دعوة لمواجهة التغيرات الدولية بسياسات الأمن الاقتصادي

خبير سعودي يحدد مخاطر تهدد الدول من أبرزها التساهل بالتقنية والأمن السيبراني

جانب من محاضرة الدكتور المرزوقي التي وضعت إطاراً لارتباط الأمن الوطني بالأمن الاقتصادي (الشرق الأوسط)
جانب من محاضرة الدكتور المرزوقي التي وضعت إطاراً لارتباط الأمن الوطني بالأمن الاقتصادي (الشرق الأوسط)
TT

دعوة لمواجهة التغيرات الدولية بسياسات الأمن الاقتصادي

جانب من محاضرة الدكتور المرزوقي التي وضعت إطاراً لارتباط الأمن الوطني بالأمن الاقتصادي (الشرق الأوسط)
جانب من محاضرة الدكتور المرزوقي التي وضعت إطاراً لارتباط الأمن الوطني بالأمن الاقتصادي (الشرق الأوسط)

حدّد خبير اقتصادي سعودي مخاطر من شأنها أن تهدد الأمن الاقتصادي وتنعكس سلباً على الأمن الوطني، لافتاً إلى أن الأمن السيبراني الذي ظهر مع الثورة الصناعية والتحول للاقتصاد الرقمي أصبح أكثرها خطورة ويشكل التساهل فيه مخاطر وجودية لأي دولة في العالم.
ودعا الخبير الاقتصادي إلى أهمية الأخذ بالتنمية والنمو الشامل لتحقيق الأمن الاقتصادي الذي بات من أهم عوامل الأمن الوطني وسط التغيرات الهيكلية في النظام الدولي وتسارع العولمة الاقتصادية وتشابك العلاقات، مؤكداً على ارتباط النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية بالاستقرار السياسي.
وقال الدكتور رجا المرزوقي، أستاذ الاقتصاد المشارك وكبير المستشارين الاقتصاديين بوزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية، خلال محاضرة ألقاها أخيراً في معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية بالرياض، بعنوان «الأمن الاقتصادي وأهميته في الأمن الوطني في ظل التغيرات الدولية»، إن تلك المخاطر تتمحور حول الملكية والتجسس والوصول إلى المواقع الحساسة والمعلومات، ومخاطر التخريب، والكوارث الطبيعية، والاعتمادية غير المتوازنة بين الدول، واستغلال السلطة، والفساد والاحتيال، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
وأضاف الدكتور المرزوقي أن تلك المخاطر تحمّل اقتصاد الدول تكاليف اقتصادية وتؤثر سلباً في نموه، كما يتم تحميلها في نهاية المطاف على المستهلك، سواء جزء منها أم كلها بناء على معامل المرونة للقطاع.

متعدي الحدود
ولفت إلى التغيرات الهيكلية في النظام الدولي والعلاقات الاقتصادية، لا سيما مع تسارع العولمة الاقتصادية التي جاءت نتيجةً للتطورات في الاتصالات، ووسائل النقل، وانخفاض التكاليف، وثورة المعلومات، وتخفيض عوائق ومخاطر الاستثمار والتجارة، إلى جانب تحفيز الحكومات على تنافسية الدولة لجذب الاستثمارات وتشجيع الصادرات.
وأشار الدكتور المرزوقي إلى أن الواقع الدولي والترابط بين دول العالم والتأثير المتعدي للحدود، سهل من انتقال بعض تلك المخاطر بين الدول، وصعب من إمكانية تفاديها، أو العمل بمعزل عن العالم، لافتاً إلى أنه من الممكن تحسين التنبؤ بتلك المخاطر وتطوير أدوات المعالجة وأخذ الاحتياطات الضرورية لمثل تلك المخاطر العابرة للقارات.

