ما دلالة تقصي «الصحة العالمية» عن احتمالية انتقال «إنفلونزا الطيور» بين البشر؟

بعد وفاة طفلة كمبودية بالفيروس وإصابة والدها

 عامل يحمل الطيور بأحد أسواق كمبوديا( غيتي)
عامل يحمل الطيور بأحد أسواق كمبوديا( غيتي)
TT

ما دلالة تقصي «الصحة العالمية» عن احتمالية انتقال «إنفلونزا الطيور» بين البشر؟

 عامل يحمل الطيور بأحد أسواق كمبوديا( غيتي)
عامل يحمل الطيور بأحد أسواق كمبوديا( غيتي)

ليس غريبا أن تنتقل الإنفلونزا من الطائر إلى الإنسان، فهذا معروف منذ عام 1997، وهي حالات تكون «نادرة» الحدوث، لكن الأمر «المثير للقلق»، والذي يحظى باهتمام ودراسة من جانب منظمة الصحة العالمية، هو احتمالية انتقالها من إنسان لآخر. وذلك بعد أن توفيت فتاة من كمبوديا جراء الإصابة بسلالة إنفلونزا الطيور «H5N1»، وكشف تقصي المخالطين لها، عن إصابة والدها بالفيروس دون أعراض.
وقالت سيلفي برياند، مديرة التأهب والوقاية من الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية، في مؤتمر صحافي افتراضي (السبت)، إن «ثبوت إصابة والد الفتاة الكمبودية يثير مخاوف من انتقال العدوى من إنسان لآخر».
وأوضحت أن «حالات الإصابة بإنفلونزا الطيور بين البشر كانت متقطعة حتى الآن، ولكن وجود عدد من الإصابات المحتملة المحيطة بفتاة كمبوديا، يثير تساؤلات بشأن إمكانية انتقال المرض من فرد لآخر، الأمر الذي يثير القلق». وأشارت إلى أن «المنظمة على اتصال وثيق بالسلطات الكمبودية لمتابعة نتائج الاختبارات الخاصة بالمخالطين للفتاة، لتحديد ما إذا كانت الفتاة والأب قد تعرضا لطيور مصابة، أم أن الفتاة تسببت في عدوى الأب أو العكس».
وحالة الطفلة الكمبودية «ليست الأولى» التي تثير مخاوف انتقال الفيروس من إنسان لآخر، لكنها جددت مخاوف أثيرت عام 2003، وكان «مرور الوقت كافيا لتبديدها»، كما يوضح محمد أحمد، أستاذ الفيروسات بالمركز القومي للبحوث بمصر لـ«الشرق الأوسط». ويقول إنه «في عام 2003، تم تسجيل انتقال لفيروس إنفلونزا الطيور من إنسان لآخر داخل عائلة واحدة في الصين، ولكن لم يتم تسجيل حدث شبيه منذ ذلك التاريخ، لذلك لا يميل الخبراء عند الحديث عن إنفلونزا الطيور إلى التعويل كثيرا على تلك الحالة الصينية التي لم تتكرر».
لكنه يضيف أن «الحالة الكمبودية تأتي في سياق تفشٍ غير مسبوق لنوع جديد من سلالة إنفلونزا الطيور «H5N1»، وهو ما يثير مخاوف من أنه قد تكون هناك طفرات حدثت تسببت في هذا الانتقال».
وعادة ما يكون تفشي المرض في الحيوانات في غضون موسم واحد، لكن هذه المرة «استمر المرض لبعض الوقت»، حيث «لا يزال مستمرا منذ عام 2021، ما تسبب في نفوق ملايين الطيور حول العالم، منها 58 مليون طائر في الولايات المتحدة».
ويقول أحمد إن «التفشي الحالي الناجم عن نوع جديد شديد العدوى من H5N1لا يظهر أي علامات على التباطؤ، ومع اقتراب موسم الهجرة، ستكون هناك فرصة لمزيد من الانتشار». ورغم أنه «مع الفاشية الحالية لم يصب سوى 10 حالات بشرية موثقة، واحدة منها في الولايات المتحدة، إلا أن الحالة الكمبودية تثير قلق» ميغان فروست ديفيس، عالمة الأوبئة بجامعة جونز هوبكنز. وتقول ميغان في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة (السبت)، إنه «بسبب ما هو معروف عن تحور سلالات الإنفلونزا، فقد نكون على موعد مع تحور أكثر خطرا، يساعد على انتقال الفيروس من إنسان لآخر».
والسبب الآخر الذي أثار قلق ميغان، هو انتقال الفيروس في الفاشية الحالية لعدد أكبر من الثدييات، حيث تم تسجيل إصابات خلال الفاشية الحالية بين الثعالب والدببة والمنك والحيتان والفقمات.
وتقول ميغان إنه «من منظور الصحة العامة، هناك قلق دائم بشأن أي عامل معدٍ لديه القدرة على الانتقال من نوع إلى نوع آخر، والخوف من أن تكون هذه الثدييات وسيطا لانتقال الفيروس من الطيور إلى الإنسان، وهو السبب الأرجح الذي انطلقت منه جائحة (كوفيد 19)».
وكان كبير العلماء في منظمة الصحة العالمية جيريمي فارار، قد دعا في وقت سابق من هذا الأسبوع حكومات العالم إلى الاستثمار في لقاحات (H5N1)، استعدادا لما أسماه بـ«التفشي المحتمل بين البشر». وقال لمجلة «بي إم جي»، إن الانتشار الواسع للفيروس بين الطيور والثدييات، هو الطريقة المثلى «لخلق شيء سيئ».
وقدر ريتشارد ويبي، رئيس مركز منظمة الصحة العالمية، في المؤتمر الصحافي الافتراضي للمنظمة (السبت)، «حاجة العالم لخمسة أو ستة أشهر لإنتاج لقاحات لسلالة (H5N1) المنتشرة حاليا».
وهناك ما يقرب من 20 لقاحا من لقاح إنفلونزا الطيور (H5) مرخصة للاستخدام الوبائي، لكن إنتاج لقاح جديد للسلالة الحالية قد يحتاج لبعض الوقت، كما أكد ويبي.



