مشاريع رائدة لشبكة إنترنت على القمر

أقمار صناعية تصل الأرض به

مشاريع رائدة لشبكة إنترنت على القمر
TT

مشاريع رائدة لشبكة إنترنت على القمر

مشاريع رائدة لشبكة إنترنت على القمر

أطلقت وكالة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» العام الماضي «أرتميس 1»، ضمن سلسلة بعثات تهدف لإعادة روّاد الفضاء الأميركيين إلى سطح القمر، وتأسيس قاعدة أميركية. واليوم، تحضّر الوكالة لهدفٍ على القدر نفسه من الأهمية: تأمين اتصال يتيح مشاركة صورة سيلفي عند وصول هؤلاء الروّاد إلى سطح القمر.
إنترنت القمر
تقود «ناسا» حالياً المراحل الأولى من تطوير «لونا نت»، خطّة وليدة ولكن مهمّة لبناء شبكة إنترنت على القمر يتجاوز دورها طبعاً السماح لروّاد الفضاء بالتقاط ومشاركة صورة سيلفي. وتخطّط الوكالة لبناء مجموعة واسعة من البنى التحتية على القمر وحوله تتضمّن مساحة سكنية للبشر، ومحطة فضائية جديدة، وخدمة شبكية قمرية تبقي كلّ شيء على اتصال.
يقول دايف إسرائيل، باحث رئيسي في المشروع في مركز «غودارد سبيس فلايت» التابع لـ«ناسا»: «لدينا اليوم على الأرض كلّ الأبراج الخلوية وبقع واي - فاي الساخنة، والأشياء التي تزوّدنا باتصال شبكي غيّرت طريقة سير الأمور في حياتنا اليومية. وما نريد أن نفعله اليوم هو أن نتيح هذه التجربة لرواد الفضاء والبعثات الروبوتية التي ستذهب إلى القمر، ومن ثمّ توسعتها لاحقاً لتشمل المريخ وأي مكان نتوجّه إليه».
ولكنّ الأمر لا يخلو من التحديات؛ لأنّ نقل البيانات بين الأرض والقمر ليس سهلاً، خصوصاً أن القطب الجنوبي من القمر والجهة البعيدة منه لا يواجهان الأرض مباشرة. ويمثّل النقل عائقاً آخر، فالرحلات إلى القمر ليست كثيرة، ما يعني أنّ حمل معدّات الإنترنت القمري قد يتطلّب وقتاً طويلاً. تنتظرنا عدّة إطلاقات مقبلة، أوّلها بعثة «أرتميس 2» المأهولة في 2024، التي ستتضمّن اختبارات لتقنية الاتصالات القمرية. ومع ذلك، لا يتوقّع الباحث جهوزية وتشغيلا كاملين لهذه التقنية قبل أواخر العقد الحالي.
أقمار صناعية
على الأرض استخدمنا لسنوات الأقمار الصناعية المتمركزة في المدار للاتصال بالشبكة. وتعمل شركات عدّة كـ«سبيس إكس» و«وان ويب» وأمازون حالياً على بناء شبكات تضمّ آلاف الأقمار الصناعية في مدار الأرض المنخفض لتأمين خدمة أسرع من الفضاء. وبدورها، تملك المحطّة الفضائية الدولية اتصالها الخاص بالإنترنت أيضاً على عكس القمر.
تشرح كيلي لارسون، الرئيسة التنفيذية لشركة «أكواريين سبيس» الناشئة التي تركّز على الاتصالات القمرية، أنّ «نسب البيانات التي يحصل عليها الزبائن حالياً على القمر لا تُعدّ اتصالاً، بل معركة للوصول إلى اتصال».
لتحسين الخدمة، تخطّط «نّاسا» لإطلاق أقمار صناعية قمرية ستتصل ببعضها البعض، ومن ثمّ تتصل بالبنى التحتية المخصصة للاتصالات على الأرض. في حالة الجهة البعيدة والقطب الجنوبي القمريين اللذين تأمل «ناسا» أن يصل إليهما الروّاد أخيراً، يعتبر التناوب بين السفن الفضائية حلاً مساعداً. وتعتزم الوكالة أيضاً توظيف مجموعة من المحطّات الأرضية التي ستلعب دور الأبراج الخلوية على سطح القمر.
تلعب الشركات الخاصة دوراً بارزاً في بناء البنى التحتية الجديدة للإنترنت. تخطّط «أكواريين سبيس» مثلاً لإطلاق أوّل مجموعة من أقمار الاتصالات القمرية في الربع الثاني من 2025، وتأمل أن تنجح تقنيتها أخيراً في توفير سرعة 100 ميغابت في الثانية دون انقطاع على سطح القمر. وتتعاون «ناسا» أيضاً مع شركة نوكيا لبناء شبكة خلوية بتقنية الجيل الرابع للقمر. وكانت نوكيا قد فازت بعقدٍ بقيمة 14 مليون دولار من الوكالة، ومن المزمع أن تنطلق أولى قواعدها ومعدّات الراديو إلى القمر على متن صاروخ «سبيس إكس» في وقتٍ ما العام المقبل.
