العمارة المسيحية وجمالياتها

ازدهرت بعد التصالح مع الدولة الرومانية وبمبادرات خاصة للأساقفة

كاتدرائية ويستمنستر الأنجليكانية.. وفي الإطار غلاف الكتاب
كاتدرائية ويستمنستر الأنجليكانية.. وفي الإطار غلاف الكتاب
TT

العمارة المسيحية وجمالياتها

كاتدرائية ويستمنستر الأنجليكانية.. وفي الإطار غلاف الكتاب
كاتدرائية ويستمنستر الأنجليكانية.. وفي الإطار غلاف الكتاب

دراسة مهمة تسلط الضوء على جذور وجماليات العمارة القبطية، ضمها العدد الجديد «الخامس» من سلسلة «كراسات قبطية»، التي يصدرها مركز الدراسات القبطية بمكتبة «الإسكندرية». الدراسة بعنوان «العمارة المسيحية المبكرة»، وقام بإعدادها الدكتور أحمد أمين، الأستاذ بكلية الآثار، جامعة الفيوم بمصر. يتناول المؤلف من خلالها الإطار التاريخي والفني للحقبة المسيحية المبكرة، ويناقش مفهوم العمارة المسيحية، وتأثير اليهودية على المسيحية في الفترة المبكرة وصدى ذلك على العمارة والبازيليكا.
وفيما يتعلق بالإطار التاريخي والإطار الفني للحقبة المسيحية المبكرة، فيرى المؤلف أنها مرت بخمس مراحل مهمة، وهي: العصر الرسولي، وهو يمثل الفترة التي عاش فيها حواريو السيد المسيح، وعصر الانتشار، الذي يمثل الفترة التي انتشرت فيها المسيحية وازداد أتباعها، وفترات الاضطهاد التي عانى فيها المسيحيون من موجات اضطهاد من الأباطرة الرومان، والتصالح مع الدولة الرومانية بعد تولي الإمبراطور قسطنطين وصدور مرسوم ميلان، وصولا إلى الفترة المهمة والأخيرة، وهي اعتبار المسيحية الدين الرسمي للدولة.
ثم يتناول المؤلف مفهوم العمارة المسيحية المبكرة، وكيف أنها قد تأثرت بل تعتبر استمرارًا للعمارة الرومانية ولكن بروح وهوية مسيحية جديدة، وكذلك تأثير اليهودية باعتبارها جزءًا من العقيدة المسيحية إذ إن المسيحية قد ولدت في ظل التصورات التعبدية والروحانية للديانة اليهودية، فقد تأثرت العمارة المبكرة بالمجمع اليهودي، وهو المركز المحلي لحياة اليهود الدينية والاجتماعية، كما أوضح أيضا وصفه البنائي إذ إنه يشبه إلى حد ما خيمة الاجتماع والهيكل. أما التنظيم الداخلي، فكان لكل مجمع رئيس وعدد من الشيوخ وقارئ ومترجم. أما فيما يتعلق بالعبادة فتميزت بثلاثة عناصر؛ عنصر تعبدي، وعنصر تعليمي، وعنصر طقسي.
ويبين المؤلف أيضا تعريف المجمع والكنيسة من حيث المعنى والشكل المعماري، فيوضح أن أماكن التجمع لم تكن تحوي قدسية ما، فمعناها اللغوي هو فقط التجمع أو الحشد بغض النظر عن مكان العبادة، لافتًا إلى أنه لذلك لم يتبلور مكان العبادة في شكل معماري خاصة في القرن الأول الميلادي، حيث بدأ يظهر أولا ما يعرف اصطلاحا بالكنائس المنزلية، وهي المنازل التي كان المسيحيون الأوائل يجتمعون فيها للتعبد وتعلم أمور الدين في القرن الأول الميلادي في غرفة أو قاعة من غرف المنزل الذي كان يتم فيه بعض التعديلات ليصبح أكثر ملاءمة لاحتياجات المجتمع المسيحي. وهذه المنازل لم تكن تختلف عن التكوين أو الخصائص المعمارية أو حتى الأثاث عن غيرها، ولكن نجدها تختلف عن الكنائس المنزلية الموجودة في المدن الكبرى وذلك لكثرة عدد المسيحيين في العواصم والتأثر بالسياق الحضاري والمعماري المحيط.
وفيما يتعلق بالكنائس العامة قبل عصر الإمبراطور «قنسطنطين» يذكر المؤلف أن الكتابات التاريخية تؤكد على فكرة وجود كنائس عامة قبل عصر الإمبراطور فضلا عن الكنائس المنزلية، كما ذكر مؤرخ الكنيسة يوسابيوس أنه في الجزء الأخير من القرن الثالث قام المسيحيون غير الراضين عن مبانيهم القديمة ببناء كنائس واسعة في كل المدن، ولكن من الصعب القول إن هناك كنائس عامة ما زالت باقية بأكملها، وذلك بسبب الاضطهادات التي تعرض لها المسيحيون وكذلك عوامل البناء والتجديد. ثم يعرف المؤلف البازيليكا بأنها كلمة لاتينية تعني الرواق الملكي أو القاعة الملكية، ومن ثم فإن البازيليكا في العمارة اليونانية تشير إلى التبعية للملك أكثر من الشكل أو الوظيفة، وقد أخذها الرومان عن اليونانيين، وقد ارتبط شكل البازيليكا المعماري بالعمارة المدنية الرومانية بصفة عامة، مثل دار القضاء بالساحة الرومانية والسوق وقاعة الاستقبال الرئيسية بالقصور الرومانية وغيرها.
