الواقع السياسي في العراق.. رؤية نفسية

المؤلف يصف الشعب العراقي بـ«المجتمع الرهينة»

غلاف «الأسلمة السياسية في العراق»
غلاف «الأسلمة السياسية في العراق»
TT

الواقع السياسي في العراق.. رؤية نفسية

غلاف «الأسلمة السياسية في العراق»
غلاف «الأسلمة السياسية في العراق»

لا يقتصر كتاب «الأسلمة السياسية في العراق.. رؤية نفسية» للباحث فارس كمال رمزي على مفهوم الأسلمة السياسية، وإنما يتعداها إلى مجموعة من المقالات والأوراق الفكرية التي تتمحور حول الحرية الفردية، والاستلاب، والاغتراب، ودراسات معمقة للشخصية العراقية بمختلف ألوانها الفكرية ومشاربها الثقافية المتعددة التي تُؤمن بأسبقية الوطن على الدين، وتُقدّم الهُوية الوطنية العراقية على كل الهُويات الفرعية التي يتكوّن منها النسيج الاجتماعي العراقي المتعايش منذ آلاف السنين.
لم تسعَ الأحزاب الإسلامية العراقية إلى أسلمة السلطة والدولة حسب، وإنما اندفعت بكل ما تملك من قوة وجبروت لأسلمة الفرد والمجتمع العراقي برمته مستعينة هذه المرة بصناديق الانتخابات خلافًا لنظريتهم القائلة بحتمية الحكم للشريعة الإسلامية، الأمر الذي أفضى بهم إلى «التناشز المعرفي» القائم على تبنّي مفهومَين متناقضين يجمعان بين القيم الغربية الديمقراطية المؤمنة بتداول السلطة، وحتمية الحكم للشريعة الإسلامية وحدها. وإذا كانت تركيا وماليزيا قد حافظتا على الهوية الإسلامية مقابل الإبقاء على علمانية الدولة والسلطة فإن «العراق الجديد» قد فرّط بهذه العلمانية وألحقَ مصير البلاد والعِباد بقوى ما وراء الطبيعة، وجرّد العراقيين من مهمة التفكير والاجتهاد وأعمال الذهن وأنتج في خاتمة المطاف نموذجًا مقيتًا لـ«الطائفية السياسية» التي نقلت المسلم من ذاته الاجتماعية المتسامحة والمتعايشة مع الآخرين المغايرين له إلى ذاته المنغلقة المتصادمة معهم حتمًا مع سبق الترصّد والإصرار.
يتخذ فارس نظمي، وهو الباحث المتخصص في سيكولوجيا الشخصية والمجتمع والسياسة، من علم النفس مرجعًا علميًا للتحليل النظري القائم على الرصد والمقايسة العقلانية والاستنتاج من دون أن يتبنّي أي منظور أو معتقد ديني أو مذهبي أو آيديولوجي. وقد كشفت أبحاثه ودراساته عن رؤية علمية ثاقبة تسمي الأشياء بمسمياتها، وتضع الأمور في نصابها الصحيح ويكفي أن نشير إلى مقاله القيّم «سيكولوجيا المنطقة الخضراء»، الذي يحلل فيه شخصية السياسي المُعولَم الذي يتصف بالنزعة الديماغوجية، والنظرة البراغماتية، والتبعية العُصابية لمراكز القرار وما إلى ذلك. ثم يعرّج على السياسي الطائفي المُعولَم في العراق تحديدًا ليكتشف أنها «شخصية سيكوباتية، فاسدة، تفتقر إلى التحليل الجدلي، ولا تمتلك هوية سياسية فلا غرابة أن تلوذ بالهوية الطائفية سدًّا للنقص المروّع الذي تعاني منه»، وأكثر من ذلك فإنها تستعين بالميليشيات والدروع البشرية والكونكريتية كي تحميها من غدر «الآخر» أو تقدم على تصفيته استباقيًا بوصفه «العدو» والشريك في العملية السياسية في آنٍ معا. تُرى، لماذا أدارَ الأميركيون وجوههم للعلمانيين والليبراليين واليساريين العراقيين وعقدوا قِرانهم المؤقت على النخب الطائفية المتأسلمة؟ ولماذا صمَتَ اليسار العراقي إلى حدّ التغافل والإهمال فاسحًا المجال للمتأسلمين الذين أعادوا العراق إلى عصور التبعية والتخلّف والظلام؟
كشفت استطلاعات الرأي التي قام بها الباحث غِبّ سقوط النظام السابق عام 2003 أن نسبة 69 في المائة من وسط وجنوب العراق يؤيدون قيام نظام حُكم إسلامي ونسبة 31 في المائة يؤيدون قيام نظام حكم علماني، لكن هذه النسبة ستنقلب رأسًا على عقب عام 2010 فغالبية العراقيين يؤيدون قيام دولة علمانية تتقدم فيها هوية الوطن على كل الهويات العِرقية والدينية والمذهبية والطائفية.
يصف فارس نظمي العراقيين بـ«المجتمع الرهينة»، وهم كذلك لأنهم مُرتهَنون للأنظمة المُستبدة والحروب والحصارات، واللامعيارية المجتمعية، والفساد السياسي والإداري والأكاديمي، والفوضى المرورية، وانهيار الخدمات، ومُحاصرة الجمال بفيروسات القبح التي شوّهت بلاد الرافدين برمتها، الأمر الذي يدفع الباحث إلى طرح تساؤل مشروع مفاده: «لماذا نحن - العراقيين - سلبيون إلى هذه الدرجة وخانعون إلى هذا الحدّ؟»، ويأتي الجواب شافيًا بأن الشخصية العراقية «هي شخصية مازوشية تنزع إلى استعذاب الألم، ومرّد ذلك هو طقوس التكفير عن الذنوب سواء أكانت فردية أم جماعية وتوجيه اللوم إلى الذات لتسويغ المظالم. كما أن هناك من يفكِّر بالنيابة عنّا، مثل البعثيين سابقا أو عناصر الاحتلال لاحقًا ثم المتأسلمين وأدعياء الوصاية الإلهية على عقول الناس».