بدورها، تعمل وكالة الفضاء الأوروبية على مشروعٍ موازٍ اسمه «مونلايت» عماده التعاقد مع شركات لبناء بنية تحتية للاتصالات القمرية أيضاً.
تستهدف هذه الخطط التي تسارع لنشر اتصال الإنترنت على القمر تأمين اللوجيستيات الأساسية. فمع تزايد أعداد الزوار البشر والروبوتات إلى سطح القمر، ستزيد الحاجة إلى شبكة اتصالات تساعدهم في تحديد الاتجاهات كتقنية الـGPS الشهيرة على الأرض. وقد يساعد مشروع «لونا نت» أيضاً في تنظيم النشاطات على سطح القمر وفي مداره، بالإضافة إلى مراقبة صحّة روّاد الفضاء والأحوال الجوية القمرية.
ويكشف الباحث إسرائيل أنّ الوكالة «تتوقّع وتخطّط لرؤية كثير من المقاطع المصوّرة العائدة من القمر، والتي ستتيح للنّاس هنا على الأرض مواكبة تجربة الرواد هناك».
تأمل «ناسا» أن تتوسّع الشبكة بالتزامن مع تنامي النشاط على وحول القمر، وتقدّر بأنّ القمر سيحتاج إلى 210 ميغابت في الثانية و4.6 تيرابايت من البيانات في اليوم مع وصول محطّتها «لونار غيتوي» إلى سطحه. وبحلول 2035، الوقت الذي تتوقّع فيه «ناسا» وصول أوّل بعثاتها المأهولة إلى المريخ، قد ترتفع حاجة القمر إلى 950 ميغابت في الثانية و12 تيرابايت من البيانات في اليوم.
ومن المتوقّع أن يتزايد الطلب على الإنترنت القمري حتّى في المدى القريب، إذ تتحدّث «أكواريين سبيس» عن وجود 13 آلية تتوزع بين عربات جوالة وسفن هبوط قمرية على سطح القمر وحوله منذ عام 2021، وتتوقّع أنّ يرتفع عددها إلى 200 - 250 بحلول نهاية العقد الجاري.
سباق فضائي
وفي هذا المجال أيضاً، ستذهب الحصّة الكبرى إلى الطرف الذي سيتمكّن من رسم شكل الإنترنت على القمر، وتحديد كيفية عمل مزوّدي الشبكة مع بعضهم وتسليم العناوين الشبكية القمرية. تسارع الولايات المتحدة اليوم لضمّ دولٍ أخرى ووكالات فضائية إلى جهودها تحت مظلّة اتفاقيات «أرتميس»، وهو نسق من المبادئ الدولية التي وُضعت لإرشاد تطوير واستكشاف القمر والفضاء الخارجي، ولكن انصياع الجميع وتوقيعهم عليها ليس مضموناً، فضلاً عن أنّ الصين وروسيا تعملان حالياً على مشاريعهما القمرية الخاصة.
تقول نامراتا غوسوامي، خبيرة في السياسات الفضائية: «القمر هو القارّة الثامنة بالنسبة للأرض، ما يعني أنّ الطرف الذي سيقدّم إمكانات الإنترنت التي ستلبّي حاجات مجموعة متنوعة من الأطراف الفاعلة التي تخطّط للوصول إلى القمر في العقد المقبل سيلعب دوراً مهمّاً جداً. والأكيد أنّ الدولة التي ستنجح في توفير حزمات الإنترنت القمري الأقلّ تكلفة ستفوز بالسباق».
سيمرُّ بعض الوقت طبعاً قبل أن يصبح الإنترنت القمري موضوعاً محورياً خصوصاً في حياتنا اليومية، إلّا أنّ الشبكة القمرية في بداياتها ستسهّل الاتصال بين الروبوتات وروّاد الفضاء، وستساعد البعثات في الاستقرار على بعد مئات آلاف الكيلومترات من الأرض.
هذا التوسّع الهائل للشبكة سيكون بارزاً ومحصوراً ببعض الوكالات الحكومية والشركات، ولكنّ هذا الأمر لا يزعج العاملين على مشروع «لونا نت» الذين يأملون أن يعكس مستقبل إنترنت القمر قصّة الشبكة الأصلية التي أبصرت النور في ستينات القرن الماضي على شكل وسيلة لإرسال المعلومات بين شبكة من الكومبيوترات. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يفكّر بـ«فيسبوك» و«أوبر»، لكنّها كانت تقنية أساسية عمرها عقود من الزمن، فتحت الطريق لهذه الخدمات التي غيّرت العالم. يؤمن العاملون في هذا المجال أنّ عملهم الحالي سيخدم كأساس تقني شبيه للقمر، ولسائر النظام الشمسي أخيراً.
*«فاست كومباني»
ـ خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا «رابط إلى ويندوز» يوفر تكاملاً بين «آندرويد» و«ويندوز» مع إشعارات ومكالمات ورسائل وونقل ملفات بسهولة لتجربة متكاملة بين الأجهزة (مايكروسوفت)

