تهاو قياسي لبورصة أثينا في أول يوم من إعادة افتتاحها

فتحت على انخفاض بـ23% وأغلقت بتراجع 16%

موظف سوق أثينا للأوراق المالية يتابع أسعار الأسهم على شاشة للعرض في اليونان أمس (ا.ف.ب)
موظف سوق أثينا للأوراق المالية يتابع أسعار الأسهم على شاشة للعرض في اليونان أمس (ا.ف.ب)
TT

تهاو قياسي لبورصة أثينا في أول يوم من إعادة افتتاحها

موظف سوق أثينا للأوراق المالية يتابع أسعار الأسهم على شاشة للعرض في اليونان أمس (ا.ف.ب)
موظف سوق أثينا للأوراق المالية يتابع أسعار الأسهم على شاشة للعرض في اليونان أمس (ا.ف.ب)

سجلت بورصة أثينا للأسواق المالية هبوطا حادا، أمس الاثنين، بعد إغلاقها على مدى خمسة أسابيع نتيجة القيود الرأسمالية التي فرضتها الحكومة اليونانية لوقف تدفق اليورو إلى خارج البلاد.
وجاءت النتيجة كما كانت متوقعة، حيث أظهرت بيانات غير رسمية أن المؤشر الرئيسي للبورصة هبط 2.‏16 في المائة في ختام التعاملات. هبط المؤشر الرئيسي نحو 23 في المائة خلال التعاملات الصباحية، وهوى مؤشر أسهم البنوك 30 في المائة مسجلا الحد الأقصى اليومي للتقلب في البورصة مع اشتداد عمليات البيع وغياب المشترين، وسجل سهم البنك الوطني اليوناني أكبر بنك تجاري في البلاد بالحد الأقصى اليومي البالغ 30 في المائة. وأرجع المراقبون ذلك إلى خوف المستثمرين والمتعاملين وعدم الثقة التي جاءت بسبب إغلاق المصارف والبورصة وفرض قيود على رأس المال.
وذكرت مصادر من الهيئة المعنية بتنظيم سوق الأوراق المالية في اليونان، أن أثينا سوف تمدد حظرا لبيع الأسهم على المكشوف تم تطبيقه حين فرضت القيود الرأسمالية في 29 يونيو (حزيران)، وقالت متحدثة باسم مجموعة «أثيكس غروب»، المشغلة لبورصة أثينا، «أعدنا فتح» البورصة بينما تترافق هذه الخطوة مع قيود مفروضة على المستثمرين داخل اليونان. ولم تتوافر على الفور أول الأسعار المسجلة.
وكانت البورصة أغلقت في 26 يونيو عشية القرار المفاجئ لرئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس بإعلانه عن تنظيم استفتاء على إجراءات التقشف التي طالبته بفرضها الجهات الدائنة مقابل إنقاذ اليونان من الإفلاس، وأثار قرار تسيبراس المفاجئ هلعا لدى المدخرين الذين هرعوا إلى ماكينات الصراف الآلي لسحب أكبر قدر ممكن من أموالهم، مما فاقم أزمة شح السيولة في مصارف البلاد.
وإزاء خطر انهيار القطاع المصرفي في البلاد، لم تجد الحكومة بدا من فرض قيود على حركة الرساميل، وأغلقت في نفس الوقت البورصة والمصارف، وقد أعادت الأخيرة فتح أبوابها في 20 يوليو (تموز) ولكن حتى الآن ما زالت هذه القيود مفروضة على العملاء ولا يستطيع المواطن سحب أكثر من 60 يورو يوميا أو 420 يورو أسبوعيا. بالإشارة إلى أن مؤشر بورصة أثينا «أثيكس» أغلق في آخر جلسة في 26 يونيو عند 797.52 نقطة.
في غضون ذلك، تراجع اليورو مقابل الدولار، أمس الاثنين، متخليا عن مكاسبه المبكرة مع تهاوي سوق الأسهم اليونانية، وتراجع اليورو إلى 1.0957 دولار بعد أن سجل 1.0990 دولار في أوائل معاملات لندن مع تأهب معظم المستثمرين لخسائر ضخمة في الأسهم اليونانية، لكن حد من خسائر العملة الموحدة بيانات تظهر نمو النشاط الصناعي بمنطقة اليورو أسرع من التقديرات السابقة في يوليو ليتحول التركيز إلى البيانات الأميركية.
