مخاطر السياحة البيئية والاستحواذ على الأراضي

مخاطر السياحة البيئية والاستحواذ على الأراضي
TT

مخاطر السياحة البيئية والاستحواذ على الأراضي

مخاطر السياحة البيئية والاستحواذ على الأراضي

السياحة البيئية كان الموضوع المفضّل للعديد من المجلات العلمية التي صدرت في مطلع شهر مارس (آذار). وتُعتبر السياحة البيئية سلاحاً ذا حدّين، فهي تمثّل مصدر تمويل لدعم الحفاظ على الموائل والأنواع الحيّة، وقد تُلحق ضرراً إذا ساءت إدارتها. أما أبرز القضايا التي أثارتها المجلات فهي «فورة» الاستحواذ على الأراضي التي حذّرت منها مجلة «ساينس»، ومخاطرها على الموارد الطبيعية والمجتمعات.
«ناشيونال جيوغرافيك»
عرضت «ناشيونال جيوغرافيك» (National Geographic) أبرز المشاكل البيئية التي يعاني منها شاطئ جزر أبوسل في ولاية ويسكونسن الأميركية. ويمثّل هذا الموقع متنزهاً وطنياً يشمل شطآن 21 جزيرة تقع في بحيرة سوبيريور شمال الولايات المتحدة، ويشتهر بمجموعته من المنارات التاريخية، وكهوف البحر المنحوتة في الحجر الرملي، وغاباته القديمة، وتنوّعه الحيوي الذي يضم الغزلان ذات الذيل الأبيض والدببة السوداء والثعالب الحمراء والذئاب. ورغم أن الموقع موضوع تحت نطاق الحماية، فإنَّه يتعرّض لتهديدات السياحة الكثيفة، وتغيُّر المناخ الذي تتجلى آثاره في العواصف العنيفة التي تسبب تآكل السواحل، وزيادة كمية الرواسب في البحيرة، وتكاثر الطحالب.
«نيو ساينتست»
أعلنت «نيو ساينتست» (New Scientist) انضمامها إلى حملة ترفع شعار «حافظوا على أنهار بريطانيا». وتُشير المجلة إلى تقرير الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، الذي خلص في عام 2016 إلى أن الأنهار في المملكة المتحدة وآيرلندا لم تنجُ من التأثير المدمِّر، المباشر أو غير المباشر، للبشر، رغم أن المملكة المتحدة أصدرت العديد من التشريعات لحماية أنهارها. وتتعرّض المجاري المائية في بريطانيا لتغيير مساراتها عبر أقنية خرسانية، كما تُلقى فيها النفايات ومياه الصرف الصحي غير المعالج، وتتسرب إليها المبيدات الحشرية ومنصرفات المزارع والمناجم القديمة. وفيما تمثّل الأنهار والأراضي الرطبة جزءاً صغيراً من سطح الأرض، إلا أنها موئل لنحو 40 في المائة من النباتات والحيوانات، وفقاً للأمم المتحدة.
«ساينس»
حذّرت «ساينس» (Science) من توسّع غير مسبوق في استثمارات الأراضي العابرة للحدود الوطنية والمخاوف من موجة استعمارية جديدة من «الاستيلاء» على الأراضي والمياه في دُوَل الجنوب. وتشير المجلة إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيؤدي إلى اندفاعة عالمية جديدة للاستحواذ على الأراضي كتلك، التي جرت في عام 2008 تحت ضغط تغيُّر المناخ، وإنتاج الغذاء، والتمويل الدولي. ويُشير تقدير محافظ إلى أن أكثر من 45 مليون هكتار من الأراضي، أي ما يقارب مساحة السويد أو المغرب، تم الحصول عليها من خلال صفقات الاستثمارات الأجنبية للإنتاج الزراعي منذ مطلع الألفية. وتشمل الآثار الضارة لعمليات استحواذ الأراضي خصخصة المصادر المائية وإزالة الغابات وزيادة استهلاك الطاقة وانعدام الأمن الغذائي، إلى جانب مجموعة من الآثار الاجتماعية والسياسية، كانخفاض العمالة ونزع الملكية.
«ساينس إيلوستريتد»
