كان من المفترض أن يتحول توازن القوة من ليفربول إلى مانشستر يونايتد، حيث يسير الغريمان اللدودان في اتجاهين معاكسين، لكن هذه النظرية تحطمت إلى أجزاء صغيرة بعد مواجهة الفريقين الأحد في الجولة السابقة من مسابقة الدوري. وتمتع ليفربول بفترات تألق على حساب مانشستر يونايتد منذ قدوم المدرب يورغن كلوب إلى ملعب أنفيلد في عام 2015، إذ قاد الفريق للفوز بالدوري الإنجليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا، وبطولتي الكأس المحليتين والمزيد من الألقاب. لكن هذا الموسم بدا أن الحقبة الذهبية لكلوب في تراجع، حيث تحول ليفربول إلى شبح لما كان عليه في السنوات القليلة الماضية، بينما بدا أن مانشستر يونايتد تحت قيادة مدربه الهولندي إريك تن هاغ في صعود، وفاز بكأس الرابطة أول ألقابه منذ 2017، ومع ذلك حقق ليفربول فوزا قياسيا 7 - صفر على ضيفه الذي ضعفت آماله وطموحاته الجديدة. هذه المواجهة التي انتهت بفوز ليفربول الساحق جددت طرح سؤال ردده كثيرون في الآونة الأخيرة... هل يستطيع كلوب بناء فريق عظيم آخر لليفربول؟
تنتهي معظم مسيرات المديرين الفنيين بالفشل، فهذه هي طبيعة المهنة، أو على الأقل طريقة تعامل كرة القدم الحديثة معها. فعندما يتولى أي مدير فني مهمته الجديدة يتعين عليه أن يحقق الفوز وإلا سيُقال من منصبه. وحتى لو حقق الفوز، فمن الأفضل أن يستمر في تحقيق الفوز وإلا سيقال أيضا! وحصل عدد قليل جدا من المديرين الفنيين على فرصة ثانية في كرة القدم الإنجليزية الحديثة، مثل بيل شانكلي، الذي أدرك بعد خسارة ليفربول في المباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي أمام واتفورد في عام 1970 أن أول فريق عظيم بناه لليفربول قد انتهى، وأنه يتعين عليه بناء فريق جديد. لكن الضغوط اليوم أصبحت هائلة ومختلفة تماما عما كانت عليه أمام شانكلي، حيث يتحرك كل شيء الآن بسرعة أكبر.
كلوب مدرب ليفربول يتابع فريقه أمام يونايتد (رويترز)
ولو كان هناك مدير فني له نفس رصيد شانكلي لدى الجماهير في ذلك الوقت، فإنه بالطبع المدير الفني الألماني كلوب، لكن ليفربول كان، قبل مواجهة يونايتد، يمر بمرحلة عدم اتزان وتذبذب واضح في المستوى والنتائج، على الرغم من الفوز العريض والتاريخي الذي حققه الفريق على مانشستر يونايتد بسباعية نظيفة. وبعد الفوز على مانشستر يونايتد، ارتقى ليفربول إلى المركز الخامس في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن الهزيمة أمام ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا والتعادل أمام كريستال بالاس ربما أعطا انطباعا أكثر صدقا عن مستوى ليفربول هذا الموسم. وهناك شعور الآن بأن الحقبة الذهبية لليفربول تقترب من نهايتها.
قد لا يكون الأمر كذلك، خصوصاً أن كلوب كان قد نجح في إخراج ليفربول من موقف مشابه قبل موسمين، وكان على بُعد مباراتين فقط الموسم الماضي من تحقيق أكبر إنجاز في تاريخ النادي، بل وفي تاريخ كرة القدم الإنجليزية على الإطلاق، حيث كان قريبا من الفوز بالرباعية التاريخية لولا خسارة المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا وخسارة لقب الدوري في الجولة الأخيرة. لكن جميع لاعبي ليفربول أصبحوا أكبر سنا الآن، وبدأت خطورة الفريق تقل، كما رحل النجم السنغالي ساديو ماني، الذي كان يلعب دوراً محورياً في أداء الفريق، وظهرت علامات الإجهاد على كلوب نفسه!
إن الخطر الذي يواجهه أي مدير فني عظيم هو تمسك فريقه به؛ لأنه يرى أنه «المخلص»، الذي أنقذ الفريق ذات يوم، وأنه لا يزال هو القادر على إعادته إلى المسار الصحيح. لكن الولاء الأعمى للمدير الفني يحجب العوامل الأخرى التي تساعد على نجاح النادي. كما أن شخصية المديرين الفنيين أنفسهم تتغير بمرور الوقت، وخير مثال على ذلك ما حدث مع أرسين فينغر وبريان كلوف. فعلى الرغم من أن كلا منهما حقق نجاحا ملحوظا، فإنهما وجدا أن القوة المالية لفريقيهما تقلصت كثيرا بسبب الاستثمار في تطوير الملاعب، وبالتالي تخلى كل واحد منهما عن الطريقة المعتادة التي كانا يعتمدان عليها في بدايتهما، وأصبحا يعتمدان على اللاعبين الشباب من أجل تقديم كرة قدم جذابة وممتعة بدلا من المنافسة على البطولات والألقاب.
