لبنان.. قراءات الصيف متقطعة والروايات لا تروي ظمأ

الكتب السياسية ومؤلفات عصر النهضة تعود إلى الواجهة

سلمى مرشاق، نجاح طاهر، جوني منير
سلمى مرشاق، نجاح طاهر، جوني منير
TT

لبنان.. قراءات الصيف متقطعة والروايات لا تروي ظمأ

سلمى مرشاق، نجاح طاهر، جوني منير
سلمى مرشاق، نجاح طاهر، جوني منير

يبدو أن القراءة في الصيف لا تختلف عنها كثيرًا في الشتاء. فلا يزال الإنسان العربي يقرأ قليلا جدًا، وغالبًا حين تستدعي الحاجة. وعليك أن تسأل طويلاً وتتحرى مديدًا، لتعثر على قراء فعليين، لا يكتفون بالكتب التي يصدرها أصدقاؤهم أو يكتبها أقرباؤهم، ويطلعون عليها من باب المجاملة أو المسايرة. لا أحد ممن سألناهم استبدل الورق بكتب إلكترونية، وإن كان البعض يعترف بصوت خفيض إنه يسعى إلى تنزيل بعض الكتب المقرصنة، توفيرًا للجهد المبذول بحثًا عن الكتاب وتسريعا في الحصول عليه، وربما لتوفير مبلغ صغير.