تعريف المفهوم
وعَرج الدكتور المرزوقي خلال المحاضرة على مفهوم الأمن الاقتصادي وأهميته، مشيراً إلى أنه برز عالمياً بشكل أكبر، بعد الحرب العالمية الثانية وانتشار العولمة، التي أدت للاعتمادية المتبادلة بين دول العالم وإنشاء النظام العالمي لتحقيق الاستقرار وتقليل الحروب واستخدام القوة.
وزاد بأن الحكومات العالمية كانت تعتمد جزئياً على القوة العسكرية في تحقيق الأمن الاقتصادي، وشكلت القوة العسكرية المُحدد الأهم في تحقيق الأمن الوطني، وكان العالم قائماً على التصادم لتحقيق المصالح الاقتصادية، لارتباط مصالح البشر بها، إلا أنه تقلص استخدام القوة لتحقيق المصالح الاقتصادية خلال القرن الماضي، وأصبح استخدام السياسات الاقتصادية لتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني مع بقية دول العالم هو الأداة الأكثر فاعلية لتحقيق المكاسب الاقتصادية.
وحسب المرزوقي، أدت المتغيرات الدولية إلى تشابك العلاقات الدولية بين دول العالم من خلال نظام النقد الدولي، والاستثمارات الدولية وحركة رأس المال، وكذلك حركة رأس المال البشري وتنامي التجارة الدولية، موضحاً أن العولمة أدت إلى تلاشي الحدود الاقتصادية، والاعتمادية المتبادلة، ودوام البحث عن الكفاءة، وتسارع النمو في تجارة السلع الوسيطة (سلسلة القيمة المضافة، سلسلة العرض).

عناية الحكومات بالتقنية والأمن السيبراني عامل مهم في تعزيز الأمن الاقتصادي والوطني (الشرق الأوسط)

وأكد أستاذ الاقتصاد المشارك في «المعهد الدبلوماسي» أن تلك التغيرات في التعاون الدولي الاقتصادي ساهمت في تقليل الصراعات والحروب والاعتماد على تحسين التنافسية وفتح الأسواق، بالإضافة إلى الثورتين الصناعيتين الثانية والثالثة، وخاصة في الاتصالات والنقل والإنتاج، ما أدى إلى تسارع نمو الدخل الفردي العالمي بشكل غير مسبوق.
وأضاف المرزوقي أن النمو والتنمية الاقتصادية ضروريان لتحقيق نمو اقتصادي شامل واستمرار نمو الدخل الفردي وتقليل معدلات البطالة والفقر وتقليل الأعباء على الحكومة من الإنفاق المرتبط بالدعم، وتمكين الحكومة من تمويل متغيرات الأمن الأخرى (الاجتماعي، السيبراني، العسكري...)، مشيراً إلى أن ضعف قدرات الدولة اقتصادياً يشكل تهديداً وجودياً لها مهما كانت قدراتها العسكرية والسياسية.
ويوضح المرزوقي أن الأمن الوطني هو نتاج الأمن السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي، والسيبراني، والعسكري، وهو الأمر الذي يعظّم أهمية الأمن القومي لبقاء واستمرار الدولة؛ إذ يكون من أهم أهداف الحكومات التي تسعى لتحقيقها، مشدداً على أن الأمن الاقتصادي هو الأساس في هذه المنظومة.
ويضيف: «تأثير الأمن الاقتصادي على بقية عناصر الأمن أعلى من تأثير أي منها على الآخر، كما أنه يكاد يكون المتغير الأكثر تأثراً وتأثيراً بمتغيرات الأمن الأخرى، وذلك لارتباط النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية بالاستقرار السياسي والاجتماعي والأمن الداخلي، ووجود الحد الأدنى من القدرات العسكرية».
وبيّن المستشار الاقتصادي المرزوقي أن الدول التي ركزت على تحسين التنافسية والانفتاح على الاقتصاد العالمي حققت مكاسب اقتصادية في رفع مستوى الدخل لأفرادها وانخفاض البطالة والفقر، وارتفع نصيبها من الدخل العالمي الإجمالي، وزادت نسبة مساهمتها في الاقتصاد العالمي، وبالمقابل انخفضت نسبة مساهمة الدول المتقدمة اقتصادياً لصالح الدول الصاعدة والنامية، مشيراً إلى 5 متغيرات مهمة للأمن الاقتصادي، وهي استهلاك الغذاء، وإنتاج الغذاء، ومستوى المعيشة والدخل، وقدرة منظمات المجتمع المدني والحكومة لتلبية احتياجات الناس، ومدى قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية من الطعام والسكن والخدمات الصحية والتعليمية بشكل مستمر وآمن.
وبيَّن المرزوقي أن الأمن الاقتصادي يُقاس في منظور منظمة العمل الدولي على أساس 7 أشكال من الأمن المرتبط بالعمل، بما في ذلك الدخل وأسواق العمل والتوظيف والمهارات والعمل والوظائف والتمثيل، مشيراً إلى خطورة النمو الاقتصادي غير الشامل، إذ إنه متحيّز لفئة في المجتمع على حساب آخرين، ما يهدد الأمن الوطني ويؤدي لانخفاض الدخول للفئات المتضررة وتعاظم الثروات للفئات المستفيدة من النمو، ويوسع فجوة الدخول بين فئات المجتمع.


