بلومبيرغ إمبراطور إعلام يتطلع لرئاسة أميركا

الحسد يدخل دائرة حرب المليارديرات مع المنافس الجمهوري دونالد ترامب

الملياردير مايكل بلومبيرغ داخل إمبراطوريته الإعلامية التي تحمل اسمه («الشرق الأوسط»)
الملياردير مايكل بلومبيرغ داخل إمبراطوريته الإعلامية التي تحمل اسمه («الشرق الأوسط»)
TT

بلومبيرغ إمبراطور إعلام يتطلع لرئاسة أميركا

الملياردير مايكل بلومبيرغ داخل إمبراطوريته الإعلامية التي تحمل اسمه («الشرق الأوسط»)
الملياردير مايكل بلومبيرغ داخل إمبراطوريته الإعلامية التي تحمل اسمه («الشرق الأوسط»)

يوم الخميس، شن دونالد ترامب، ملياردير العقارات، ومن مرشحي الحزب الجمهوري لرئاسة الجمهورية، هجوما عنيفا على زميله الملياردير مايكل بلومبيرغ. ليس لاختلاف سياسي كبير، ولكن لأن الشركات الإعلامية التي يملكها بلومبيرغ مثل: «(إذاعة بلومبيرغ) و(تلفزيون بلومبيرغ) و(راي بلومبيرغ) تشن حملة حاقدة علي. وتقول إن ثروتي فقط ثلاثة مليارات دولار، وتحسدني». وأضاف ترامب: «ثروتي عشرة مليارات دولار». يوم الجمعة، قالت صحيفة «نيويورك بوست» إن «للمشكلة علاقة بأخبار أن بلومبيرغ ربما سيعلن ترشيحه لرئاسة الجمهورية. لهذا، ربما ليس بلومبيرغ هو الذي يحسد ترامب (ثروة ترامب قرابة أربعين مليار دولار). ولكن ترامب هو الذي يحسد، أو يخاف، من بلومبيرغ، إذا ترشح، أيضا، لرئاسة الجمهورية. لأنه أغنى، ولأنه أعقل»، كما قالت الصحيفة.
حسب أرقام مجلة «فوربس» (لرجال الأعمال)، بلومبيرغ عاشر أغنى أميركي، والرابع عشر في العالم.
ليست هذه أول مرة تتناقل فيها أخبار احتمال ترشيح بلومبيرغ لرئاسة الجمهورية. تكرر ذلك في انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2008، وفي عام 2012. وذلك لأن بلومبيرغ ليس فقط رجل أعمال، وليس فقط صحافيا، ولكن، أيضا، سياسي من الدرجة الأولى. بدليل أنه ترشح، وفاز، ثلاث مرات عمدة لمدينة نيويورك، «أصعب مدينة يمكن أن تحكم»، كما قال هو نفسه مرات كثيرة.
ربما لن يترشح بلومبيرغ لرئاسة الجمهورية بسبب كبر سنه (73 عاما). لكن، ليس ترامب أصغر منه كثيرا (69 عاما).
ترشح بلومبيرغ، أو لم يترشح، يظل واحدا من عمالقة الصحافة الأميركية. ويزيد عليهم بأنه رجل أعمال ناجح، وكان عمدة ناجحا لنيويورك.
ينتمي بلومبيرغ إلى عائلة يهودية (هاجر والداه من روسيا). درس الإعلام في جامعة جونز هوبكنز (ولاية ميريلاند). ثم درس إدارة الأعمال في جامعة هارفارد (ولاية ماساجوستس). ثم مال نحو المال أكثر من الإعلام. وصار واحدا من أغنى رجال الأعمال في أميركا، بل من أغنى رجال الأعمال في العالم. لكنه لم يترك الإعلام. في الحقيقة، صارت هوايته في المدرسة الثانوية (جمع وتوزيع المعلومات الاقتصادية) حجر الأساس الذي به انطلقت شركته، شركة «بلومبيرغ». في عام 1973، بعد جامعة هارفارد، عمل مع شركة «سولومون» المالية في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك)، وتخصص في جمع وتوزيع المعلومات المالية.
في عام 1982، صار من كبار الموظفين في الشركة. لهذا، عندما اشترت شركة أخرى شركة «سولومون»، كان نصيب بلومبيرغ عشرة ملايين دولار. في الحال، استثمرها، وأسس شركة «بلومبيرغ» برأسمال قدره ثلاثون مليون دولار. وتخصص في نفس مجاله: جمع، وتوزيع، المعلومات المالية. هذه عملية معقدة، ومستمرة، ليلا ونهارا، يتابع الموظفون أسهم واستثمارات ورؤوس أموال ودخول ومصروفات وتوقعات الشركات، ليس فقط الأميركية، ولكن، أيضا، الأجنبية. وليس فقط الأرقام، ولكن، أيضا، التحليلات والتعليقات والتنبؤات.
في عام 1990، تعاونت الشركة مع عشرة آلاف زبون. وفي عام 2012، قفز العدد إلى ثلث مليون زبون. وفي العام الماضي، قفز إلى نصف مليون زبون.