الكاتبة سلمى مرشاق، التي صدر لها كتاب «نقولا الحداد الأديب العالم» عن «دار الجديد» في بيروت، وقبله «إبراهيم المصري رائد القصة النفسية»، تقول إنها ليست من عشاق الكتب الجديدة، وهي عادت هذه السنة لكتاب بنت الشاطئ «على الجسر» الذي تروي فيه كيف تعرفت على أمين الخولي وأصبح بعد ذلك زوجها. وهذا الكتاب ألفته بنت الشاطئ بعد وفاته وفيه شجن كبير وحزن، والكثير من الحب. فقد تزوجته بفارق في السن، وكانت زوجته الثانية، وسجلت له قصائد شوق وحنين. وتضيف مرشاق: «بنت الشاطئ كتبت هذا الكتاب كالشعر المنثور، وفيه تتحدث عن جدها الذي كان له فضل عليها يفوق فضل والدها وهو الذي ساعدها لتذهب إلى المدرسة ومن ثم الجامعة». وتعلق سلمى مرشاق: «هو كتاب إنساني جدًا وبنت الشاطئ سيدة حزينة انتحر ابنها وكذلك ابنتها، لذلك فهو كتاب مؤثر».
أما الكتاب الثاني فبالإنجليزية واسمه «تراجيديا لبنان» للصحافي الأميركي جونسن راندل، وهو كتاب ممتع عن لبنان يستحق القراءة.
والكتاب الثالث بالفرنسية وهو «ليه مورييه» أو «شجرة التوت» لكريم تابت، يحكي تاريخ لبنان عبر زراعة شجر التوت والحرير. وهو عن عائلة عاشت أيام الأمير بشير، وبدأت تزرع شجر التوت والفرنسيون يشترون منها الشرانق، خصوصا أن فرنسا وصلت في تلك الفترة إلى تطور كبير في الحياكة. ويذهب إبراهيم ابن هذه العائلة إلى فرنسا ليتعلم هناك فن الحياكة وآخر فنونها، لكنه يبقى هناك ولا يعود. وهو كتاب جميل يجعلنا نتساءل لماذا لا نقرأ فقط أمين معلوف حول هذه المرحلة، وهناك كتاب آخرون أيضًا برعوا في رسم ذلك الزمن بأقلامهم.
وسلمى مرشاق التي أودعها الكاتب المصري المعروف وديع فلسطين مكتبته هذه السنة، يقع تحت يديها وهي تنظم محتوياتها مئات الكتب التي تفلفشها وتكتشفها إضافة إلى أكوام من الرسائل، وتقول: «مما اكتشفته هذا الصيف أن محمود تيمور الذي نعرفه كاتب قصة وعضو مجمع لغة عربية قام بعمل قاموس اكتشفته عبر مكتبة وديع فلسطين للمرة الأولى. وكان الرجل يسعى لإدخال المفردات الجديدة التي أصبحت وقتها من مستلزمات الحداثة إلى اللغة العربية. وهو ما جعلني أفكر كيف أن الجيل الذي سبقنا شغلته أمور مهمة وعميقة، ما عدنا نلتفت إليها، وربما حان الوقت لنكمل ما بدءوه».
الفنانة التشكيلية نجاح طاهر، من أبرز مصممي الأغلفة العرب، وهي حين تعكف على وضع غلاف ما تقرأ الكتاب، مما يجعل المؤلفات التي تمر من تحت يديها كثيرة، في الصيف كما في الشتاء. وتقول في معرض إجابتها على سؤالنا حول ما تقرأ هذا الصيف: «لا أستطيع أن أقول إنني وقعت على كتاب فتنني، فهذا للأسف لم يحدث، رغم أنني أقرأ لكتاب من جنسيات مختلفة. هناك كتاب (فتاة القطار) الذي ترجم إلى 35 لغة وتحول إلى بيست سيلر لباولا هوكينز، لكنه مع ذلك ليس استثناء. وهو عن لعبة بين رجال ونساء أشبه بلعبة الكراسي، تختلط فيها الجريمة بالإثارة. وهي أول رواية لهذه الصحافية، لكنها أثارت اهتماما كبيرًا».
وهناك رواية صادرة عن «دار الآداب» عنوانها «تغريدة منصور الأعرج» للكاتب مروان الغفوري، وهي عن الحياة في صعدة وعلاقة السكان بالحمير، وثمة في هذه الرواية ما يستحق القراءة. وسأتحدث في النهاية تقول الفنانة نجاح طاهر عن كتابين أحدهما ليحيي الجمال وعنوانه «ما بعد الحفلة» يتحدث فيه عما تلا 25 يناير (كانون الثاني). والكاتب يعيش في باريس ويسلط الضوء على شخصيتين فقط وما أصابهما إثر ثورة 25 يناير، ويحاول من خلالهما، وبواقعية شديدة التحدث عن التغيرات التي طرأت على حياة الناس، وهو صادر عن «دار العين». أما الكتاب الثاني والأخير فهو عن الكون وهو للكاتب لورانس كراوس ومن ترجمة غادة الحلواني، وهو يحكي عن خلق العالم والطاقة، وكيف يمكن لهذه الطاقة أن تتولد من لا شيء.
من بين القراء الذين لا ينقطعون عن الكتاب المحلل السياسي والكاتب اللبناني جوني منيّر، الذين اتصلنا به أثناء ممارسته هواية الصيد. وهو يعتبر أن فصل الشتاء فيه متسع أكبر للقراءة وفسح اللهو فيه أقل، ومع ذلك يقول: «لا أستطيع أن أنقطع عن الكتب، ومن بين تلك التي أعجبتني مؤلف مارتن إندك (الأبرياء) الذي يتحدث فيه عن تاريخه في وزارة الخارجية الأميركية ومفاوضات الشرق الأوسط».
ويقول منّير إن من الكتب التي لفتته وينصح بقراءتها هو كتاب نائب الرئيس السوري فاروق الشرع والمعنون باسم «الرواية المفقودة». ويضيف: «حقيقة لم أفكر في بداية الأمر بشراء هذا الكتاب، لاعتقادي أن الرجل لا يستطيع في ظروفه الحالية التي يعيش أن يكون موضوعيًا أو أن يبوح بشيء من الأسرار التي لا يزال من الصعوبة بمكان الإفصاح عنها، وتصورت أنه مجرد دعاية لا لزوم لقراءة شيء منها. لكن أحد كبار السياسيين نصحني بقراءته وفعلت، ولفتني في الكتاب أسلوبه السلس الجميل، واللقطات الشخصية، وتلك الزوايا التي أضاء عليها ولم نكن نعرفها. وأعتقد أنه كان أمينا في رواية الجانب الذي قرر نقله والكتابة عنه». ويكمل المحلل السياسي جوني منيّر: «لفتني كثيرًا رأيه السلبي بالسياسيين اللبنانيين وأنفته من العمل في الشأن اللبناني، كما نظرته السلبية لحكمت الشهابي. هذه المرة الأولى التي أقرأ فيها نقدًا لهذا الرجل». ويشرح منير أن غالبية الكتب السياسية تنقسم بين نوعين، إما أنها تدخل في باب السيرة الذاتية مثل كتاب فاروق الشرع أو أنها تدخل في نطاق النظريات السياسية كالتي وضعها صموئيل هنتنغتون، وهذه باتت قليلة. شارحًا بأنه في فصل الصيف يميل إلى انتقاء الكتب الأسهل والأسلس.
ولا يزال جوني منير بعيدًا عن الكتاب الإلكتروني، ويقول: «لم أعد أطلع على الصحف إلا إلكترونيا أما الكتب فهي شيء آخر، فأنا ممن يحبون وضع خط تحت ما يعجبهم، وربما عدت إلى الوراء وأعدت قراءة بعض المقاطع التي تلفتني، وهذا أسهل على الورق منه إلكترونيا».



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.