عقود من الرّيادة السعودية في فصل التوائم

TT

عقود من الرّيادة السعودية في فصل التوائم

جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)
جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)

بينما تتواصل جلسات «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»، بالعاصمة السعودية الرياض لليوم الثاني، أظهرت ردهات المكان، والمعرض المصاحب للمؤتمر بما يحتويه، تاريخاً من الريادة السعودية في هذا المجال على مدى 3 عقود، وفقاً لردود الفعل من شخصيات حاضرة وزوّار ومهتمّين.

جانب من المعرض المصاحب لـ«المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)

 

على الجهة اليُمنى من مدخل مقر المؤتمر، يكتظ المعرض المصاحب له بالزائرين، ويعرّج تجاهه معظم الداخلين إلى المؤتمر، قُبيل توجّههم لحضور الجلسات الحوارية، وبين مَن يلتقط الصور مع بعض التوائم الموجودين ويستمع لحديثٍ مع الأطباء والطواقم الطبية، برزت كثير من المشاعر التي باح بها لـ«الشرق الأوسط» عددٌ من أشهر حالات التوائم السياميّة التي نجحت السعودية في عمليات فصلها خلال السنوات الأخيرة.

 

«أعمل في المستشفى حيث أُجريت عملية فصلنا»

السودانيتان التوأم هبة وسماح، من أوائل التوائم الذين أُجريت لهم عمليات الفصل قبل 3 عقود، وقد عبّرتا لـ«الشرق الأوسط» عن فخرهما بأنهما من أولى الحالات الذين أُجريت عملية فصلهما في السعودية.

قالت هبة عمر: «مَدّتنا عائلتنا بالقوة والعزيمة منذ إجرائنا العملية، وهذا الإنجاز الطبي العظيم ليس أمراً طارئاً على السعودية، وأرجو أن يجعل الله ذلك في ميزان حسنات قيادتها وشعبها».

 

التوأم السيامي السوداني هبة وسماح (تصوير: تركي العقيلي)

أما شقيقتها سماح عمر فتضيف فصلاً آخر من القصة :«لم نكن نعرف أننا توأم سيامي إلّا في وقت لاحق بعد تجاوزنا عمر الـ10 سنوات وبعدما رأينا عن طريق الصّدفة صورة قديمة لنا وأخبرنا والدنا، الذي كافح معنا، بذلك وعاملنا معاملة الأطفال الطبيعيين»، وتابعت: «فخورون نحن بتجربتنا، وقد واصلنا حياتنا بشكل طبيعي في السعودية، وتعلّمنا فيها حتى أنهينا الدراسة الجامعية بجامعة المجمعة، وعُدنا إلى السودان عام 2020 شوقاً إلى العائلة ولوالدتنا»، وبعد اندلاع الحرب في السودان عادت سماح إلى السعودية لتعمل في «مستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث»، وهو المستشفى نفسه الذي أُجريت لها ولشقيقتها فيه عملية الفصل.