مع وقف «سامسونغ» دعمه... ما هو بديل تطبيق «DeX» لتكامل الهواتف مع الحواسيب؟

التطبيق الذي قدَّمته «مايكروسوفت» منذ فترة طويلة يوفر للمستخدمين تجربة سلسة تجعل الهاتف والحاسوب يعملان كجهاز واحد.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا لأول مرة تكشف «يوتيوب» عن «المواضيع الرائجة» التي جذبت اهتمام المشاهدين خلال العام (يوتيوب)

ما المواضيع الرائجة وصنّاع المحتوى والأغاني المفضلة حسب «يوتيوب» في 2024؟

شرحت «يوتيوب» لـ«الشرق الأوسط» سبب إطلاق فئة «المواضيع الرائجة» لأول مرة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا «واتساب» يقرر إنهاء دعم الأجهزة التي تعمل بإصدارات أقدم من «iOS 15.1» اعتباراً من مايو 2025 بهدف تحسين الأداء وتقديم ميزات تعتمد على تقنيات حديثة (أ.ف.ب)

«واتساب» يُودّع بعض الأجهزة القديمة

أعلنت شركة «واتساب» قرارها إيقاف دعم الإصدارات القديمة من نظام التشغيل «آي أو إس» (iOS).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
عالم الاعمال اختتام فعالية «بلاك هات 24» الأكبر والأكثر حضوراً بالعالم

اختتام فعالية «بلاك هات 24» الأكبر والأكثر حضوراً بالعالم

فعالية «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا 2024» اختتمت أعمالها في العاصمة السعودية الرياض.


