الملك فهد «قائد التحالف» يتجاوز التحديات إلى لحظة نصر فبراير

حين تحضر ذكرى الغزو العراقي للكويت، وهي لا تغيب عن ذاكرة الأجيال، يحضر الأيقونة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، عرّابا للانتصار والتحرير. كان الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، دهرا من القوة دبلوماسيا وعسكريا، حتى أيقظ اللحظة في فبراير الكويت، وتستمر قصة الفرح الكويتي في هذا الشهر لأكثر من عقدين بعد أن ولدت في عام 1991.
من الداخل، ومنذ إعلان نبأ غزو الكويت من قبل نظام صدام حسين، وحتى لحظة التحرير، ألقى الملك فهد سبعة خطابات للشعب السعودي، علاوة على الكلمات الصحافية خلال ترؤسه جلسات مجلس الوزراء أو في مناسبات مختلفة، وكان آخرها قبل إعلان لحظة النصر، وبدء عملية «عاصفة الصحراء».
الملك فهد واجه بقوة دعوات متشددة انتقدت دعوة المملكة واستضافتها قوات التحالف الأجنبية، وكذلك محاولات بعض الفئات إحداث خطاب سياسي مختلف عن نهج الدولة القائم على حماية أمنها الوطني، وسانده في ذلك إصدار هيئة كبار العلماء موقفها الذي يجيز ذلك.
وقال مفتي السعودية السابق الشيخ عبد العزيز بن باز في حوار صحافي ردا على من انساق مع دعوات صدام حسين: «إن الدول التي ساعدت وساهمت مشكورة على نصر الحق وعلى ردع الظالم، ليس لها تعلق بالحرمين وليست في الحرمين. لقد جاءوا بطلب، ولمساعدة المنكوبين والمظلومين ضد الظالم والمعتدي، وما جاءوا لحرب المسلمين، وما جاءوا للاستيلاء على الحرمين، إنما جاءوا بدعوة من خادم الحرمين الشريفين من أجل نصر المظلوم وردع الظالم، والحمد لله الذي نفع بذلك، وصار في هذه الدول المشتركة خير عظيم للمسلمين حتى ردع الله بهم الظالم».
وفي خضم الحرب البرية التي امتدت لأكثر من مائة ساعة، والإعلان بعدها عن تحرير الكويت، تدفق الآلاف من النازحين العراقيين والأسرى من الجيش العراقي إلى الحدود السعودية، وأمر حينها الملك فهد بمعاملتهم كضيوف على المملكة، عادّا أن أي إهانة لهم هي إهانة للسعودية.
حينها ولدت فكرة إنشاء «مخيم رفحا» الذي يبعد قرابة 20 كيلومترا عن الحدود العراقية، وقدمت المملكة طوال عمل المخيم الذي انطلق بعد تحرير الكويت حتى عام 2003، جهدا جعلها محط إعجاب دولي بسبب الخدمات المجانية التي أمر بها الملك فهد، رحمه الله، واستضاف المخيم أكثر من 35 ألف لاجئ، غادرت نسبة كبيرة منهم إلى بلدهم بعد سقوط نظام صدام حسين، وآخرون إلى دول أوروبية أخرى، وصنفت مفوضية شؤون اللاجئين المخيم على أنه من أفضل المخيمات في العالم، منوهة بعد إغلاق المخيم أن ذلك يعكس الدور الإنساني الرائد للمملكة.
النظرة السعودية للشعب العراقي كانت دائما مختلفة عن نظام صدام حسين، وعبرت عنها بعد زيارة الملك فهد للكويت بعد أيام من تحريرها ولقائه أمير الكويت آنذاك، الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، حيث قال الملك في كلمة له بعد وصوله: «في هذا اليوم السعيد، وفي هذا اليوم بعد الانتصار الذي شهده العالم إثر مأساة ما حدث لبلدنا الشقيق الكويت العزيزة، وما هدد المملكة العربية السعودية من مخاطر.. في هذا اليوم نحمد الله ونشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعلى أن نصر من يستحق النصر وأذاق من يستحق العذاب ما أراد لنفسه». وأضاف الملك فهد: «والله يعلم أننا لم نرد للعراق الشقيق ما حدث له من مشقة، والله يعلم كم أسديت من النصح للرئيس العراقي بأن يتجنب هذه الكارثة. لقد كانت اتصالاتي بالرئيس العراقي فيما سبق ومنذ سنوات كبيرة جدا، ولم يخطر ببالي يوما من الأيام أن يحدث ما حدث».
الفهد الذي كان موقفه وحكومته وشعبه دائما حاضرا في خطاباته ولقاءاته بانسحاب العراقيين من الكويت وعودة الحكومة إلى الحكم وفرض العقوبات على نظام صدام وضمان عدم تكرار ذلك، كان يسجل الإعجاب كذلك على الصعيد الشعبي سياسيا.
فقال أمير الكويت، الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، مخاطبا الملك فهد: «مع تحرير الكويت من الطغاة، فقد وجب ذكر الفضل لذويه.. أما الشكر مهما كانت عبارته، فهو لا يفي بما لكم شخصيا والشعب السعودي»، بينما توجه ولي العهد آنذاك، الراحل الشيخ سعد العبد الله الصباح بواقعيته وشفافيته، إلى الملك فهد، بالقول: «لولا اتخاذكم القرار الحكيم وبالسرعة اللازمة لربما لم تتحرر الكويت ولم تنته محنة الكويتيين».
وقال الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران في عهد الملك فهد، في حديث صحافي عن دور شقيقه الملك فهد خلال تحرير الكويت، إن «الأجيال المتعاقبة ستظل تروي موقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وأسلوب إدارته لتلك الأزمة المباغتة باعتبار أن هذا الموقف رمز للشجاعة والحنكة والحكمة وبعد النظر وحسن القيادة لمعركة تحرير الكويت».
في حين قال الكويتي عبد الله بشارة، الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي، إن التاريخ سيظل شاهدا على دور الملك فهد «وسيقرأ أولادنا وأحفادنا في المستقبل، وسيقفون كثيرا عند صلابة وحزم وشيم خادم الحرمين الشريفين؛ وأن ما تم تحقيقه من زوال الظلم كان بفضل من الله، ثم بحكمة خادم الحرمين». وعدّ وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر أن مشورة الملك فهد الحكيمة وثباته الشخصي، كانا أمرين حيويين حين بنت الولايات المتحدة التحالف الدولي الذي أخرج القوات العراقية من الكويت. وأضاف: «لقد فهم الملك فهد التهديد الذي مثله صدام حسين آنذاك ولم يتردد في إعلان التزام بلاده بتقديم دعم مالي ضخم والسماح بمرابطة القوات الأميركية في الأراضي السعودية كجزء من قوات التحالف الدولي لدحر قوات الغزو العراقية».
وعدّ وزير الدفاع الأميركي الأسبق فرانك كارلوتشي أن معالجة الأزمة لم تكن لتمر لولا وجود الملك فهد؛ «حيث كانت قيادته للحرب متميزة، وظل فيها الملك والشعب السعودي حازمين وعلى موقف ثابت، وهذا هو النوع الذي يحتاج له العالم للتعامل مع رجل إجرامي كصدام حسين».