وسجل مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من العملات 97.381 أمس الاثنين بارتفاع طفيف عن الإغلاق السابق، وتراجع الدولار الأسترالي إلى 0.7290 دولار أميركي متأثرا بمسح رسمي أظهر ركودا مفاجئا لنمو الشركات الصناعية الصينية الكبيرة في يوليو بفعل تراجع الطلب في الداخل والخارج، وينظر إلى العملة الأسترالية عادة كأداة عالية السيولة للانكشاف على الصين.
من جهة أخري، بلغ عدد العاطلين عن العمل في دول الاتحاد الأوروبي 23 مليونا و296 ألف شخص، منهم 17 مليونا و756 ألفًا في منطقة اليورو في شهر يونيو بانخفاض 23 ألفا في الاتحاد الأوروبي، وارتفاع 31 ألفا في منطقة اليورو، مقارنة مع الشهر الذي سبقه.
وأوضحت إحصاءات أعلنتها هيئة يوروستات التابعة للاتحاد الأوروبي، أن معدل البطالة لشهر يونيو الماضي في منطقة اليورو بلغ 11.1 في المائة، دون تغيير عن شهر مايو (أيار)، بينما بلغت نسبة البطالة في دول الاتحاد الأوروبي 9.6 في المائة دون تغيير أيضًا، وأوضحت الهيئة أن البطالة حققت في اليونان أعلى معدل زيادة في الاتحاد الأوروبي (25.6 في المائة)، خلال العام الأخير بدءا من يونيو 2014، لافتة أن أقل معدل بطالة في ألمانيا حيث بلغ 4.7 في المائة تليها جمهورية التشيك 4.9 في المائة.
على صعيد آخر، ذكرت صحيفة يونانية أن أثينا كانت تنوي تطبيق خطة طارئة في حال اضطرت لقطيعة مع الجهات الدائنة، تشمل إجراءات تأميم وإجراء تحقيق في الفساد يستهدف شركات ألمانية، ووفقا لمصادر صحافية فإن الخطة وضعت «لزيادة كلفة القطيعة» على الدائنين، وتشمل تأميم شركة «أوباب» التي تحتكر المراهنات وتمت خصخصتها في 2013، ورسوم استخدام الطرق السريعة وأكبر جسر في البلاد.
ووفقا للمصادر أيضا فإن أثينا كانت تنوي العمل على مكافحة الفساد باستهداف عدة شركات ألمانية نشيطة في اليونان مثل سيمينز وليدل وإليانتس وهوشتيف. ولم يصدر أي تعليق من الحكومة اليونانية على هذه المعلومات. وكان رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس صرح في البرلمان بأنه طلب من وزير المالية السابق في حكومته يانيس فاروفاكيس وضع «خطة دفاعية» في حال اضطرت اليونان للخروج من منطقة اليورو تحت ضغط دائنيها الأكثر تشددا وبينهم ألمانيا. وقال «لم تكن لدى الحكومة خطة لخروج اليونان من اليورو لكنني طلبت من وزارة المالية وضع خطة طوارئ لمواجهة تهديدات بعض الأوساط الأوروبية التي أرادت في نهاية (يونيو) عند توقف المفاوضات بين أثينا ودائنيها، خروج اليونان من منطقة اليورو».
وتسعى حكومة اليونان التي تواصل مباحثاتها مع ممثلي الدائنين الأربعة في أثينا (المفوضية الأوروبية – البنك المركزي الأوروبي - صندوق النقد الدولي - آلية الاستقرار في أوروبا) إلى الحصول بحلول منتصف أغسطس (آب) على قرض جديد لثلاث سنوات قد يصل إلى 86 مليار يورو بموجب قرار قادة منطقة اليورو في 13 يوليو الماضي.
وبالفعل أجرى إفكليديس تساكالوتوس وزير المالية اليوناني أولى مباحثاته مع كبار ممثلي الجهات الدائنة المكلفين بوضع خطة مساعدات ثالثة لليونان، ومن بينهم ممثل صندوق النقد الدولي الذي قال إنه لن يسهم في هذه الخطة، وتناولت المباحثات والتي تواصلت أمس الاثنين مع وزير الاقتصاد إلى أهداف الخصخصة وإعادة رسملة البنوك والميزانية وتفاقم الوضع الاقتصادي خلال الأشهر الماضية وسبل تحقيق فائض أولي في الميزانية من 3.5 في المائة في 2018.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.