* مايكل واريانا

* سئل بلومبيرغ مرة: لماذا لم تصدر صحيفة اسمها «بلومبيرغ بوست» مثل: «واشنطن بوست»، ومثل «هافنغتون بوست»، التي تصدرها مليونيرة الإعلام أريانا هافنغتون، الأميركية اليونانية. تندر بلومبيرغ: «لسان أريانا طويل. لا أقدر على منافستها». لكنه قصد أن الصحف لم تكن أبدا من مجالات استثماراته. وأنه يفضل الإعلام الإلكتروني.
طبعا، لأنه بدأ بتجارة جمع وتوزيع المعلومات. وكانت شركته من الأوائل في الاستفادة من «آي تي» (تكنولوجيا المعلومات). في الوقت الحالي، يملك:
أولا: «تلفزيون بلومبيرغ» (الاقتصادي): يعمل بالكيبل، ويصل إلى قرابة أربعمائة مليون منزل، أغلبها في الولايات المتحدة، لكن، أيضا في خارجها. (مثلا: بريطانيا وهونغ كونغ).
ثانيا: «أخبار بلومبيرغ» (الاقتصادية): أكبر شركاته الإعلامية: يعمل بها خمسة آلاف صحافي، وينتشرون في قرابة مائة دولة.
ثالثا: «حكومة بلومبيرغ» (السياسية): تجمع الأخبار السياسية. لكن، تركز على الأرقام. مثل: ميزانيات الحكومات، العقودات الحكومية، العطاءات، اقتصادات الحملات الانتخابية، التبرعات السياسية.
رابعا: «قانون بلومبيرغ» (القانونية): تفاصيل القضايا، والمرافعات، والقوانين، ومشاريع القوانين. مع تحليلات قانونية.
خامسا: «رأي بلومبيرغ» (افتتاحيات): مثل افتتاحيات الصحف. يكتبها عمالقة الرأي في الولايات المتحدة. ويترأسها ديفيد شيبلي، رئيس سابق لقسم الافتتاحيات والآراء في صحيفة «نيويورك تايمز».
بالإضافة إلى هذه الشركات الإعلامية، يملك بلومبيرغ شركات أخرى، مثل: «أسهم بلومبيرغ»، و«عقارات بلومبيرغ» (قد يريد بلومبيرغ اللحاق بملياردير العقارات دونالد ترام بلومبيرغ).
ربما لا يمكن وصف بلومبيرغ بأنه إعلامي محايد لأنه سياسي. وأيضا، لأنه سياسي انتهازي.
بدأ حياته السياسية مؤيدا للحزب الديمقراطي. وكان، خلال ثلاثين عاما من النشاطات الاستثمارية والإعلامية في نيويورك، من قادة الحزب هناك (ومن كبار المتبرعين له).
لكن، في عام 2001، عندما نوى الترشيح ليكون عمدة نيويورك، تحول من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري. وفاز.
وفي عام 2005، عندما نوى الترشيح مرة ثانية، ظل جمهوريا، لكنه تحالف مع بعض الديمقراطيين. وفاز. وفي عام 2010، عندما نوى أن يترشح مرة ثالثة، تحول من الحزب الجمهوري إلى مرشح مستقل. وفاز.
