الزلزال... حطّم الكبار وكبّر الصغار في شمال غربي سوريا

أطفال يقومون بأعمال الكبار في مركز دير بلوط بالقرب من جنديرس (الشرق الأوسط)
أطفال يقومون بأعمال الكبار في مركز دير بلوط بالقرب من جنديرس (الشرق الأوسط)
TT

الزلزال... حطّم الكبار وكبّر الصغار في شمال غربي سوريا

أطفال يقومون بأعمال الكبار في مركز دير بلوط بالقرب من جنديرس (الشرق الأوسط)
أطفال يقومون بأعمال الكبار في مركز دير بلوط بالقرب من جنديرس (الشرق الأوسط)

بين ليلة وضحاها، وبيدين لا تقويان على مصاعب الحياة بعدُ، وتداعيات زلزال دمر كل شيء حتى أحلام الصغار؛ وجدت الطفلة غصون نفسها في خيمة بأحد المراكز لإيواء المتضررين بالزلزال قرب جنديرس...
تعمل وكأنها ربة أسرة صغيرة. تقوم بأعمال الكنس وغسيل الأواني والملابس والعناية بإخوتها الصغار، في حين أن والدتها التي فقدت زوجها بقصف سابق، ترقد على فراشها تصارع أوجاع جراحها وجسدها الذي حطمته جدران منزلها عند انهياره بالزلزال المدمر عليها، وتسبب لها بكسور وجروح عميقة.
وتقول غصون ذات الـ9 أعوام، بكلمات غلبت عليها العفوية وبراءة الطفولة، وهي تمسك بقطعة إسفنج وتقوم بتنظيف الصحون إلى جانب الخيمة، وأختها الصغرى تساعدها: «واجبي تجاه أمي وهي تعاني من كسور في يدها اليمنى وساقها ولا تقوى على النهوض، هو مساعدتها في قضاء حاجتها والعناية بإخوتي الأربعة الصغار، وأنا أكبرهم، بداية من تنظيف الخيمة التي نؤوي إليها، وتنظيف الصحون وغسيل الملابس، وصولاً إلى تغطيتهم أثناء النوم، وأساعد أمي في تناول الطعام والأدوية حتى تتماثل للشفاء في أقرب وقت».
ومع العيش في خيمة تفتقر لمقومات الحياة، تعاني غصون من صعوبات كبيرة في إعانتها لإخوتها وأمها؛ إذ لا مكان مخصصاً للطبخ أو لتنظيف الصحون والأواني، ولا غسالة ملابس، وكل تلك الأعمال تقوم بها على الأرض خارج الخيمة، بعد جلب كمية من المياه بوعاء يتسع لـ10 لترات من خزان يبعد عن خيمتهم 50 متراً.
وفي مركز عفرين لإيواء منكوبي الزلزال، يمضي الطفل محمد نحو نصف الساعة وهو يصارع في الطوابير على أبواب الخيام المخصصة لطهي الطعام وتوزيعه على المنكوبين، أو تلك الخاصة بتقديم الأدوية المجانية للجرحى والمصابين، وذلك لتأمين الطعام والأدوية لوالديه وأخيه الصغير، الذين لا يقدرون على النهوض بعد إصابتهم بجروح بالغة إثر الزلزال.
ويقول محمد (12 عاماً): «قليل جداً ما أقوم به لأبي وأمي من تأمين الطعام والشراب والأدوية لهم، مقابل ما قاموا به من أجل إنقاذي وإخوتي الخمسة أثناء حدوث الزلزال، وإخراجنا من المنزل قبيل انهيار أجزاء كبيرة منه عليهم، في حين كانوا حينها يحاولون إنقاذ أخي الصغير... الحمد لله على كل شيء».
ولم يكتفِ محمد بهذا الحد من الخدمات لوالديه، وإنما ذهب إلى عقد «اتفاق» مع أحد العاملين في إدارة المركز، لجلب كمية من قطع الحلوى والبسكويت يومياً من مدينة عفرين لبيعها للأطفال المنكوبين، ليحصل على ربح يؤمّن من خلاله ما تفتقده صيدليات المركز المجانية من أدوية لوالديه، ريثما يتماثل الأب للشفاء ويصبح قادراً على العمل مجدداً.
وفي جولة ميدانية، ضمن مراكز إيواء أنشأتها منظمات إنسانية دولية وأخرى خيرية، لإيواء المنكوبين والمتضررين الذين دُمرت منازلهم أو تصدعت وباتت غير صالحة للسكن؛ رصدت «الشرق الأوسط» المحاولات المريرة للعائلات المنكوبة، للتأقلم مع الحياة الجديدة ضمن الخيام، وبعيداً عن منازلها المدمرة.
في مخيم دير بلوط الذي أنشأه فاعلو خير من دولة الكويت، يجلس أبو صالح، وهو أحد المنكوبين من الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة، على كرسي، وتلف أجزاء من جسده وقدميه كميات من الشاش الأبيض نتيجة إصابات بالغة بالزلزال، في حين تقوم زوجته وأطفالهما الصغار بالعمل على تثبيت جدران الخيمة البلاستيكية، وتقوية جوانبها بالحجارة والرمال، لضمان ثباتها أمام الرياح وعدم دخول الحشرات الضارة إليهم.
ويقول أبو صالح (42 عاماً)، إنه سيخضع للعلاج لفترة قدرها الأطباء بنحو 6 أشهر، نظراً لحجم الإصابات البالغة التي تعرض لها، وأخطرها الكسر في الجمجمة وتهشم عظام ساقيه، لسقوط أحد الأعمدة عليه، عندما حاول إنقاذ أسرة أخيه، بعد إنقاذه لأسرته.
ويضيف: «إذا لم تضع الجهات المحلية المسؤولة والمنظمات الإنسانية، خططاً لمساعدة المتضررين، وبخاصة المصابون بالزلزال، أثناء فترة العلاج، فحتماً سيتم الدفع بالأطفال للعمل بأي شيء مقابل تأمين المال من أجل المستلزمات الحياتية اليومية والدواء».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».