إنزو فرنانديز... نقطة مضيئة في مرحلة صعبة لتشيلسي

اللاعب لن يتمكن بمفرده من حل المشكلات التي يعاني منها خط وسط الفريق

إنزو فرنانديز لعب  دوراً بارزاً في فوز تشيلسي على دورتموند والتأهل لدور الثمانية بدوري أبطال أوروبا (رويترز)
إنزو فرنانديز لعب دوراً بارزاً في فوز تشيلسي على دورتموند والتأهل لدور الثمانية بدوري أبطال أوروبا (رويترز)
TT

إنزو فرنانديز... نقطة مضيئة في مرحلة صعبة لتشيلسي

إنزو فرنانديز لعب  دوراً بارزاً في فوز تشيلسي على دورتموند والتأهل لدور الثمانية بدوري أبطال أوروبا (رويترز)
إنزو فرنانديز لعب دوراً بارزاً في فوز تشيلسي على دورتموند والتأهل لدور الثمانية بدوري أبطال أوروبا (رويترز)

تأهل تشيلسي لدور الثمانية في دوري أبطال أوروبا بفوزه على ضيفه بروسيا دورتموند الألماني 2 - صفر في إياب دور الستة عشر، ومن قبلها الفوز على ليدز في المرحلة السابقة من مسابقة الدوري الإنجليزي، وهو الفوز الأول للفريق منذ 15 يناير (كانون الثاني) الماضي، لا يعني أن تشيلسي تخلّص من المشكلات الفنية التي يعاني منها وبخاصة في خط الوسط، والتي أدت إلى احتلاله المركز العاشر في ترتيب الدوري المحلي وإقصائه من مسابقتي الكأس المحليتين.
ونظراً إلى أن النجم الأرجنتيني الشاب إنزو فرنانديز انتقل إلى تشيلسي بمقابل مادي كبير، فإن النادي وجماهيره والمشككين في قدراته توقعوا أن يقدم لاعب خط الوسط مستويات استثنائية وأن يساعد في تحسين مستوى ونتائج الفريق على الفور.
لقد تحول فرنانديز إلى نجم عالمي بعد كأس العالم 2022 التي حصدها المنتخب الأرجنتيني. صحيح أن اللاعب الشاب كان يحظى بتقدير كبير في الأرجنتين بعد تألقه في صفوف ريفر بليت وتطور مستواه بشكل كبير خلال الفترة القصيرة التي قضاها مع بنفيكا البرتغالي، لكنه لم يصبح نجماً لامعاً على الساحة العالمية إلا في مونديال قطر.
لقد استعان المدير الفني للأرجنتين، ليونيل سكالوني، بفرنانديز من على مقاعد البدلاء في أول مباراتين لراقصي التانغو في كأس العالم، لكن الهدف الذي سجله في مرمى المكسيك أقنع المدير الفني بالدفع به في التشكيلة الأساسية فيما تبقّى من مباريات البطولة.
واصلت الأرجنتين مشوارها بنجاح حتى حصدت اللقب في نهاية المطاف، وعزز فرنانديز مكانته كأحد أفضل اللاعبين في مركزه في عالم كرة القدم في الوقت الحالي، حيث فاز بجائزة أفضل لاعب شاب في البطولة –وهي الجائزة التي حصل عليها من قَبل لاعبون عظماء مثل بيليه وفرانز بيكنباور وتوماس مولر وكيليان مبابي. وبالتالي، فقد أعلن مونديال قطر عن مولد نجم جديد اسمه إنزو فرنانديز.
وجذب النجم الأرجنتيني الشاب أنظار أغنى الأندية في أوروبا، لكنّ تشيلسي هو الذي لبّى مطالب بنفيكا المالية ودفع الشرط الجزائي في عقد اللاعب بالكامل، لينتقل النجم الأرجنتيني الشاب إلى ملعب «ستامفورد بريدج» في اليوم الأخير من فترة الانتقالات الشتوية مقابل 106.8 مليون جنيه إسترليني.
لم يكن هذا رقماً قياسياً في سوق انتقالات اللاعبين في بريطانيا فحسب، لكنه كان أيضاً مبلغاً باهظاً بالنسبة إلى لاعب يبلغ من العمر 22 عاماً لم يلعب من قَبل في أي من الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، والذي كان قد انتقل إلى بنفيكا قبل سبعة أشهر فقط مقابل 8 ملايين جنيه إسترليني!
فتح تشيلسي خزائنه ودعم صفوفه بقوة في فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، حيث أنفق ما يقرب من 300 مليون جنيه إسترليني للتعاقد مع فرنانديز، وميخايلو مودريك، وبينوا بادياشيل، ونوني مادويكي، ومالو غوستو، وأندري سانتوس، وديفيد داترو فوفانا، بالإضافة إلى التعاقد مع جواو فيليكس على سبيل الإعارة من أتلتيكو مدريد حتى نهاية الموسم. ويكفي أن نعرف أن المبالغ المالية التي أنفقها تشيلسي في يناير الماضي تتجاوز إجمالي ما أنفقته جميع أندية الدوري الألماني الممتاز، والدوري الإسباني الممتاز، والدوري الإيطالي الممتاز، والدوري الفرنسي الممتاز، مجتمعةً! ونظراً إلى أن فرنانديز هو النجم الأبرز والأغلى في الصفقات التي أبرمها تشيلسي مؤخراً، فإنه يواجه ضغوطاً هائلة لتقديم مستويات تتناسب مع قيمة انتقاله للبلوز. وعلى الرغم من المبالغ المالية الطائلة التي أنفقها تشيلسي، فإنه لا يزال يفتقر إلى المهاجم القادر على تسجيل الأهداف واستغلال أنصاف الفرص أمام المرمى. لم يسجل تشيلسي سوى 24 هدفاً فقط في 25 مباراة لعبها في الدوري الإنجليزي الممتاز حتى الآن هذا الموسم، كما أن عدد الأهداف التي استقبلها الفريق يتجاوز عدد الأهداف التي سجلها.