«غوغل» قلقة من انتهاكات حقوق الإنسان بسبب عقدها التقني مع إسرائيل

نظّم بعض موظفي «غوغل» اعتصامات في مكتبين للشركة منتقدين مشروع «نيمبوس» في أبريل الماضي
نظّم بعض موظفي «غوغل» اعتصامات في مكتبين للشركة منتقدين مشروع «نيمبوس» في أبريل الماضي
TT

«غوغل» قلقة من انتهاكات حقوق الإنسان بسبب عقدها التقني مع إسرائيل

نظّم بعض موظفي «غوغل» اعتصامات في مكتبين للشركة منتقدين مشروع «نيمبوس» في أبريل الماضي
نظّم بعض موظفي «غوغل» اعتصامات في مكتبين للشركة منتقدين مشروع «نيمبوس» في أبريل الماضي

ظلّت شركة التكنولوجيا العملاقة «غوغل» تدافع عن صفقتها مع إسرائيل أمام الموظفين الذين يعارضون تزويد الجيش الإسرائيلي بالتكنولوجيا، ولكنها كانت تخشى أن يضر المشروع بسمعتها، كما كتب نيكو غرانت(*).

وكانت «غوغل» قد أعلنت، في مايو (أيار) 2021، أنها وافقت على المشاركة في عقد حوسبة سحابية بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة والجيش الإسرائيليين، قائلة إنها «سعيدة باختيارها للمساعدة في التحول الرقمي» للبلاد.

قلق من تردي سمعة «غوغل»

ولكن قبل أربعة أشهر، كان المسؤولون في الشركة قلقين من أن توقيع الصفقة التي يُطلق عليه اسم «مشروع نيمبوس» Project Nimbus، من شأنه أن يضر بسمعتها، وفقاً لوثائق أُعدت للمديرين التنفيذيين، التي راجعتها صحيفة «نيويورك تايمز».

وكتب محامو «غوغل» وموظفو فريق السياسات، والمستشارون الخارجيون -الذين طُلب منهم تقييم مخاطر الاتفاقية- أنه على الرغم من أن «العملاء الحساسين»، مثل: وزارة الدفاع ووكالة الأمن الإسرائيليتين، كانوا مشمولين في العقد؛ «فإن بالإمكان استخدام خدمات (غوغل) السحابية Google Cloud لتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك النشاط الإسرائيلي في الضفة الغربية، أو ربطها بها».

انجرار «غوغل» إلى الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

أظهرت الملفات التي لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً، أنه على الرغم من دفاع «غوغل» العلني عن «نيمبوس» على مدى السنوات الثلاث الماضية، فإن الشركة كانت لديها مخاوف بشأن العقد مماثلة لمخاوف بعض الموظفين، الذين زعموا أنه جرّ «غوغل» إلى صراع طويل بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

تقدّم الوثائق أيضاً نظرة ثاقبة جديدة حول كيفية تقييم عملاق التكنولوجيا لعقد أُعلن بوصفه بوابة لسوق الحوسبة السحابية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن الصفقة، لمدة سبع سنوات، كانت صغيرة لشركة بلغت مبيعاتها 258 مليار دولار في عام 2021، فإنها كانت عقداً حكومياً مهماً لأعمال الحوسبة السحابية لشركة «غوغل» التي كانت تكافح للتنافس مع شركات سحابية أكبر بكثير في «أمازون» و«مايكروسوفت». يُذكر أن «أمازون» أيضاً تقدّم خدمات الحوسبة إلى إسرائيل بموجب صفقة «نيمبوس».

أدوات مطوّرة للتحليل والكشف مُنحت لإسرائيل

أظهرت الوثائق أن «غوغل» زوّدت إسرائيل بقوة المعالجة اللازمة لتشغيل التطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التكنولوجيا التي تحلّل الصور ومقاطع الفيديو للكشف عن الأشياء. كما قدّمت الشركة خدمات لتخزين كميات كبيرة من البيانات وتحليلها، إلى جانب برامج أكثر بساطة مثل: نظام مؤتمرات الفيديو من «غوغل».

*خدمة «نيويورك تايمز»