مقالات ذات صلة

السعودية الأولى عربياً والـ20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»

الاقتصاد منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)

السعودية الأولى عربياً والـ20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»

حققت السعودية المركز الأول على المستوى العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمركز الـ20 عالمياً، وفق مؤشر البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد خلال لقاء الوزير الخطيب عدداً من المستثمرين ورواد الأعمال في الأحساء (حساب الوزير على منصة إكس)

دعم السياحة في محافظة الأحساء السعودية بمشاريع تتجاوز 932 مليون دولار

أعلن وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب دعم السياحة بمحافظة الأحساء، شرق المملكة، بـ17 مشروعاً تتجاوز قيمتها 3.5 مليار ريال وتوفر أكثر من 1800 غرفة فندقية.

«الشرق الأوسط» (الأحساء)
الاقتصاد جلسة سابقة لمجلس الوزراء السعودي (واس)

السعودية تعلن الميزانية العامة للدولة لعام 2025

يعقد مجلس الوزراء السعودي غداً جلسة مخصصة للميزانية العامة للدولة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المهندس خالد الفالح خلال كلمته الافتتاحية بمؤتمر الاستثمار العالمي في نسخته الثامنة والعشرين المنعقد بالرياض (الشرق الأوسط) play-circle 01:10

الاستثمارات الأجنبية تتضاعف في السعودية... واستفادة 1200 مستثمر من «الإقامة المميزة»

تمكنت السعودية من مضاعفة حجم الاستثمارات 3 أضعاف والمستثمرين بواقع 10 مرات منذ إطلاق «رؤية 2030».

عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)
الاقتصاد محمد يعقوب متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» خلال المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار في الرياض (الشرق الأوسط) play-circle 00:56

مسؤول في «هيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي»: 4 سنوات لربط الكويت بالسعودية سككياً

قال مساعد المدير العام لشؤون تطوير الأعمال في «هيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر» بالكويت محمد يعقوب لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده تعمل على تعزيز الاستثمارات.

عبير حمدي (الرياض)

بيسنت يدفع «وول ستريت» نحو مكاسب تاريخية

متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)
متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)
TT

بيسنت يدفع «وول ستريت» نحو مكاسب تاريخية

متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)
متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)

ارتفعت الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية، مما أضاف إلى المكاسب التي حققتها الأسبوع الماضي. فقد حقق المؤشر القياسي «ستاندرد آند بورز 500»، ومؤشر «داو جونز» الصناعي مستويات قياسية جديدة خلال تعاملات يوم الاثنين، بينما شهد أيضاً مؤشر «ناسداك» ارتفاعاً ملحوظاً، مدعوماً بترشيح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة في إدارة ترمب المقبلة، مما عزز معنويات المستثمرين بشكل كبير.

وارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي 459.25 نقطة، أو بنسبة 1.03 في المائة، ليصل إلى 44,753.77 نقطة، وزاد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بمقدار 43.12 نقطة، أو بنسبة 0.72 في المائة، ليصل إلى 6,012.50 نقطة، بينما سجل مؤشر «ناسداك» المركب قفزة قدرها 153.88 نقطة، أو بنسبة 0.81 في المائة، ليصل إلى 19,157.53 نقطة. كما شهد مؤشر «راسل 2000»، الذي يتتبع أسهم الشركات الصغيرة المحلية، زيادة بنسبة 1.5 في المائة، مقترباً من أعلى مستوى له على الإطلاق، وفق «رويترز».

وانخفضت عائدات الخزانة أيضاً في سوق السندات وسط ما وصفه بعض المحللين بـ«انتعاش بيسنت». وانخفضت عوائد السندات الحكومية الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 10 نقاط أساس، بينما تراجعت عوائد السندات لأجل عامين بنحو 5 نقاط، مما أدى إلى انقلاب منحنى العوائد بين العائدين على هذين الاستحقاقين.