قارنت «ساينس إيلوستريتد» (Science Illustrated) بين توربينات الرياح التقليدية والتوربينات ذات المحور العمودي في كفاءة حصاد الطاقة من الرياح. وتُعتبر طاقة الرياح واحدة من أكبر مصادر الطاقة الخضراء. وفيما تزداد التوربينات التقليدية ارتفاعاً وضخامة، تبرز التوربينات ذات المحور العمودي التي تشبه خفّاقة الطعام كمُنافس جدير بالاهتمام. وتعتمد خطة الاتحاد الأوروبي ليصبح محايداً مناخياً بحلول 2050 على توليد توربينات الرياح نصف كمية الطاقة المتجددة، فيما تستحوذ الرياح على 9 في المائة من الطاقة التي جرى توليدها في أستراليا مؤخراً.
«ساينتفك أميركان»
تناولت «ساينتفك أميركان» (Scientific American) في مقالين منفصلين آفاق النمو السكّاني العالمي بعد تجاوز عدد البشر حاجز 8 مليارات نسمة في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. وتُشير المجلة إلى أن النمو السكّاني العالمي ظل ثابتاً خلال العقود القليلة الماضية، حيث كان عدد البشر يزداد بمعدل مليار شخص كل اثني عشر عاماً أو نحو ذلك. ويتوقع الخبراء حصول تباطؤ كبير في معدل النمو السكاني عالمياً مع تلاشي فجوة معدلات المواليد بين الدول الغنية والدول الفقيرة. ورغم ضعف النمو السكاني في الدول الغنية، فإنَّ مواطني هذه الدول يميلون إلى استهلاك المزيد من الموارد، مما يرفع بصمتهم البيئية بشكل كبير.
«ديسكفر»
ناقشت «ديسكفر» (Discover) الجوانب الإيجابية والسلبية للسياحة البيئية. وتدعم السياحة البيئية جزئياً جهود الحفاظ على الموائل الطبيعية والأنواع الحية، من خلال توجيه بعض الإيرادات لصالح النظام البيئي والمجتمع المحلي. وفي المقابل تزيد حركة المرور المفرطة وسوء الاستخدام من الضغوط على الأماكن المحمية، وقد تشكّل خطراً على الأنواع المهددة بالانقراض، أو تدعم حمايتها. وكانت دراسة، نُشرت عام 2016. ربطت بين السياحة البيئية وحصول زيادة في أعداد بعض الأنواع المهددة بالانقراض في سومطرة، بما فيها الأورانغوتان، في مقابل مقايضة ذات آثار سلبية على الموائل والأنواع الأخرى.
«ساينس نيوز»
اختارت «ساينس نيوز» (Science News) التجارة بالأحافير موضوعاً لغلافها. وكان مزاد علني في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 لبيع هيكل عظمي خاص بديناصور «تي ريكس» حطّم الأرقام القياسية عندما بلغت قيمة الهيكل المبيع 31.8 مليون دولار. وتبدو المؤسسات العلمية عاجزة أمام شراء الأحافير والمستحاثات التي تدخل دور المزادات العلنية ويتنافس على شرائها الأثرياء كأعمال فنية نادرة. وتشير التقديرات إلى وجود نحو 120 أحفورة معروفة لديناصور «تي ريكس»، وأكثر من نصفها مملوك للقطاع الخاص. ويحتاج الباحثون إلى ما بين 70 و100 عيّنة جيدة للتحليلات المهمة إحصائياً، وهو عدد غير متاح للعلماء حالياً.
«هاو إت ووركس»
حاولت «هاو إت ووركس» (How It Works) استعراض التحوّلات التي طرأت على الذئاب خلال مرحلة تدجينها ككلاب أليفة من قِبَل البشر. وتشير تجربة مماثلة، أجراها علماء روس في خمسينيات القرن الماضي لتدجين ثعالب فضية برية على مدار 40 عاماً، إلى حصول تحوّلات شكلية في الحيوانات المدجّنة وتراجع إفرازها هرمون الأدرينالين، مما أنقص خوفها من البشر. وتوجد العديد من السِمات الفيزيائية التي تتباين بين الذئاب والكلاب، كتفضيل الذئاب العواء بدل النباح مثلما تفعل الكلاب، وتمتع الذئاب بحجم دماغ أكبر من الكلاب.



فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة

فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة
TT

فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة

فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة

أفاد باحثون بأن فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة، إذ إنه مع انتشار فيروس إنفلونزا خطير، هو «إتش 5 إن1»، بين قطعان الأبقار والدواجن في الولايات المتحدة هذا العام، يراقب العلماء الأوضاع لمعرفة ما إذا كان التهديد سيتصاعد.

وأفاد تقرير لشبكة «سي إن إن» بأن مئات الآلاف من الطيور الساحلية المهاجرة تهبط على شواطئ خليج ديلاوير في أميركا؛ لتتغذى على البيض الغني بالبروتين والدهون. وعلى مدار الأسبوع، تضاعف بعض الطيور وزنها استعداداً لاستئناف رحلاتها بين أميركا الجنوبية ومناطق تكاثرها الصيفية في القطب الشمالي. يتوقف هناك ما يصل إلى 25 نوعاً مختلفاً من الطيور كل ربيع. وعدَّ الباحثون أن هذه الطيور كنز ثمين للعلماء الذين يتطلعون إلى وقف الوباء التالي.

وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة باميلا ماكنزي، مشيرةً إلى شريكها البحثي، باتريك سيلر: «إنه كنز ثمين هنا». وماكنزي وسيلر جزء من فريق مموَّل من المعاهد الوطنية للصحة في مستشفى (سانت غود) لأبحاث الأطفال والذي كان يأتي إلى الشواطئ القريبة من هنا منذ ما يقرب من 40 عاماً لجمع فضلات الطيور.

والمشروع هو من بنات أفكار الدكتور روبرت وبستر، عالم الفيروسات النيوزيلندي الذي كان أول من فهم أن فيروسات الإنفلونزا تأتي من أمعاء الطيور. ويقول ويبستر، الذي يبلغ من العمر الآن 92 عاماً ومتقاعد ولكنه لا يزال يشارك في رحلة جمع الطيور عندما يستطيع: «لقد أذهلنا الأمر إلى حد كبير. فبدلاً من أن يكون الفيروس موجوداً في الجهاز التنفسي، حيث كنا نعتقد، فإنه يتكاثر في الجهاز المعوي، وكانت الطيور تتبرزه في الماء وتنشره».

وتمتلئ فضلات الطيور المصابة بالفيروسات. ومن بين جميع الأنواع الفرعية المعروفة من الإنفلونزا، تم العثور على جميع الأنواع الفرعية باستثناء نوعين في الطيور. أما النوعان الفرعيان الآخران فقد تم العثور عليهما في الخفافيش فقط.

في أول رحلة له إلى خليج ديلاوير في عام 1985، وجد ويبستر وفريقه أن 20 في المائة من عينات فضلات الطيور التي أحضروها معهم تحتوي على فيروسات الإنفلونزا، وأدركوا أن المنطقة كانت مرصداً مثالياً لتتبع فيروسات الإنفلونزا في أثناء انتقالها بين الطيور على طول مسار الطيران الأطلسي، الذي يمتد بين أميركا الجنوبية والدائرة القطبية الشمالية في شمال كندا. وأفاد التقرير بأن العثور على فيروس إنفلونزا جديد قد يعطي العالم إنذاراً مبكراً بالعدوى القادمة.

وأصبح هذا المشروع واحداً من أطول مشاريع أخذ عينات الإنفلونزا من نفس مجموعات الطيور في أي مكان في العالم، كما قال الدكتور ريتشارد ويبي، الذي تولى إدارة المشروع الذي بدأه ويبستر. ويدير ويبي مركز التعاون التابع لمنظمة الصحة العالمية للدراسات حول بيئة الإنفلونزا في الحيوانات في «سانت غود».

ويوضح ويبي أن التنبؤ بالأوبئة يشبه إلى حد ما محاولة التنبؤ بالأعاصير. ويقول ويبي: «للتنبؤ بالأشياء السيئة، سواء كانت إعصاراً أو جائحة، عليك أن تفهم الوضع الطبيعي الآن. ومن هناك يمكننا اكتشاف متى تكون الأشياء مختلفة، ومتى تغير المضيفين وما الذي يحرّك هذه التحولات».

فيروس يظهر لأول مرة في الأبقار

وقبل بضعة أشهر من وصول فريق «سانت غود» إلى كيب ماي، هذا العام، ظهر فيروس «إتش 5 إن1» لأول مرة في الأبقار الحلوب في تكساس، ولقد أدى اكتشاف أن الفيروس يمكن أن يصيب الأبقار إلى وضع خبراء الإنفلونزا، بمن في ذلك ويبي، في حالة تأهب. لم تنتشر فيروسات الإنفلونزا من النوع أ مثل «إتش 5 إن1» من قبل بين الأبقار.

وتابع العلماء فيروس «إتش 5 إن1» لأكثر من عقدين من الزمان. بعض فيروسات الإنفلونزا لا تسبب أي أعراض أو أعراض خفيفة فقط عندما تصيب الطيور. تسمى هذه الفيروسات إنفلونزا الطيور منخفضة الضراوة. الذي يجعل الطيور مريضة للغاية، يسمى HPAI، وهو يدمر قطعان الطيور التي تتم تربيتها في المزارع مثل الدجاج والديك الرومي. في الولايات المتحدة، يتم إعدام القطعان المصابة بمجرد التعرف على الفيروس، لمنع انتشار العدوى وتخفيف معاناة الطيور.