على الرغم من أن الشخصية العراقية انفصامية، حيث نرى آلاف العراقيين يلعنون بعض مرشحي قوائم المتأسلمين، فإنهم يهرعون لانتخابهم تحت وطأة مشاعر الذنب وخوفًا من عقاب الآخرة لأن هذا البعض لا يزال مرتهنًا لسلطة المتأسلِم الذي يلعب دور الوسيط المقدس بين الإنسان وربّه. يعتقد الباحث أن هذا النهج الخاطئ لن يطول فسوف تشهد السنوات المقبلة بطلان فكرة الرهينة، وعدم أحقيتها، كما سينتهي الابتزاز الطائفي التعصبي لأن الرهينة بدأت تشكِّك وتطرح الأسئلة.
يعتقد الباحث أن الشخصية العراقية بدأت بالتحول الجذري ولم تعد تشعر بعقدة «الذنب الجمعي» ولا تمارس جلد الذات لأنهم بدأوا بممارسة الاحتجاجات الشعبية فيما أطلق عليه «انتفاضة الكهرباء» التي ألقوا فيها اللوم على المسببين لهذه الأزمة ولم ينتقصوا من ذاتهم العراقية ويبخسوها حقها، وهي إشارة واضحة إلى انعتاق المظلوم من وهم تبرير مظلوميته مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الإنسان مجبول على البحث عن اللذة وتفادي الألم.
لا يمكن مسخ الهوية البغدادية القائمة على النخبة الثقافية والصفوة السياسية اللتين أنتجتا التكنوقراط والأكاديميين ورجالات السياسة، وأكسبت الشخصية العراقية خصائص التذوق الجمالي، وغلّبت قيم التمدن والحضارة، وشجعت على الاستعانة بالقانون المدني بدلاً عن الولاءات العِرقية والعشائرية والطائفية. وبما أن مهيمنة «البدوية السياسية» قد زالت، وأن الاحتلال قد رحل، فإن اللاهوتية السياسية لن تدوم طويلاً، وأن الهوية البغدادية باقية كمفهوم نفسي يحّرك العراقيين صوب هويتهم الوطنية التي لا يمكن الاستغناء عنها لأنها ببساطة تُشبه الماء أو الهواء!
لا شك في أن تحليل الشخصية العراقية سواء أكانت شيعية أم مسيحية أم شيوعية هي من أغنى مقالات الكتاب على الرغم من أن هذا الغنى لا يقلل من أهمية المقالات الأخرى التي ترصد الاحتجاجات الجماهيرية، واليقظة العراقية، وموت السلطة اللاهوتية في العقل الجمعي العراقي. ما الذي يريده شيعة العراق تحديدًا؟ أيريدون الاستمرار في اجترار المأساة الكربلائية، أم يريدون تقويض أركان الظلم الاجتماعي لاستعادة حقوقهم الطبيعية في وطنهم؟ يمكن الاستنتاج بسهولة أن العقل الشيعي متناقض واتكالي يعوّل على ظهور المهدي المنتظر ليملأ الأرض عدلاً، فلا غرابة أن يظل هذا العقل متقاعسًا ومُنتظرًا الفرج على يد إمام قد لا يظهر أبدًا! كما تكشف الطبيعة البشرية عن قدرتها على التكيّف مع الفواجع والأحزان أو تهدئتها والتخفيف من حدّتها في الأقل، غير أن العقل الشيعي مسكون بهاجس جلد الذات واستعذاب الألم للتخلص من عقدة الذنب الموروثة التي ارتكبها الأجداد في الماضي البعيد.
يصف الباحث الشخصية الشيوعية بأنها مُغرمة بتغيير العالم بالأساليب السياسية والثقافية والاجتماعية، وأن نقاط القوة لديها هي الإيثار والزهد والنخبوية والعاطفة الإنسانية، ولا يمكن تصور حكومة عراقية رشيدة مقبلة من دون الشيوعيين.
أما الشخصية المسيحية العراقية فهي مسالمة، ومتسامحة، وانبساطية، ومتزنة، كما أنها الأكثر تحضرًا وانفتاحًا على الآخر. ويخلص الباحث إلى القول إن العراق ليس عراقا من دون المسيحيين الذين تركوا بصماتهم الواضحة على المنجز العراقي برمته منذ أكثر من ألفي سنة وحتى الوقت الراهن.
إذا كانت الثورة المصرية قد وُصفت بأنها «ثورة الطبقة الوسطى»، فإن الثورة التونسية هي «ثورة عقول لا بطون» إلا أن الاحتجاجات العراقية تجمع بين العقول والبطون في آنٍ معًا على الرغم من ترجيح هذه الأخيرة التي تطالب بتعزيز البطاقة التموينة، وتوفير الخدمات، وإيجاد فرص العمل للمتظاهرين الشباب الذين ضحّوا بالغالي والنفيس لكن قِطاف ثورتهم قد ذهب إلى سلّة اللاهوتيين الذين لم يشتركوا في الثورات والاحتجاجات إلا بنسبٍ ضئيلة لا تستحق الذكر.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.