«الإرهاب الإسلامي» من منظور سوسيولوجي فرنسي

«الإرهاب الإسلامي» من منظور سوسيولوجي فرنسي
TT

«الإرهاب الإسلامي» من منظور سوسيولوجي فرنسي

«الإرهاب الإسلامي» من منظور سوسيولوجي فرنسي

عاد عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود إلى الساحة العلمية والسياسية بقوة في الأسبوعين الماضيين، بطريقة تشبه الصخب العلمي الذي تحدثه أطروحات العملاق بيير بورديو عامة، وتلك الخاصة بالنزعة العنصرية على وجه التحديد، ويعتبر فيها أنه «من المهم جدًا مد التحليل إلى أشكال العنصرية التي هي بلا شك الأكثر رهافة واستخفاء، والأكثر قابلية لأن تُجهل، ومن ثم يندر استنكارها... وعنصرية الذكاء هي التي بواسطتها يستهدف المسيطرون إنتاج تبرير للنظام الاجتماعي الذي يسيطرون عليه، أنها التي تجعل المسيطرين يستشعرون تبريرًا لوجودهم بوصفهم مسيطرين، يستشعرون أنهم مصنوعون من جوهر أسمى».
هذا المنطلق العلمي لبوريدو حاضر عند تود في كتابه الجديد، «من هو شارلي؟ سوسيولوجيا أزمة دينية» الصادر في يوليو (تموز) 2015م. وشهدت الساعات الأولى لنشر الكتاب «زوبعة» فكرية في فرنسا، تطرّقت إلى مضمون الأفكار والمنهج المتبع، وتناولته كبريات وسائل الإعلام المكتوبة ومختلف محطات الإذاعات والتلفزيون.
بالنسبة إلى تود فإن شعار «أنا شارلي»، وما مثّله من تعبئة سياسية ضد «الإرهاب الإسلامي»، هي الجوهر المسكوت عنه سياسيًا وثقافيًا ونخبويًا في فرنسا، وإن طريقة استغلال الهجوم الإرهابي على صحيفة «شارلي إيبدو» ومظاهرات 11 يناير (كانون الثاني) الماضي هي التعبير الاجتماعي الصريح لإصرار الطبقات الميسورة على الهيمنة على الدولة الفرنسية المعاصرة والأقليات. والتي كانت في الماضي ضد الثورة الفرنسية ومبادئها، والحاملة للخلفية التقليدية الكاثوليكية.
ومن هنا فإن الإحساس بالتسامي الإنساني الفرنسي وانحطاط قدر المسلم يولّد تبريرًا يلخصه تود بالقول: «لقد رسمنا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) دفاعًا عن مبدأ الحرية المطلقة لأي شخص في رسم ما يريد. نحن لا نزال نؤمن بحقنا في انتقاد كل الديانات، لكننا بقيادة هذه الفئة الميسورة والمهيمنة على المجتمع نستهجن انتقاد قيمنا ومعتقداتنا المتحضرة، ونلجأ إلى (أولغارشية الحشود) لصناعة حق يحمل في طياته عنفًا تجاه الغير». لذلك تساءل المؤلف في كتابه «بأي حق تنادي الحشود بحرية تشويه النبي محمد في رسوم كاريكاترية؟ وأي منطق هذا الذي صار يجعل من تشويه صورة الإسلام والمسلمين حريةَ تعبير؟».
حسب إيمانويل تود، هذه الفئات بخلفياتها تدافع عن حقها وحدها في الاستهزاء بمعتقدات وقيم الفئات الأقل نفوذا منها، وهو ما يعني سوسيولوجيًا - عند تود - أن «السخرية من الإسلام تعني محاولة إذلال الأقلية الأضعف في المجتمع». وبالتالي، فرسم الرسول كاريكاتيريًا، هو جزء من عملية إضعاف طبقة اجتماعية ومحاصرتها قيَميًّا وحركيًّا داخل فرنسا المعاصرة. ويحدث هذا في ظل نوع من التحالف الموضوعي مع العلمانية المتطرفة التي تنظر إلى المسلم بوصفه خطرًا إرهابيًا متحرّكًا لا يجوز أن يتمتع بحقوق المواطَنة.
لقد سبق لمؤلف «من هو شارلي؟» أن شرح هذه القضية، معتبرًا «أن التركيز على الإسلام في فرنسا يمكن اعتباره انزياحًا لعداء اللائكيين (العلمانيين) القديم للكاثوليكية. في العمق، الاختلاف بيننا في التقويم هو حول أهمية وضخامة الأخطار المحدقة أكثر منه حول القيم والمفاهيم... الاختلاف الموجود اليوم بين أوروبا والعالم الإسلامي لا ينمّ عن اختلاف في الطبيعة والجوهر بين المسيحية والإسلام».
إن الاختلاف «المصنوع فرنسيًا» هو في الحقيقة صراع اجتماعي على التموقع والتأثير في مجتمع يتجه تدريجيًا نحو التنوع، ويُكسب الأقليات حقوقًا جديدة، ما يجعل من الحراك الاجتماعي معركة سياسية. وحضور الإرهاب في بؤرة الصراع إذا كان يعبر عن عمق أزمة الطبقات المهمشة فإن كبير السوسيولوجيين الفرنسيين تود يعتبر أن «التركيز على الإسلام يعكس في الحقيقة وجود حاجة مَرَضية في أوساط الطبقات المتوسطة والعليا لتوجيه سهام الكُره في اتجاه ما، وليس فقط خوفًا من تهديد الطبقات الفقيرة. إن كره الأجانب الذي كان حِكرًا في الماضي على الشرائح الشعبية صار الآن شعار النخبة والطبقات الميسورة التي تبحث عن كبش فداء من خلال الإسلام».
ومن هنا، وفق تود، يمكن فهم لماذا كانت الطبقات الميسورة هي المتزعم لمظاهرة 11 يناير 2015م، ولماذا غاب عنها الفقراء ومهمشو الضواحي، إذ إن فعل الهيمنة وطريقة استغلاله للعملية الإرهابية أظهرا الفرز الجغرافي والاجتماعي الذي تعيشه فرنسا. وفي ظل هذا الواقع يعتبر تود أن اليساريين الذين تزعموا المظاهرات بصفتهم الحكومية هم في الحقيقة السوسيولوجية يمثلون الوجه الآخر لشارلي، ويعبّرون عن يمينية اليسار أكثر من اليمنيين نفسه.
ثم يخلص إلى أن الاشتراكيين الحاكمين هم، موضوعيًا، عنصريون وإسلاموفوبيون يحملون ما يسميه كتاب «من هو شارلي؟» بهيستيريا اللائكية الجديدة. ولا يجب أن ننسى أن الطبقات التي قادت المظاهرات لجأت إلى الشارع مدعية الدفاع عن اللائكية مع أنها في الحقيقة كانت تاريخيًا مناهضة لها. ومن ثم فإن رفعها اليوم شعاراتها اللائكية في الشارع عملية تزييف تستهدف المسلمين.. لترسيخ الهيمنة القائمة وخلق إجماع وهمي يحجب النقاش الحقيقي.
كذلك يعتبر تود أن تعزيز الكراهية ضد المسلمين، في ظل الوضع الاجتماعي القائم، يعبر كذلك عن «السيكولوجيا الجماعية» الفرنسية، وعن تقوقع وانكماش تحمله الطبقة الميسورة الحالية، التي كانت ضد مبادئ الثورة بالأمس واليوم هي ضد المسلمين، وتمنح نفسها حق «البصق على دين الأقلية».
هذا وسبق لإيمانويل تود أن أشار في كتابه «ما بعد الديمقراطية»، الصادر عام 2008، «لانزلاق» واصطفاف فرنسا إلى جانب «المعادين للإسلام» وانتشار نوع جديد من النرجسية الثقافية يعبر عن الفراغ الروحي للغرب، مع رفضه لحركية أي دين مغاير للدين الذي عرفته تاريخيًا أوروبا وفرنسا. ويتزامن هذا مع أزمة انتقالية تعيشها المجتمعات العربية الإسلامية. ويعبر تود عن هذه الأزمة المركّبة بالتأكيد أنه «في أوروبا بداية الألفية الثالثة، يصبح (الإسلام) أضحية لحالتنا الميتافيزيقية المزرية، لصعوبة عيشنا من دون إله، مع تأكيدنا على أن حداثتنا هي الحداثة الوحيدة الممكنة والصالحة».
وهو يقول إن الديمقراطية أصبحت على المحكّ وقدرتها على تدبير التنوع تضعف، ولذلك يتبنى أطروحة تؤكد أن «الحلّ هو جماعي وداخل حالة التشظي والفردانيّة المطلقة التي يعيشها المجتمع، إنّ العجز عن التفكير الجمعي يشلّ النخب ويمنعها عن وجود مخرج هو تقنيا غاية في البساطة. في هذه المرحلة أخطر تهديد نواجهه هو عودة أشكال الدولة الأكثر استبدادًا وشمولية، ليست الدولة الاجتماعية، من اليسار أو من اليمين، بل الدولة الوحش المارد والمخيف، الذي يفرض فقط حلولا أمنية نظامية بدل حلّ المشكلات الاقتصادية».
لقد كانت أفكار إيمانويل تود عن الإرهاب والهيمنة صرخة في الساحة الفكرية الفرنسية، ونقدًا جديًا للتصورات الفرنسية السائدة. ولقد اضطرت الحكومة الفرنسية في شخص رئيسها مانويل فالز للردّ على تود ساعات فقط على صدور «من هو شارلي؟» بمقال نشرَه بجريدة «لوموند» تحت عنوان «ضدّ التشاؤم السائد والذين يريدون نسيان 11 يناير». كذلك أعلن لوران سوريسو، كبير المحررين في صحيفة «شارلي إيبدو» بتاريخ 16 - 07 - 2015م، إنه لن يعود مجدّدًا إلى رسم النبي محمد بشكل كاريكاتيري، إلا أنه أكد «تلازم البصق على دين الأقلية والهيمنة»، حينما اعتبر لوران أن ما قام به «كان لتأكيد حريتنا في رسم أي شيء نرغب فيه».
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.