«المقاطع القصيرة» على منصات التواصل... منافسة المحتوى والمكاسب المادية

سوندار بيتشاي (رويترز)
سوندار بيتشاي (رويترز)
TT

«المقاطع القصيرة» على منصات التواصل... منافسة المحتوى والمكاسب المادية

سوندار بيتشاي (رويترز)
سوندار بيتشاي (رويترز)

اتجهت صناعة المحتوى، إعلامياً، نحو مزيد من ترسيخ المقاطع المصوّرة القصيرة للحاق بتطبيق «تيك توك» الذي تصدَّر قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً في العالم، العام الماضي، ومتوقع استمراره العام الحالي أيضاً. وعلى الرغم من دعم منصات وتطبيقات، مثل «يوتيوب» و«فيسبوك» و«إنستغرام»، للمقاطع القصيرة؛ بظهور خدمات «شورتس» و«الريلز»، فإن صنّاع المحتوى لهم رأي آخر فيما يخص تحقيق الأرباح، بعدما اقتنعوا بأن المقاطع الطويلة ما زالت الأرجح بفضل أرباحها.
صناع المحتوى يرون الآن أن المنصات دفعتهم نحو المقاطع المصوّرة القصيرة، لكنها لم تضع بعد نموذجاً ربحياً يضمن استمرارية هذا النمط من المحتوى، الأمر الذي يثير تساؤلات حول المنافسة واتجاهات هؤلاء الصناع في الفترة المقبلة، وما إذا كانت ستميل لكفة المقاطع القصيرة أو الطويلة والبث المباشر الذي يمتد لساعات ويحقق أرباحاً ضخمة.
في هذا الإطار، أشار تقرير لشبكة «سي إن بي سي» الأميركية، نُشر نهاية فبراير (شباط) الماضي، إلى أن ارتفاع مشاهدات المقاطع المصورة القصيرة على جميع التطبيقات لا يضمن بالضرورة تحقيق أرباح، وأن حتى «تيك توك»، مؤسس الفكرة، لا يحقق أرباحاً مباشرة لصناع المحتوى من الفيديوهات، بينما يدعم البث المباشر المُعزز بمدة بث طويلة نسبياً.
وعبر هذا التقرير قال ماثيو بينيديتو، وهو صانع محتوى أميركي يتابعه 10 ملايين شخص على «يوتيوب»، و6 ملايين على «تيك توك»، إن «صناعة المقاطع الطويلة ما زالت الورقة الرابحة، ليس على النحو الربحي فحسب، بل أيضاً على مستوى تعزيز علاقاتك مع المتابعين؛ ما يضمن الاستمرارية والتأثير».
ومن جهة ثانية، فإن صانع المحتوى الأميركي، زاك كينغ، الذي يتابعه 114 مليوناً على منصات التواصل الاجتماعي كتب، عبر حسابه على «تويتر»، أن «ألف مشاهدة للمقاطع القصيرة لا تحقق أرباحاً سوى بضعة سنتات، بعكس الفيديوهات الطويلة التي تدر دولارات»، علماً بأن دخله من «يوتيوب» فقط قد يصل إلى 10 آلاف دولار شهرياً، على المقاطع الطويلة. ونشر كينغ صورة توضح أرباحه، وتؤكد صحة كلامه عن تراجع أرباح المقاطع القصيرة، ما يهدد مستقبل استمرارها. الواقع أن القلق المتصل بعزوف صناع المحتوى عن تقديم المقاطع القصيرة دفع منصة «يوتيوب» إلى تقديم نموذج ربحي أفضل لتعزيز مكانتها في المنافسة مع «تيك توك». ولهذا السبب أجرت «يوتيوب» تغييرات على سياسة الدفع لصناع المحتوى فيما يخص المقاطع القصيرة، وذلك عبر السماح لهم بالحصول على حصة من الأرباح الناتجة عن الإعلانات المعروضة على المحتوى الخاص بهم، بدلاً من التمويل المباشر. ووفق «يوتيوب»، فإن 45 في المائة من أرباح الفيديو القصير ستذهب لصناع المحتوى.
وحول هذا الموضوع، علّق محمد عاطف، وهو متخصص في الإعلام الرقمي بدولة الإمارات العربية المتحدة، معتبراً أن «نموذج الدفع المباشر الذي اتبعته المنصات مع إطلاق خدمات المقاطع القصيرة لن يضمن لها الاستمرارية». وأردف، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، موضحاً أنه «في فبراير (شباط) الماضي، أعلنت (فيسبوك) عن تقديم مليار دولار دعماً لمنشئي المحتوى (ما يصل إلى 35 ألف دولار لكل صانع محتوى) إلا أن هذا طُبّق فقط في كندا وأميركا والمكسيك وبعض الدول الأوروبية، ولم يصل إلى العالم العربي أو أي مكان آخر». وتابع: «وفي الوقت عينه أعلنت منصة (فيسبوك) عن التوسّع في المستحقين للأرباح من مواد الفيديو القصيرة، بيد أن الأمر اقتصر أيضاً على مَن هم داخل كندا وأميركا والمكسيك، ومن ثم لم تحقق أهدافاً شاملة تضمن الاستمرارية».