وبالتالي، كان يتعين على تشيلسي أن يتعاقد مع مهاجم يمنحه الفاعلية الهجومية في الثلث الأخير من الملعب، لكنّ الفريق كان يعاني من مشكلة واضحة في خط الوسط أيضاً. لقد عاد نجم خط الوسط الفرنسي نغولو كانتي إلى المشاركة في التدريبات للتوّ بعد ابتعاده عن الملاعب منذ أغسطس (آب) الماضي بسبب مشكلة في الفخذ؛ كما تعرض ماتيو كوفاسيتش للكثير من الإصابات، في حين باع النادي جورجينيو لآرسنال. لن يتمكن فرنانديز بمفرده من حل جميع المشكلات التي يعاني منها خط وسط الفريق، لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح، كما أنه لاعب صغير في السن، وهو ما يجعله إضافة قوية للفريق، سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل.
وتكيّف فرنانديز مع الأجواء الجديدة في تشيلسي بشكل أسرع مما توحي به نتائج تشيلسي السيئة، لكنَّ هناك إحصائية واحدة ستجعل جمهور تشيلسي يشعر بالقلق، وهي أن اللاعب الأرجنتيني قد تعرض للمراوغة 12 مرة في المباريات الأربعة التي لعبها في الدوري حتى الآن، أي أكثر من أي لاعب آخر في الدوري منذ انضمامه إلى تشيلسي! ومع ذلك، هناك عوامل قد تخفف من هذا الأمر، حيث يمكن لفرنانديز أن يلعب دورَ مُفسِد الهجمات ومستخلِص الكرات لحماية خط دفاع فريقه -كما أظهر في كأس العالم، وفي تجربته في البرتغال– لكنه قدم أفضل مستوياته على الإطلاق مع بنفيكا عندما كان يلعب إلى جانب فلورنتينو، لاعب خط الوسط الذي كانت وظيفته الأساسية تتمثل في استخلاص الكرات من الفريق المنافس.
ويمكن القول إن فرنانديز كان ضحية للظروف الحالية في تشيلسي، حيث يطلب منه المدير الفني للبلوز، غراهام بوتر، القيام بدور لا يناسب قدراته الحقيقية. وعندما يعود كانتي للمشاركة في المباريات، ستقل الواجبات الدفاعية لفرنانديز وسيتفرغ للقيام بأدواره الهجومية ونقل الكرة بسرعة إلى الأمام. وعلاوة على ذلك، فإن اللعب في خط وسط مستقر، بدلاً من التغيير المستمر الذي يُحدثه بوتر، سيساعد فرنانديز على الظهور بشكل أفضل. لقد لعب فرنانديز إلى جانب كونور غالاغر وماسون ماونت أمام فولهام في أول ظهور له مع تشيلسي، ثم لعب في خط وسط مكوّن من لاعبين اثنين إلى جانب كوفاسيتش، قبل أن يجد نفسه يلعب مع روبن لوفتوس تشيك.
وعندما يستعيد لاعبو خط وسط الفريق لياقتهم البدنية والذهنية، فمن غير المرجح أن يشارك لوفتوس تشيك في التشكيلة الأساسية، وبالتالي سيجد فرنانديز نفسه يلعب إلى جانب لاعب آخر في خط الوسط! وفي ظل عدم ثبات التشكيل، فمن الصعب على فرنانديز تشكيل شراكة قوية في خط الوسط وإظهار قدراته الحقيقية.
وعلاوة على ذلك، يشهد خط هجوم تشيلسي الكثير من التغييرات أيضاً. لقد ضخّ النادي أموالاً طائلة لتدعيم صفوفه الصيف الماضي وفي فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، لكنّ بوتر وجد نفسه في حيرة وغير قادر على اختيار التشكيلة الأساسية المناسبة. وحتى عندما يستقر بوتر على التشكيلة الأساسية، فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يتماسك الفريق ويتعود اللاعبون على اللعب معاً.
لقد نجح فرنانديز في التكيف مع قوة وشراسة كرة القدم الإنجليزية كما كان متوقعاً، لكنّ حظه السيئ أن النادي يقدم مستويات مخيّبة للآمال هذا الموسم –العقم الهجومي هو أكبر مشكلة تواجه الفريق- لكن فرنانديز كان بمثابة نقطة مضيئة وسط كل هذا الظلام، ومن المؤكد أنه سيتألق بشدة بمجرد اللعب في فريق متوازن ومستقر. ولعلّ الفوزين الأخيرين على ليدز في الدوري المحلي ودورتموند في دوري الأبطال يقودان إلى المزيد من الانتصارات.


