مشيرًا إلى أنه «بفعل المواجهات المستمرة، تحولت المعركة إلى استنزاف للطرفين، ولم يستطع حزب الله السيطرة على مناطق استراتيجية». واعتبر أن «المعارك ستعيد تجربة داريا التي لم تستطع قوات النظام السيطرة عليها رغم الدمار الكبير فيها». ويضيف: «تمكنت القوات النظامية من تدمير أبنية بفعل القصف العنيف، لكن تلك الأبنية باتت كتلة إسمنتية بمثابة دشمة، يختبئ فيها القناصون ويتحصنون فيها، ما يمنحهم أهلية لصد الهجمات».
وإذ أشار إلى أن مقاتلي المعارضة في الداخل «يتخطى عددهم الـ800 مقاتل»، قال الداراني إن الحصار المطبق عليها «منع وصول مقاتلين معارضين من الخارج، رغم أن الحصار لا ينطبق بعد على الأسلحة، لأن تهريبها، حتى لو أنه تضاءل، فلا يزال ممكنًا».
وأدت وتيرة العمليات إلى مقتل 37 مقاتلاً من عناصر حزب الله اللبناني في الزبداني خلال شهر يوليو (تموز) الفائت.
ورغم الحصار والقصف، يعرب معارضون عن تفاجئهم من القدرة على الاستمرار بالقتال. ويقول العايد، وهو محلل عسكري سوري معارض: «في الحرب السورية شهدنا عمليات كر وفر واستعادة، مئات المرات، والأمور خاضعة لهذا المنطق، فلا يمكن الحكم على مدينة بالسقوط»، معربًا عن توقعاته «أن نشهد انقلابًا في خريطة الموازين العسكرية لصالح المعارضة، لأنها الطرف المبادر دومًا للمفاجآت، ويستطيعون تحقيق إنجازات رغم أنهم لا يمتلكون خطط واضحة معلن عنها، كما النظام والجيوش النظامية، وقد ظهر ذلك في مفاجأة السيطرة على إدلب وغيرها في الجنوب».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».