وعن سبب استمرار الربح من المقاطع الطويلة، يشرح عاطف أن النموذج المعمول به أكثر استدامة. ويضيف: «المقاطع الطويلة تعتمد على النموذج الربحي من الإعلانات. وكلما ازداد وقت الفيديو أتيح المزيد من عرض الإعلانات، وبالتالي تحقيق أرباح أكثر، بخلاف المقاطع القصيرة التي لا تحقق إعلانات من الأساس حالياً. وبشكل عام، فإن أنسب محتوى لـ(فيسبوك) من أجل ضمان تحقيق أرباح جيدة زيادة وقت الفيديو المنشور عليه لأكثر من 3 دقائق، ولـ(يوتيوب) لأكثر 8 دقائق... وبذلك يضمن تحقيق أكبر معدلات الأرباح في المنصتَيْن».
وعلى أي حال، يرى خبراء أن التطبيق الأعلى من حيث تحقيق الأرباح هو تطبيق منصة «إنستغرام» يليه «يوتيوب». وهنا يشرح عاطف أن ما يميز النموذج الربحي لـ«إنستغرام» أنه لا يعتمد على الأرباح المباشرة مثل «يوتيوب»، بل تأتي من شراكات دعائية وإعلانات مباشرة أو غير مباشرة بين المنصة والمعلن والناشر، أو حتى في عدم وجود المنصة من الأصل في الصورة، بخلاف «يوتيوب» الذي تعتمد أرباحه على الإعلانات المباشرة فقط.
على صعيد موازٍ، كشفت شركة «ألفابيت» مالكة «يوتيوب»، في فبراير الماضي، عن تراجع عائد الإعلانات بقيمة 8 في المائة خلال الربع الأخير من العام الماضي. وقال سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي للشركة، في تصريحات لوسائل إعلام أميركية، إنه في حين يعاني العالم من أزمة اقتصادية ألقت بظلالها على التراجع الإجمالي في الإنفاق الإعلاني، تواجه «يوتيوب» منافسة شديدة من «تيك توك» في مقاطع الفيديو القصيرة، التي باتت تحقق 50 مليار مشاهدة يومياً، ما يعني أنها ستكون مسار اهتمام الشركة.
وبالفعل، يشير خبراء إلى أنه رغم بزوغ نجم «تيك توك» بين المنصّات، وإشعاله منافسة شديدة؛ فهو يحقّق لصناع المحتوى الشهرة فقط، وليس الربح، مقارنة بالمنصات الأخرى. ولدى العودة إلى محمد عاطف، فإنه يثير نقطتين في هذا الصدد، بقوله: «النقطة الأولى أن (تيك توك) مجرد مَعبَر لصانع المحتوى يحقق له الشهرة والرّواج في وقت قياسي، وهذا ينعكس على وجود صانع المحتوى على منصات أخرى، مثل (إنستغرام) و(يوتيوب). وبالتالي، عليك الآن أن تبدأ من (تيك توك)، لأنه يوفر لك القاعدة الجماهيرية العريضة التي تحتاج إليها لبناء جمهورك». ويضيف: «أما النقطة الثانية، فهي أن (تيك توك) أدرك خطورة هذا الأمر، فأطلق (برنامج الإبداع) Creativity Program، بهدف دعم صناع المحتوى وتوفير أرباح مناسبة لهم، كي لا يخسرهم لمنصات أخرى منافسة».
وهنا، يقول الكاتب الإماراتي عبد العزيز سلطان، الحاصل على ماجستير في «دور استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الجهات الحكومية»، إن «الاعتماد على جذب المعلنين لتعزيز النماذج الربحية، سواء للمقاطع القصيرة أو الطويلة، لم يعد الرهان المضمون». وتابع سلطان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «(تيك توك) أشعل المنافسة، ودفع بالمقاطع القصيرة كلاعب أساسي في مجال صناعة المحتوى... وهذا لن يتراجع للخلف؛ كونه قيمة مضافة لصناع المحتوى دعت للتطوير، وإن كان على المنصات أن تدفع بنماذج ربحية مشجعة».
ويرى الكاتب الإماراتي أن كفة المقاطع الطويلة ما زالت راجحة «وثمة قنوات على (يوتيوب) تحقق ملايين المشاهدات بفضل مقاطع مصورة طويلة للغاية، وكذلك مقاطع (البودكاست) الطويلة التي تمتد لساعات، مثل قناة (الصندوق الأسود الكويتي)، وكذلك قناة (ثمانية)». ويرهن سلطان استمرارية الإقبال على المقاطع الطويلة بالجودة والمنفعة. ويوضح: «مهما تغيرت الأدوات، يظل المستخدم يبحث عن محتوى يضيف له، حتى المتعة... ربما يميل إلى المحتوى الطويل الذي يشغل وقته». ويلمّح إلى أن على منصات التواصل الرهان على جودة المحتوى لا جذب المعلنين أو تغييرات النماذج الربحية فحسب. وحقاً، يتفق العديد من الخبراء على أن المقاطع القصيرة لن تموت، لكنها ستحتاج إلى الاستثمار بشكل أفضل. ويدلل الكاتب الإماراتي على ذلك قائلاً: «المقاطع القصيرة باقية، وستحقق أرباحاً إذا اعتنت المنصات بالخدمة الفنية وجودة المحتوى... غير أن هذا سيكون جنباً إلى جنب مع المقاطع الطويلة التي ما زالت المفضَّلة للمستخدم».


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».