وحول الأصل المعماري للكنيسة البازيليكية، تشير الدراسة إلى أن عمارة الكنائس لم تتأثر بعمارة أماكن العبادة الوثنية لسببين؛ أولهما نفسي يتعلق بعدم رغبة المسيحيين في إحياء الشكل المعماري المرتبط بالوثنية، والثاني عدم ملاءمة الشكل المعماري لهذه الكنائس لمتطلبات العبادة المسيحية مع التأكيد على خصوصية العمارة القبطية إذ إن المتخصصين يؤكدون أن التصميم البازيلكي مأخوذ من قاعة الأعمدة الضخمة في المعابد المصرية.
وتقدم الدراسة تعريفا ضافيا لكل من البازيليكا المسيحية والبازيلكيا اليونانية والبازيليكا الشرقية، كما تقدم لأجزاء ونماذج معمارية منها خاصة بعمارة الكنسية. وأيضا العناصر المعمارية الطقسية وهي: «الحجاب - صدر صحن الكنيسة - درج الكهنوت - المذبح - مقصورة الاعتراف (السرداب) - موضع الآثار المقدسة «التكريس» - الأمبون).
وذكر المؤلف أمثلة عن أشهر البازيليكيات المسيحية المبكرة، مثل بازيليكا لاتيران والمعروفة الآن بكنيسة القديس جيوفاني، وبازيليكا القديس بطرس بروما، وبازيليكا مدينة الشلف. ذكر أيضا أمثلة علي بعض البازيليكات المزدوجة (وهي الكنائس أو الكاتدرائيات ذات التخطيط المعروف بالبازيليكا المزدوجة التي ظهرت في فترة مبكرة بعد مرسوم ميلانو) مثل كنيسة أكويليا شمال إيطاليا - كنيسة تريير بألمانيا - كنيسة جميلة بالجزائر - كنيسة عين الجديدة بالواحات الداخلة بمصر. ثم يتناول المؤلف البازيليكا الجنائزية (الصالات الجنائزية المغطاة) وهي تمثل طرازا لمبان بازيليكية التخطيط وجدت في روما على وجه الخصوص وتؤرخ بالقرن الرابع الميلادي، ولم تُشيّد هذه المباني ككنائس تقام فيها الصلوات ولكنها أُنشئت كصالات جنائزية أو جبانات مغطاة، وقد بنيت هذه المباني بجوار مواقع مقدسة أو بجوار مقبرة مقدسة لأحد الرسل أو الشهداء. ويوجد بروما أربعة نماذج لهذا النوع من البازيليكا الجنائزية في روما وهي: بازيليكا القديس سباستيان (الرسل)، وبازيليكا القديسين مارسيلينيوس وبطرس، وبازيليكا القديس لورانس، وبازيليكا القديسة أغنيس. ويعرض المؤلف المباني ذات التخطيط المركزي، وهو طراز ظهر إلى جانب طراز البازيليكا في العمارة المسيحية المبكرة، وكان يلبي أغراضًا وظيفية متباينة، فنجده في المنشآت الدينية والمدنية والجنائزية، كما يذكر المؤلف أبرز الأمثلة للأضرحة التذكارية ذات التخطيط المركزي وهي «ضريح هيلينا والدة الإمبراطور قنسطنطين - ضريح القديسة كوستانزا الملحق ببازيليكا القديسة أغنيس - التابوت الحجري لكوستانزا».
ويتناول المؤلف بعض الملاحظات على الشكل المعماري والوظيفي للبازيليكا ثم بناء الكنائس وأرباب العمارة ومصادر التمويل، وذلك في فترة التصالح بين الكنيسة والدولة الرومانية في عهد الإمبراطور قنسطنطين، ويوضح الدور المحوري لأساقفة الكنيسة في ذلك، مشيرا إلى أنه لم يقتصر على دورهم في الحياة الدينية، وإنما امتد ليشمل كل مناحي الحياة، فقد كانوا هم المنوطين بالإشراف على بناء الكنائس ومتابعة العمال وتدبير الأموال اللازمة لذلك، سواء من أموال الكنيسة أو تبرعات المؤمنين أو على نفقته الشخصية، كما كان على اتصال مباشر مع الإمبراطور في هذا الصدد، وقد كان نفوذه يعلو نفوذ حكام الولايات في أحيان كثيرة.
ويخلص المؤلف إلى أن بناء الكنائس في القرنين الرابع والخامس الميلاديين شهد انتشارًا وازدهارًا ملحوظًا، خصوصا بعد التصالح مع الدولة الرومانية، والغالبية العظمى من هذه الكنائس تمت تحت إشراف وتمويل من الكنيسة ككيان يدير شؤون المجتمع المسيحي، حيث تجمعت لدى الكنيسة ثروات كبيرة في هذه الفترة المبكرة نتيجة تبرعات المؤمنين، الذين تضاعفت أعدادهم وأقبلوا على اعتناق المسيحية جماعات. وعبر هذه التبرعات ازدادت ممتلكات الكنيسة وصارت لها ما يشبه الأوقاف، فأصبح لها إيرادات تراكمت بالتوريث، كان يدفع منها لبناء وتعمير الكنائس، ورواتب رجال الدين، وتوزع منها الصدقات.. وزود المؤلف الدراسة بألبوم صور لأهم مخططات الكنائس منذ الفترة المبكرة حتى القرن السادس الميلادي.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).