وقد أدت التوقعات باتساع عجز الموازنة نتيجة لتخفيضات الضرائب في ظل إدارة ترمب الجمهورية إلى ارتفاع عائدات السندات في الأسابيع الأخيرة. ومع ذلك، رأى المستثمرون أن اختيار بيسنت قد يخفف من التأثير السلبي المتوقع لسياسات ترمب على الصحة المالية للولايات المتحدة، ومن المتوقع أيضاً أن يحد من الزيادات المتوقعة في التعريفات الجمركية.

وكان بيسنت قد دعا إلى تقليص عجز الحكومة الأميركية، وهو الفارق بين ما تنفقه الحكومة وما تحصل عليه من الضرائب والإيرادات الأخرى. ويُعتقد بأن هذا النهج قد يساعد في تقليل المخاوف التي تراكمت في «وول ستريت» من أن سياسات ترمب قد تؤدي إلى تضخم العجز بشكل كبير، مما قد يضغط على عوائد الخزانة.

وقال المدير العام في مجموعة «ميشلار» المالية، توني فارين: «إنه رجل (وول ستريت)، وهو جيد جداً فيما يفعله. ليس متطرفاً سواء من اليسار أو اليمين، إنه رجل أعمال ذكي ومعقول، وأعتقد بأن السوق تحب ذلك، كما أنه ضد العجز».

وفي التداولات المبكرة، الاثنين، كانت عوائد السندات لأجل 10 سنوات نحو 4.3 في المائة، منخفضة من 4.41 في المائة يوم الجمعة. كما كانت عوائد السندات لأجل عامين، التي تعكس بشكل أكثر دقة توقعات السياسة النقدية، عند نحو 4.31 في المائة، منخفضة من 4.369 في المائة يوم الجمعة.

وأضاف فارين: «كثير من الناس كانوا يعتقدون بأن ترمب سيكون سيئاً للأسعار، وكانوا يراهنون ضد ذلك، وأعتقد بأنهم الآن يتعرضون للعقاب».

وشهد منحنى العوائد بين السندات لأجل عامين و10 سنوات انقلاباً بمقدار 1.3 نقطة أساس بالسالب، حيث كانت العوائد على السندات قصيرة الأجل أعلى من العوائد على السندات طويلة الأجل.

وتابع فارين: «مع وجود ترمب سيكون الاحتياطي الفيدرالي أقل عدوانية، وهذا ما تجلى بوضوح في الفترة الأخيرة، لذلك لا أفاجأ بتسطح منحنى العوائد خلال الأسابيع الماضية».

وكانت عقود الفائدة المستقبلية، الاثنين، تشير إلى احتمال بنسبة 52.5 في المائة لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر (كانون الأول)، مقارنة باحتمال 59 في المائة في الأسبوع الماضي، وفقاً لبيانات مجموعة «فيد ووتش».

وقال الاستراتيجيون في «بيمو كابيتال ماركتس» في مذكرة إن منطق انتعاش السندات، الاثنين، كان «بسيطاً نسبياً»، حيث كان يعتمد على رؤية أن بيسنت سيسعى إلى «التحكم في العجز، واتخاذ نهج مدروس بشأن التعريفات الجمركية».

وقال بيسنت في مقابلة مع «وول ستريت جورنال» نُشرت يوم الأحد إنه سيعطي الأولوية لتحقيق وعود تخفيضات الضرائب التي قدمها ترمب أثناء الانتخابات، بينما سيركز أيضاً على تقليص الإنفاق والحفاظ على مكانة الدولار بوصفه عملة احتياطية عالمية.

وأضاف استراتيجيون في «بيمو كابيتال ماركتس»: «بيسنت لن يمنع استخدام التعريفات أو زيادة احتياجات الاقتراض، لكنه ببساطة سيتعامل معهما بطريقة أكثر منهجية مع الالتزام بالسياسة الاقتصادية التقليدية».

أما في الأسواق العالمية، فقد ارتفعت المؤشرات الأوروبية بشكل طفيف بعد أن أنهت الأسواق الآسيوية تداولاتها بشكل مختلط.

وفي سوق العملات المشفرة، تم تداول البتكوين حول 97,000 دولار بعد أن اقتربت من 100,000 دولار في أواخر الأسبوع الماضي لأول مرة.