لم يصل كلوب إلى هذه المرحلة بعد، لكن ربما يكون من المعقول التساؤل عما إذا كان المدير الفني الألماني يحاول اللعب بطريقته المعتادة التي تعتمد على الضغط العالي والمتواصل على حامل الكرة بلاعبين غير قادرين على القيام بذلك - أو على الأقل لم يعودوا قادرين على القيام بذلك! ويجب الاعتراف بأن كلوب حاول تغيير طريقة اللعب من خلال الاعتماد على عنصر الاستحواذ على الكرة، وهو الأمر الذي تجسد في التعاقد مع نجم خط الوسط الإسباني تياغو ألكانتارا، لكن تياغو كان جزءا من خط الوسط المتعثر هذا الموسم، وأدى فشله في مراقبة المنافسين إلى اهتزاز شباك ليفربول بأهداف أمام آرسنال وولفرهامبتون.
لكن هذا الأمر لا يتعلق بالأفراد؛ لأن مستوى الفريق ككل تراجع بشكل ملحوظ، ولم يعد أي لاعب في الفريق يقدم نفس المستويات التي كان يقدمها في السابق. وعندما يحدث ذلك تتجه كل الأنظار بالطبع إلى المدير الفني. وفي كل من ماينز وبوروسيا دورتموند استقال كلوب من منصبه بعد تراجع الأداء بشكل مخيب للآمال في الموسم السابع، وكما يلاحظ الجميع فقط وصل كلوب إلى عامه السابع مع ليفربول في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي!
ويحاول ليفربول الآن الخروج من هذه المرحلة الانتقالية، حيث أنفق 150 مليون جنيه إسترليني للتعاقد مع مهاجمين جدد خلال فترات الانتقالات الثلاث الماضية، لكن الإصابات أعاقت هذا التقدم. وربما لم يكن غياب ماني مؤثرا ومحسوسا بهذا الشكل لو لم يغب لويس دياز وديوغو جوتا وروبرتو فيرمينو عن فترات طويلة من الموسم بسبب الإصابة، لكن التركيز على كلوب وحده يعني تجاهل التغييرات الأخرى التي حدثت في النادي. لقد رحل المدير الرياضي مايكل إدواردز الصيف الماضي، وسيستقيل خليفته جوليان وارد مساعده السابق في نهاية هذا الموسم، واستقال مدير النادي مايك غوردون، الذي وصفه كلوب ذات مرة بأنه «العقل المدبر وراء كل الأشياء في ليفربول»، من منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ورحل طبيب الفريق جيم موكسون في بداية الموسم، كما سيرحل مدير الأبحاث إيان غراهام أيضا، وبالتالي من الواضح أن العملية الانتقالية داخل الملعب تكون أكثر صعوبة عندما تكون هناك عملية انتقالية أخرى خارج الملعب!
وهناك أيضا تساؤلات حول سبب رحيل كل هذا العدد الكبير من المسؤولين. ربما يتمثل الأمر ببساطة في انتهاء دورة عمل معينة، فعندما يرحل أحد العناصر الناجحة بالفريق، فمن المحتمل أن تكون العناصر الأخرى أقل ميلا للبقاء. ومن المؤكد أن الحديث عن تأثير رحيل المسؤولين يزيد عندما تكون النتائج سلبية. لقد كانت لجنة التعاقدات بليفربول تحظى بإشادة كبيرة، لكنها سمحت بأن ترتفع معدلات أعمار اللاعبين في وقت واحد. وتشير الأرقام إلى أن أندي روبرتسون وجو غوميز هما اللاعبان الوحيدان اللذان تتراوح أعمارهما بين 24 و29 عاما واللذان شاركا في أكثر من خمس مباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم.
ربما ينجح ليفربول في ضخ دماء جديدة، وربما نرى عصرا ذهبيا جديدا للنادي في غضون عامين من الآن، كما أن الفوز على مانشستر يونايتد بسباعية، وتألق ثلاثي الهجوم كودي غاكبو وداروين نونيز ومحمد صلاح، الفرعون المصري، في المواجهة أمام يونايتد جعلت الكثيرين يؤمنون بقدرة ليفربول على العودة إلى المسار الصحيح سريعا.