الإعدامات ليست الحل... الفيروسات تطوِّر نفسها

وهذه ليست المرة الأولى التي يضطر فيها المزارعون الأميركيون إلى التعامل مع إنفلونزا الطيور شديدة العدوى. ففي عام 2014، جلبت الطيور المهاجرة من أوروبا فيروسات «إتش 5 إن8» إلى أميركا الشمالية. وأوقفت عمليات الإعدام العدوانية، التي أسفرت عن نفوق أكثر من 50 مليون طائر، تفشي هذا الفيروس وظلت الولايات المتحدة خالية من فيروسات إنفلونزا الطيور شديدة العدوى لسنوات.

ولكن نفس الاستراتيجية لم توقف انتشار فيروس «إتش 5 إن1»، فقد وصل الفيروس إلى الولايات المتحدة في أواخر عام 2021، وعلى الرغم من عمليات الإعدام لقطعان الدواجن المصابة، فقد استمر الفيروس في الانتشار. وفي العامين الماضيين، طوَّرت فيروسات «إتش 5 إن1» أيضاً القدرة على إصابة مجموعة متنامية من الثدييات مثل القطط والثعالب وثعالب الماء وأسود البحر، مما يجعلها أقرب إلى الانتشار بسهولة بين البشر.

يمكن لفيروسات «إتش 5 إن1» أن تصيب البشر، لكن هذه العدوى لا تنتقل من شخص إلى آخر حتى الآن؛ لأن الخلايا في أنفنا وحلقنا ورئتينا لها مستقبلات مختلفة قليلاً عن الخلايا التي تبطن رئات الطيور، ولكن الأمر لن يتطلب الكثير لتغيير ذلك. فقد وجدت دراسة حديثة نشرت في مجلة «ساينس» أن تغييراً رئيسياً واحداً في الحمض النووي للفيروس من شأنه أن يسمح له بالالتحام بخلايا في الرئتين البشرية، وفق «سي إن إن».

ولم يسبق لفريق كيب ماي أن وجد فيروس «إتش 5 إن1» في الطيور التي أخذوا عينات منها هناك. ولكن مع انتشار الفيروس بين الأبقار في عدة ولايات، تساءلوا: أين قد يكون موجوداً في مكان آخر. هل وصل إلى هذه الطيور أيضاً؟

خطا ماكنزي وسيلر بحذر شديد على الشاطئ الموحل في الربيع الماضي مرتديين أحذية وقفازات وأقنعة للوجه. وكانت جيوبهما مليئة بعشرات المسحات التي استخدماها لاستخراج ذرق الطيور الأبيض الطازج من الرمال ووضعه في قوارير بلاستيكية حشراها بمهارة بين أصابعهما. ثم عادت القوارير إلى صَوَانٍ تم تكديسها بدقة في مبرِّد بيج اللون حمله سيلر على كتفه في أثناء تحركه على طول الشاطئ. وعلى مدار أسبوع، جمع الفريق ما بين 800 و1000 عينة.

سيتم تسلسل أي فيروسات إنفلونزا في العينات -ستتم قراءة الأحرف الدقيقة للرمز الجيني للفيروسات- وتحميلها إلى قاعدة بيانات دولية، وهي نوع من مكتبة مرجعية تساعد العلماء على تتبع سلالات الإنفلونزا في أثناء دورانها حول العالم.

يتمثل هدف الباحثين في فحص العينات في الميدان بسرعة لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على فيروسات الإنفلونزا أم لا. كل عام، تحتوي نحو 10 في المائة من العينات التي يحضرونها على فيروسات الإنفلونزا. إذا تمكنت من إرسال العينات الإيجابية فقط إلى المختبر، فيمكن معالجتها بشكل أسرع.

ويخلص الباحثون إلى أن الطيور البرِّية تشكل مستودعاً ناشئاً للفيروس في أميركا الشمالية، وأن مراقبة الطيور المهاجرة تشكل أهمية بالغة لمنع تفشي المرض في المستقبل.

ويقول ويبي وفريقه إنهم يخططون لمواصلة عمليات المراقبة. وفي مايو (أيار)، عندما يشرق القمر المكتمل الأول فوق خليج ديلاوير، سوف يعودون لفعل نفس الشيء مرة أخرى.