مقالات ذات صلة

الفرنسي سار إلى لنس في صفقة انتقال حر

رياضة عالمية مالانغ سار إلى لنس (نادي تشيلسي)

الفرنسي سار إلى لنس في صفقة انتقال حر

انضم المدافع الفرنسي مالانغ سار إلى نادي لنس بعقد لمدة سنتين مع إمكانية سنة إضافية قادماً من تشيلسي الإنجليزي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية إنزو فرنانديز لاعب تشيلسي ومنتخب الأرجنتين (د.ب.أ)

رييس جيمس: أزمة إنزو فرنانديز قد تسبب مشكلة في تشيلسي

أكد رييس جيمس، لاعب فريق تشيلسي الإنجليزي، أن عاصفة العنصرية التي تحيط بزميله في الفريق، إنزو فرنانديز، من الممكن أن تُشكل «مشكلة» داخل غرفة خلع الملابس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية إنزو ماريسكا (د.ب.أ)

مدرب تشيلسي: لن تحدث مشكلات عند عودة إنزو

يتوقع إنزو ماريسكا، المدير الفني الجديد لفريق تشيلسي الإنجليزي لكرة القدم، عدم حدوث مشكلات بين اللاعبين عندما يعود إنزو فرنانديز إلى الفريق الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن )
رياضة عالمية كاليب وايلي انضم لتشيلسي (نادي أتلانتا يونايتد)

تشيلسي يتعاقد مع المدافع الأميركي وايلي

تعاقد تشيلسي الإنجليزي مع المدافع الأميركي الدولي الشاب كاليب وايلي قادماً من أتلانتا يونايتد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية لوسي برونز (أ.ف.ب)

تشيلسي يعزز صفوفه بمدافعة إنجلترا لوسي

أعلن نادي تشيلسي، المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم للسيدات (الأربعاء) تعاقده مع لوسي برونز، مدافعة منتخب إنجلترا في صفقة انتقال مجاني.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.