اتصالات بين زعماء قبائل وقيادات عسكرية لإنقاذ سيف الإسلام ورفاقه

قذاف الدم لـ {الشرق الأوسط} : أحكام الإعدام ستنهي محاولات الحل السلمي

اتصالات بين زعماء قبائل وقيادات عسكرية لإنقاذ سيف الإسلام ورفاقه
TT

اتصالات بين زعماء قبائل وقيادات عسكرية لإنقاذ سيف الإسلام ورفاقه

اتصالات بين زعماء قبائل وقيادات عسكرية لإنقاذ سيف الإسلام ورفاقه

بدأ زعماء قبائل وقيادات من الجيش الليبي اتصالات في ما بينهم لإنقاذ سيف الإسلام، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، وثمانية من قادة القبائل والجيش السابقين، من أحكام الإعدام التي أصدرتها أمس محكمة في طرابلس، بتهم ارتكاب جرائم حرب خلال احتجاجات مسلحة انتهت بإسقاط القذافي عام 2011.
وقال أحمد قذاف الدم، المبعوث الخاص السابق للقذافي وابن عمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن أحكام الإعدام «تنهي محاولات الحل السلمي الذي كانت الأطراف الليبية تسعى إليه، بما فيها اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة وجرى إقراره قبل أسبوع».
وأصدرت محكمة ليبية، تعمل تحت مظلة سلطة الميليشيات التي تسيطر على العاصمة منذ نحو سنة، حكما بإعدام سيف الإسلام، وثمانية آخرين، بينهم رئيس المخابرات الأسبق عبد الله السنوسي، وهو من قبيلة المقارحة، التي يقع تحت نفوذها المنبع الرئيسي للنهر الصناعي المغذي لمدن ليبية بالمياه. وشمل الحكم قيادات من قبائل أخرى، بينها قبيلتا ورفلة والقذاذفة، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الأسبق البغدادي المحمودي.
وقال محمد الورفلي، الرئيس السابق للجنة القانونية في مؤتمر القبائل الليبية، لـ«الشرق الأوسط»، إن القبائل الكبرى في البلاد بدأت تتخذ إجراءات عملية للرد، منها التشاور لقطع مياه النهر الصناعي من الجنوب، كما قررت عقد مؤتمر في مدينة «سلوق»، جنوب مدينة بنغازي، الأسبوع المقبل حول سبل التصدي لهذا الأمر.
وعما إذا كانت هذه الأحكام قد تؤدي لتداعيات قبلية كبيرة، رد قذاف الدم على أسئلة «الشرق الأوسط» بقوله: «بالطبع.. فهذه الأحكام هي إعلان عن انتهاء كل أشكال التفاوض، والحوار، والحل السلمي. وهي تُدخل البلاد في مرحلة جديدة من العنف». وأضاف أن هؤلاء الأشخاص المحكوم عليهم «ينتمون لكثير من القبائل الليبية في الشرق والغرب والجنوب. وبعضهم من أكبر القبائل الليبية، وينتمون أيضا للمؤسسة العسكرية في القوات المسلحة الليبية. وبعضهم من قيادات الجيش والحرس الشعبي والحرس الثوري (في عهد القذافي)».
وأضاف قذاف الدم أنه سيكون هناك «رد فعل عنيف على هذه الأحكام» من جانب المدنيين والعسكريين وحركة اللجان الثورية، بالإضافة للقبائل، لأن «أحكام الإعدام صدرت من سلطة غير شرعية.. صدرت من عصابات نصبتها صواريخ حلف الأطلسي لحكم البلاد، وهذا يدل على أن من يحكمون طرابلس اليوم لا يبحثون عن مستقبل لليبيا ولا عن أمانها، ولا يبحثون عن مخرج لما وصلت إليه البلاد من ترد».
وعما إذا كان يعني أن المقصود من قوله بانتهاء التفاوض يشمل أيضا ما جرى التوصل إليه أخيرا في «الصخيرات» بتأسيس حكومة توافق وطني، وغيرها من بنود للتصالح، أجاب قذاف الدم قائلا: «نعم.. يشمل كل الاتفاقيات»، مشيرا إلى أن المحكوم عليهم بالإعدام من قبليين وعسكريين ينتمون للقبائل والجيش ويمثلون الأغلبية، وهم «الرقم الصعب في المعادلة الليبية. وبالتالي هذا طرف جديد سيتحرك للرد على هذه الأحكام».
ومن المعروف أن العديد من القبائل الليبية الكبرى، وقيادات عسكرية وأمنية، قد خاضت حربا ضد الانتفاضة التي دعمها حلف الناتو، ولم تشارك في ما يعرف باسم «ثورة 17 فبراير» التي أنهت حكم القذافي. وبينما ظل «ثوار فبراير» يتقاتلون على الحكم طوال العامين الماضيين، نأت معظم القبائل والعديد من العسكريين المنتمين إليها عن هذا الصراع، أملا في طي صفحة الماضي، وإصدار عفو عام والدخول في مصالحة شاملة لإعادة الاستقرار إلى البلاد.
وتابع قذاف الدم موضحا: «كنا نحاول قدر الإمكان عبر السنوات الماضية أن نتكلم عن الحوار والسلام والعفو العام والحلول التي تحقن دماء الليبيين، وطي صفحة الماضي، والعمل على لملمة الجراح»، إلا أن إصدار أحكام الإعدام أمس «يرفع سقف التحدي إذا ما تم تنفيذ هذه الأحكام، وهم يستعجلون تنفيذها الآن.. فلا أحد يمكنه أن يطلب من شبابنا ومن قبائلنا أن تضبط النفس، أو أن تنحني لتقدم مزيدا من التنازلات».
وشدد قذاف الدم على أن «الفاتورة أصبحت باهظة جدا بعد الدمار الذي لحق بنا وبعد الاستقواء بالأجنبي وبعد الخيانات. نحن غفرنا. لكن الذين يستحقون المحاكمة اليوم هم حكام طرابلس الذين شردوا شعبنا، ونصبوا المشانق ويمارسون التعذيب والتنكيل بحق أبناء الوطن».
وأكد قذاف الدم أن أحكام الإعدام ستدخل ليبيا مرحلة جديدة، و«نحن نحمِّل المسؤولية للدول التي كانت تذرف دموع التماسيح على الديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان. اليوم لا نسمع لها صوتا، بينما هي من قامت بتنصيب هذه الدمى في ليبيا، وهي التي جاءت بهذه العصابات الظلامية لكي تعيث في الأرض فسادا».
ودعا قذاف الدم دول العالم والجامعة العربية ومجلس الأمن إلى أن «يتحملوا مسؤولياتهم في إيقاف هذه المهزلة، وإلا سيكون الوقت متأخرا غدا لمن يفكر حتى في أن يطالب بالحوار أو السلام أو المغفرة.. نطالب بالتحرك السريع لمواجهة هذا الباطل الذي يحكم ليبيا اليوم».
وهدد قذاف الدم بكشف ما قال إنها تسجيلات ووثائق تثبت وجود علاقات مشبوهة بين عدد من زعماء الميليشيات وبعض المحققين في قضية سيف الإسلام ومن معه، لإصدار أحكام بالإعدام بحقهم. وأضاف موضحا: «لدينا كل الوثائق المسموعة والمرئية التي سنقدمها للمحكمة الدولية، وتتضمن كل ما تم خلال الأيام الماضية بين عدد من قادة الميليشيات وبعض القضاة.. ونحن نحملهم مسؤولية أي خطوات مقبلة لتنفيذ هذه الجريمة البشعة».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.