ووجهت سماح عبر «الشرق الأوسط» رسالةً إلى التوائم السيامية طالبتهم فيها باستكمال حياتهم بشكل طبيعي: «اهتموا بتعليمكم وصحتكم؛ لأن التعليم على وجه الخصوص هو الذي سيقوّيكم لمواجهة صعوبة الحياة».

 

«وجدتُ العلاج في السعودية»

بوجهين تغشاهما البراءة، ويشع منهما نور الحياة، بينما لا يتوقع من يراهما أن هاتين الطفلتين قد أجرتا عملية فصل؛ إذ تظهرا بصحة جيدة جداً، تقف الباكستانيتان التوأم فاطمة ومشاعل مع أبيهما الذي يتحدث نيابةً عنهما قائلاً :«بحثت في 8 مستشفيات عن علاج للحالة النادرة لفاطمة ومشاعل، ولم أنجح في مسعاي، وعندما رفعت طلباً إلى الجهات الصحية في السعودية، جاء أمر العلاج بعد شهرين، وتوجهت إلى السعودية مع تأشيرة وتذاكر سفر بالإضافة إلى العلاج المجاني. رافقتني حينها دعوات العائلة والأصدقاء من باكستان للسعودية وقيادتها على ما قدمته لنا».

التوأم السيامي الباكستاني فاطمة ومشاعل (تصوير: تركي العقيلي)

 

«السعودية بلد الخير (...) فاطمة ومشاعل الآن بأفضل صحة، وأصبحتا تعيشان بشكل طبيعي مثل أخواتهما الثلاث الأخريات»؛ يقول الوالد الباكستاني... «أشكر القيادة السعودية والشعب السعودي الطيب والدكتور عبد الله الربيعة على الرعاية التي تلقيناها منذ كان عمر ابنتيّ عاماً واحداً في 2016».

وقبل أن تغادرا الكاميرا، فاضت مشاعر فاطمة ومشاعل بصوتٍ واحد لميكروفون «الشرق الأوسط»: «نحن فاطمة ومشاعل من باكستان، ونشكر السعودية والملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والدكتور عبد الله الربيعة».

 

عُماني فخور بالسعودية

أما محمد الجرداني، والد العُمانيتين التوأم صفا ومروة، فلم يُخفِ شعوره العارم بالفخر بما وصلت إليه السعودية من استخدام التقنيات الحديثة في المجال الطبي حتى أصبحت رائدة في هذا المجال ومجالات أخرى، مضيفاً أن «صفا ومروة وُلد معهما شقيقهما يحيى، غير أنه كان منفرداً».

الجرداني وهو يسهب في الحديث لـ«الشرق الأوسط»، وسط اختلاط المشاعر الإنسانية على وجهه، أكّد أن صحة ابنتيه اليوم «في أفضل حالٍ بعدما أُجريت لهما عملية الفصل في السعودية عام 2007، وأصبحتا تمارسان حياتهما بأفضل طريقة، ووصلتا في دراستهما إلى المرحلة الثانوية»، وأضاف: «نعزو الفضل في ذلك بعد الله إلى الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، ثم الملك سلمان، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، اللذين واصلا المسيرة الإنسانية للسعودية... وصولاً إلى هذا المؤتمر، وتحديد يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عامٍ (يوماً للتوائم الملتصقة)».

الجرداني أشاد بجهود الدكتور عبد الله الربيعة في قيادة الفرق الطبية المختصة، وقال إنه «مدين بالشكر والعرفان لهذا المسؤول والطبيب والإنسان الرائع».

المؤتمر الذي يُسدَل الستار على أعماله الاثنين ينتشر في مقرّه وبالمعرض المصاحب له عدد من الزوايا التي تسلّط الضوء على تاريخ عمليات فصل التوائم، والتقنيات الطبية المستخدمة فيها، بالإضافة إلى استعراضٍ للقدرات والإمكانات الطبية الحديثة المرتبطة بهذا النوع من العمليات وبأنشطة «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية».