هل يدفع زلزال سوريا وتركيا شركات الأدوية لإنتاج لقاحات الكوليرا؟

بعد مخاوف أممية من تفشي المرض

كارثة الزلزال في سوريا دمرت البنية التحتية  (AFP)
كارثة الزلزال في سوريا دمرت البنية التحتية (AFP)
TT

هل يدفع زلزال سوريا وتركيا شركات الأدوية لإنتاج لقاحات الكوليرا؟

كارثة الزلزال في سوريا دمرت البنية التحتية  (AFP)
كارثة الزلزال في سوريا دمرت البنية التحتية (AFP)

أثار زلزال تركيا وسوريا مخاوف من انتشار وباء الكوليرا، وهو أحد الأمراض التي يرتبط ظهورها بتدهور البنية التحتية بعد الزلازل، كما حدث في أسوأ تفشٍّ في التاريخ الحديث للمرض، شهدته دولة هايتي في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2010. والكوليرا مرض بكتيري ينتقل بشكل أساسي من خلال المياه الملوثة، ويمكن علاجه والوقاية منه بشكل كبير. ومع ذلك، في غياب العلاج والوصول إلى المياه النظيفة، يمكن أن يسبب الجفاف الشديد والوفاة بسرعة.
وكان المرض قد تفشى في هايتي بعد نحو عشرة أشهر من وقوع زلزال ضخم في يناير (كانون الثاني) من عام 2010، وعانى أكثر من 6 في المائة من الهايتيين من المرض، وهو نفس السيناريو الذي يخشى تكراره في تركيا وسوريا.
وفي اليوم السابق للزلزال، أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أحدث تقرير عن تفشي المرض، الذي بدأ في أغسطس (آب) من عام 2022 بسوريا، ومنذ ذلك الحين، أحصى مسؤولو الصحة ما يقرب من 85 ألف حالة من العدوى البكتيرية التي تنقلها المياه و101 حالة وفاة بسبب الإسهال المائي الحاد الذي تسببه، وتضمن التقرير بيانات حتى الأسبوع المنتهي في 21 يناير، حيث رُصد خلاله ألفان و750 حالة.
وتتداخل بعض المناطق الأكثر تضرراً من تفشي وباء الكوليرا في سوريا مع تلك التي تضررت بشدة من الزلزال، وهي المناطق المحيطة بمدينتي حلب وإدلب، والقريبة من الحدود مع تركيا، والمعرضة هي الأخرى لعبور المرض إليها.
ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تشكل المناطق المحيطة بإدلب، التي دمرتها الحرب الأهلية 28.5 في المائة من حالات الكوليرا في سوريا، وتشكل المناطق المحيطة بحلب 23 في المائة من الحالات. ويقول أحدث تقرير للمكتب، إن «هناك خوفاً على حالة إمدادات المياه بعد الزلزال»، حيث تشير التقارير الأولية إلى أضرار كبيرة في شبكات المياه، يتوقع معها زيادة حالات الكوليرا، في الوقت الذي يعاني فيه العالم بسبب النقص العالمي في اللقاحات، الذي يرجع إلى حد كبير إلى نقص التمويل وزيادة حالات تفشي المرض في جميع أنحاء العالم.
الأربعاء الماضي، أفادت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا إيمان الشنقيطي بأن منظمة الصحة العالمية أرسلت أكثر من نصف مليون قرص لتطهير المياه إلى سوريا، وهي إحدى أدوات مواجهة المرض، إلى جانب مجموعات علاج الإصابات، ولكن تبقى هناك مشكلة في إمدادات اللقاحات.
وتُمنح اللقاحات في المناطق التي تشهد تفشياً للمرض لمنع انتشاره، وهذه اللقاحات موجودة منذ أكثر من قرن، ولكن المشكلة أن هناك نقصاً في المتاح منها، بسبب تفشي المرض في أكثر من دولة. وبالإضافة إلى سوريا، يتفشى المرض في دول مثل باكستان وأفغانستان وملاوي ونيجيريا وهايتي، وبين 20 ديسمبر (كانون الأول) 2022 و15 يناير الماضي، تم الإبلاغ عن ما يقرب من 75 ألف حالة إصابة بالكوليرا في جميع أنحاء العالم، وهذا يمثل زيادة عالمية كبيرة في تفشي المرض. وفي عام 2022 وحده، أبلغت 29 دولة عن حالات إصابة بالكوليرا، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، حيث يتفاقم تفشي الكوليرا بسبب تغير المناخ.
وحالياً، فإن مخزون لقاحات الأمم المتحدة غير كافٍ لدرجة أن منظمة الصحة العالمية أصدرت توجيهاً طارئاً يقصر التحصين على جرعة واحدة بدلاً من الجرعتين اللتين يتطلبهما البروتوكول المعتاد، ومن غير المرجح أن تتحسن الأمور قريباً.
وقال فيليب باربوزا، رئيس فريق مكافحة الكوليرا وأمراض الإسهال الوبائي بالمنظمة، في تصريحات صحافية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن «هناك موردَين للقاحات الكوليرا؛ شركة كوريا الجنوبية (إيوبيولوجكس)، وشركة (شانتا بيوتكنيكس) الهندية، وهي مملوكة بالكامل لشركة (سانوفي) الفرنسية، وقد قررت الهندية إيقاف الإنتاج العام المقبل، أما إنتاج الكورية فمقيد بسبب توسعات في منشآتها، وثمة شركة أخرى ستبدأ قريباً، لكن إنتاجها سيكون منخفضاً مقارنة بالطلب».
ويعاني العالم من نقص في هذا اللقاح المنقذ للحياة، رغم أن الجرعة الواحدة تكلف أقل من 1.50 دولار، والسبب وراء النقص في هذه اللقاحات «يعود إلى رغبة شركات الأدوية في تحقيق الأرباح»، كما يقول محمد الحفناوي، أستاذ الصحة العامة بجامعة بني سويف المصرية، لـ«الشرق الأوسط».
ويوضح الحفناوي أن «الكوليرا مرض يرتبط بالبنية التحتية غير الجيدة، لذلك فهو مرض الفقراء، ولا تستطيع شركات الأدوية فرض أسعار مرتفعة على تلك الدول وتحقيق أرباح ضخمة، ولا يملك المجتمع الصحي العالمي الكثير من النفوذ لإجبار الشركات على إنتاج المزيد من الجرعات، إذا لم ترَ أنها ستحقق أرباحاً».
وهنا تؤكد نينا شوالبي، الأستاذة في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا الأميركية، المعنى نفسه الذي ذهب إليه الحفناوي، وتضيف إليه مزيداً من التفاصيل الاقتصادية. وتوضح في تقرير نشره (الثلاثاء) موقع (كوارتز) الأميركي، المعني بشؤون المال والأعمال: «تقدر السوق العالمية الحالية للقاحات الكوليرا بنحو 95 مليون دولار، وهذا لا يكفي لاحتمالية الكسب لإبقاء شركات الأدوية الكبرى مهتمة، وحتى لو استوعبت شركة (سانوفي) السوق بالكامل، على سبيل المثال، فإن الإيرادات ستشكل أقل من 0.2 في المائة من إجمالي عائدات شركة الأدوية البالغة 47.8 مليار دولار لعام 2022». وتضيف أن «الشركات المصنعة الأصغر مثل (إيوبيولوجكس) في كوريا الجنوبية، لا يمكنها استيعاب المزيد من الطلب العالمي، مقارنة بحجمها».
حول هل تؤدي كارثة زلزال تركيا وسوريا إلى تغيير هذا الوضع؟ تقول شوالبي: «بلا شك، هناك حاجة إلى الاستثمار بشكل عاجل في توسيع إنتاج لقاحات الكوليرا الحالية، وكذلك في تطوير لقاحات جديدة يمكن توفيرها في سياق الأزمات».
من جانبها، لا تنكر منظمة الصحة العالمية وجود أزمة في لقاحات الكوليرا، بسبب أن الاحتياجات الفعلية للاستجابة لتفشي المرض الحاد ولمنع حدوثه (التطعيم الوقائي)، تتجاوز بكثير الجرعات المتاحة، وهو وضع قد يزداد سوءاً حال حدث مزيد من التفشي للمرض بعد الزلزال، كما يقول حسن قمرول، رئيس وحدة اللقاحات بمكتب إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية لـ«الشرق الأوسط».
وكانت فرقة العمل العالمية لمكافحة الكوليرا قد قدرت سابقاً الحاجة إلى نحو 250 مليون جرعة لكل من تفشي المرض والتلقيح الوقائي، خلال الفترة من 2022 إلى 2026، ولكن قد يتعين مراجعة هذه الأرقام في ضوء التطورات الجديدة، كما يؤكد قمرول.
ولحل المشكلة لا يوجد حل على المدى الطويل سوى زيادة الإمدادات. ويقول قمرول: «يبلغ مخزون الطوارئ من اللقاح لدى المنظمة، نحو 5 ملايين جرعة، ويتم إنتاج نحو 2.5 مليون جرعة شهرياً، ولكن نظراً لأن مصنعي اللقاحات ينتجون بأقصى طاقتهم الحالية، فلا يوجد حل قصير الأجل لزيادة الإنتاج».



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.