الآن، لم تتأكد أخبار أنه سيترشح لرئاسة الجمهورية. لكن، طعنه منافسه الملياردير ترامب، وتندر (أو ربما لم يتندر)، وقال: «يوجد عشرة مرشحين باسم الحزب الجمهوري، واثنان فقط باسم الحزب الديمقراطي». (يقصد أن بلومبيرغ أفضل له أن يعود إلى الحزب الديمقراطي).
خلال 12 عاما عمدة لنيويورك، قال بلومبيرغ إنه قضى الفترة الأولى في القضاء على الجريمة. وقضى الفترة الثانية في إصلاح النظام التعليمي، وقضى الفترة الثالثة في حماية أمن نيويورك.
لكنه انتقد بسبب إصلاحاته في مجال التعليم. وأنه ركز على تخفيض المصروفات، وعلى رفع مستوى الدرجات، على حساب مشكلات إنسانية، مثل: العائلات الفقيرة، والتلاميذ دون أبوين، والتشدد الإداري (فصل المدرسين، وفصل التلاميذ والتلميذات).
من بين الذين انتقدوه، أدام ناغورني، كاتب عمود في صحيفة «نيويورك تايمز». قال إن «بلومبيرغ يريد أن يحول فصول المدارس إلى أسواق أسهم». وأشار إلى «خطة المكاتب المفتوحة»:
أولا: يجلس المدرسون والإداريون في مكاتب واسعة، لا تفصلها جدران، وذلك بهدف «زيادة المراقبة والمحاسبة».
ثانيا: يجلس التلاميذ والتلميذات في فصول شبه مفتوحة، وذلك بهدف «انفتاح الأمكنة والعقول».
في الجانب الآخر، بدأ بلومبيرغ إنسانيا، ومتواضعا، وعاطفيا. رفض راتب العمدة، واكتفى براتب دولار واحد كل شهر. ووضع اسمه في دليل التليفون العام. ورفض الانتقال إلى «غراسي مانشون» (منزل العمدة الرسمي). وبقي في منزله الكبير في مانهاتن. ويملك منازل في مصيف فيل (ولاية كولورادو)، وفي جزيرة برمودا (في المحيط الأطلسي)، وفي غرانادا (البحر الكاريبي).

* الإعلام والمال

* أخيرا، يتفوق بلومبيرغ على عمالقة الإعلاميين الأميركيين بأنه:
أولا: لا يؤيد فقط النظام الرأسمالي، لكنه يدافع عنه، ويبرهن على نجاحه بنجاحه هو فيه.
ثانيا: لا يمكن وصفه بأنه إعلامي محايد، لأنه يركز أكثر على المال.
ثالثا: لا يمكن وصفه بأنه إعلامي محايد، لأنه سياسي من الدرجة الأولى.
يوم الأربعاء الماضي، في مقابلة في تلفزيونه، «تلفزيون بلومبيرغ»، دافع عن «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك). وقال: «يحب على الناس جمع المال. لكنهم لا يحبون تجار المال. لأن تجار المال، طبعا، يعرفون أسرار وطرق جمع ومضاعفة المال. لهذا، لا يحب الناس أصحاب البنوك. ولا أعتقد أن هناك أي حل لهذه المشكلة».
وأضاف: «منذ أيام عيسي المسيح، لا يحب الناس تجار المال».



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».