لمحة عن فيلم «إيميلي»... حياة همجية جسورة ومتحررة

فيون وايتهيد وأوليفر جاكسون كوهين في مشهد من فيلم «إيميلي» (أ.ب)
فيون وايتهيد وأوليفر جاكسون كوهين في مشهد من فيلم «إيميلي» (أ.ب)
TT

لمحة عن فيلم «إيميلي»... حياة همجية جسورة ومتحررة

فيون وايتهيد وأوليفر جاكسون كوهين في مشهد من فيلم «إيميلي» (أ.ب)
فيون وايتهيد وأوليفر جاكسون كوهين في مشهد من فيلم «إيميلي» (أ.ب)

زاهدة، عبقرية، متمردة وملهمة. جميعها صفات تفردت بها الروائية إيميلي برونتي وألهبت بها خيال المثقفين. كانت لطيفة، وقاسية، ومتحفظة، وهمجية ذات عينين رماديتين، وأحياناً زرقاوين، وربما رماديتين تميلان إلى الزرقة وربما عسليتين. كتبت شقيقتها تشارلوت تقول إن إيميلي، التي تتحدث الفرنسية والألمانية وتعزف ألحان بيتهوفن على البيانو ودرست في بروكسل وأبدعت رواية «مرتفعات ويذرنغ»، كانت «فتاة ريفية منزلية» بلا حكمة دنيوية. لكن تشارلوت كتبت أيضاً تقول إن إيميلي تتحلى بقوة خفية نارية كفيلة بأن «تثري عقل بطل وتلهب عروقه».
إن عدم توافق الآراء بشأن إيميلي برونتي - التي تركت وراءها رواية وحيدة، وما يقرب من 200 قصيدة، والعديد من المقالات، فضلاً عن الكثير من الغموض عند وفاتها عن عمر ناهز 30 عاماً في 1848 - أفسح مجالاً للحرية أمام الكاتبة والمخرجة فرانسيس أوكونور. فيلمها «إيميلي» هو تجربتها الإخراجية الأولى، التي استندت فيها إلى رصيد ضئيل للروائية الشهيرة لرسم صورة تخيلية لها.
رغم تناول الفيلم لأحداث الماضي، فإن الفيلم ليس توثيقاً أو تأصيلاً لسيرة ذاتية بقدر ما هو تعبير عن حب أوكونور ورغبتها في فهم تلك القصة المراوغة.
بتفاصيله الدقيقة، فإن فيلم «إيميلي»، رغم ذلك، يتضمن العديد من عناصر وأساسيات السيرة الذاتية الفنية. فالفيلم جرى تصويره في يوركشاير، المقاطعة التي عاشت فيها برونتي غالبية فترات حياتها، حيث تضمن العمل مشاهد الفساتين والقبعات الأنيقة، والغرف المضاءة بالشموع، والعربات التي تجرها الخيول. تظهر المشاهد أيضاً منزلاً حجرياً متواضعاً تعيش فيه إيميلي - تؤدي دورها الممثلة الفاتنة إيما ماكي - مع عائلتها، حيث تعمل وتحلم معهم. ومع مشاهد المستنقعات والوديان والأعشاب بألوانها المتباينة ومن فوقها السماء المتقلبة تشعر أنك وسط بيئة درامية ملائمة لذلك العصر.
بعد مقدمة مختصرة، تبدأ قصة إيميلي بالقرب من المستنقعات، حيث بدت مستلقية على الأرض تداعب العشب وتتحدث مع نفسها وتروي حواراً رومانسياً بين «كابتن سنيكي» وامرأة لم تذكر اسمها، في إشارة واضحة إلى حكايات ومغامرات الأطفال التي ألفها ورددها أطفال برونتي، مع خلفية موسيقى عسكرية خافتة ممزوجة بتغريد الطيور وهزيز الرياح. المقدمة جاءت ذكية لتمهد لظهور إبداعات إيميلي وعزلتها.

إيما ماكي في لقطة من فيلم «إيميلي» (أ.ب)

صورتها المشاهد وسط بلدتها تنعم بالطبيعة تجلس مع نفسها، لكنها كانت تتسابق بين المستنقعات في مغامرة المخرجة أوكونور.
من خلال عملها الرشيق، ترسم أوكونور عالم إيميلي مشاهد غنية بجماليات الصور، التي اقتصدت فيها قدر الإمكان، وقدمت فيها محادثات طبيعية تخللتها لحظات صمت موحية ونظرات ذات مغزى. تسأل إيميلي شقيقتها تشارلوت (يقوم بدورها الممثلة الجميلة أليكساندرا داولنغ): «هل من المقبول أن يكون لك أصدقاء من خارج العائلة؟» كان سؤال إيميلي بعد عودة تشارلوت من مدرسة داخلية من المفترض أن إيميلي ستلتحق بها أيضاً، وكان السؤال كارثياً بالنسبة لإيميلي. ضحكت تشارلوت قائلة، «بالطبع ممكن»، لكنها وبخت إيميلي لخيالاتها الجامحة، وهو ما يخلق جواً متوتراً يتخلل أحداث الفيلم. شأن إيميلي، لتشارلوت أيضاً رواياتها الخاصة ككاتبة منها رواية «جين أير»، لكن دورها في الفيلم اقتصر على دور الناصح الأمين والموبخ أحياناً.
كممثلة، لعبت أوكونور دور البطولة فيلم «Mansfield Park» إنتاج عام 1999 المقتبس من رواية جين أوستن، واعتمد الفيلم، شأن فيلم «إيميلي»، على هامش الحرية في التعامل مع المعلومات المتاحة عن بطلة القصة. الخطوة الأكثر راديكالية لأوكونور هنا هي خلق جو رومانسي لإيميلي، وهي اللحظة التي وقعت عيناها فيها على ويليام ويتمان (أدى دوره أوليفر جاكسون كوهين)، وهو شاب جاد ومرح في الوقت نفسه، جرى إحضاره لمساعدة رب عائلة برونتي، القس باتريك (قام بدوره أدريان دونبار) في أداء الصلوات مما لفت إليه الأنظار. كذلك كُلف ويليام بمساعدة إيميلي في دروس اللغة الفرنسية، لكن المشاعر تأججت بينهما سريعاً.

إيما ماكي تقمصت دور إيميلي برونتي في فيلم «إيميلي» (أ.ب)

من بين المشاهد الحزينة في الفيلم تلك التي تضمنت شقيقها برانويل (يقوم بدوره فيون وايتهيد) الابن الوحيد التراجيدي للعائلة. (تلعب إميليا غاثينغ دور آن، الابنة الصغرى). في بعض المواقف العاطفية والسردية - تضمنت الأحداث مشاهد لمواعدات في الهواء الطلق واستراق السمع من خلال النوافذ - بدت علاقة إيميلي وكل من برانويل وويتمان قريبة الشبه بعلاقة كاثرين وهيثكليف في رواية «مرتفعات ويذرنغ».
المتشددون قد يعترضون على اعتبار أن ويتمان كان شخصية حقيقية لكن العلاقة غير حقيقية. والليبراليون من أنصار أوكونور يرون أن القصة يجب التعامل معها كعمل فني. فمن خلال البناء على عدد من الأضداد مثل الطبيعة والثقافة، الواقعية والرومانسية، الواجب والحرية، عملت أوكونور على جلب إيميلي الأسطورة إلى العالم النابض، مما يشير على نحو مقنع إلى أن هذه العبقرية الغريبة والمنعزلة ظاهرياً لم تظهر رغم كل ما شابها من تناقضات، بل ظهرت من خلال هذه التناقضات.
لقد جلبت أوكونور إيميلي لزمانها من دون قيود أو حدود. فإيميلي التي قدمتها جمعت كل الأضداد بأن صورتها كالمكبلة بلا قيود، لتطوع الحقيقة الموحشة وتحولها إلى عمل مدهش.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

برلين تحذر أنصار الأسد من أنهم سيلاحَقون إذا دخلوا ألمانيا

وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك (د.ب.أ)
وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك (د.ب.أ)
TT

برلين تحذر أنصار الأسد من أنهم سيلاحَقون إذا دخلوا ألمانيا

وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك (د.ب.أ)
وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك (د.ب.أ)

حذرت وزيرتان في الحكومة الألمانية، الأحد، من أنه ستجري إحالة أنصار الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد إلى القضاء إذا فروا إلى ألمانيا.

وقالت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك لصحيفة «بيلد أم زونتاغ» الأسبوعية: «سنحاسب جميع رجال النظام على جرائمهم المروعة بكل ما يسمح به القانون من شدة».

من جهتها، قالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر للصحيفة نفسها: «إن حاول رجال نظام الأسد المروع الفرار إلى ألمانيا، فعليهم أن يعلموا أنه ليس هناك عملياً أي دولة تلاحق جرائمهم بالشدة التي تلاحقها بها ألمانيا». وأضافت: «كل من كان ضالعاً في فظاعات ليس بمأمن من الملاحقات هنا».

ودعت بيربوك إلى أن «تعمل السلطات الأمنية الدولية وأجهزة الاستخبارات معاً بشكل وثيق إلى أقصى حد ممكن»، وسبق أن أدانت ألمانيا قضائياً عدداً من مسؤولي حكومة الأسد عملاً بمبدأ الاختصاص الدولي الذي يسمح بإجراء محاكمةٍ أياً كان مكان ارتكاب الجرائم.

وحكم القضاء الألماني في يناير (كانون الثاني) 2022 بالسجن مدى الحياة على الضابط السابق في المخابرات السورية أنور رسلان لإدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ إذ عُدَّ مسؤولاً عن مقتل 27 معتقلاً، وتعذيب 4 آلاف آخرين على الأقل في معتقل سرّي للنظام في دمشق بين 2011 و2012.

وبعد عام في فبراير (شباط) 2023 في برلين، حُكم بالسجن مدى الحياة على عنصر في ميليشيا موالية للنظام السوري أُوقِفَ في ألمانيا في 2021، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

كما يحاكَم حالياً في فرنكفورت الطبيب العسكري السوري علاء موسى لاتهامه بالتعذيب والقتل، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مستشفيات عسكرية سورية.

كما لاحقت السلطات الألمانية أفراداً لم يكونوا أعضاءً في حكومة الأسد لارتكابهم جرائم في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 وجَّه مدَّعون عامّون ألمان التهمة رسمياً إلى سورييْن يُشتبه بانتمائهما إلى تنظيم «داعش»، بارتكاب جرائم حرب في محيط دمشق.

وتؤوي ألمانيا أكبر جالية سورية في أوروبا بعد استقبالها نحو مليون نازح ولاجئ فارين من هذا البلد جراء الحرب.