تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

تفجير سَروج يطرح تساؤلات حول خيارات أنقرة الجديدة

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي
TT

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

أثار التفجير الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 32 شخصًا وجرح 104 آخرين معظمهم في مدينة سَروج التركية، ذات الأكثرية الكردية، كثيرا من التساؤلات حول سياسة تركيا تجاه سوريا وحول تغاضي المسؤولين فيها عن الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش. وحسب المعلومات استهدف التفجير نحو 300 شاب، معظمهم من طلاب الجامعات المرتبطين بالاتحاد الاشتراكي الكردستاني الذين كانوا ينوون العبور إلى مدينة عين العرب (كوباني) السورية للمشاركة في نشاطات إعادة إعمار هذه البلدة - وهي أيضا ذات أكثرية كردية - الواقعة على الحدود مع تركيا، التي كانت هدفًا متكرّرًا لهجمات تنظيم داعش، وباتت لهذا السبب تتمتع بأهمية رمزية كبرى للأقلية الكردية داخل تركيا.

ندّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بالهجوم الانتحاري الذي تعرّضت له مدينة سروج التركية، ذات الأكثرية الكردية قرب الحدود مع سوريا، معتبرًا أنه حين يتعلق الأمر بتحديد المسؤولين عن العملية الإرهابية، تشير جميع الأدلة إلى تنظيم داعش. في حين كشف المحلل التركي تيمور غوكسيل لـ«الشرق الأوسط» أن منفذ التفجير تركي تربطه علاقة واضحة بـ«داعش» على الرغم من أن التنظيم الإرهابي لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم. ولقد أمكن التعرف على هوية الانتحاري، وهو المواطن التركي شيخ عبد الرحمن آلاغوز، وهو طالب جامعي يبلغ من العمر 20 سنة، ومسجّل في منطقة أديامان بالأناضول.
مع ذلك، أصدر صلاح الدين دميرتاش وفيقن يوكسكداغ، زعيما حزب «الشعوب الديمقراطي»، وهو الحزب الكردي الرئيسي في تركيا، بيانًا اعتبرا فيه أن «المسؤولين في أنقرة الذين يشجعون أعمال (داعش) يتحملون مسؤولية هذه الهمجية»، واعتبرا في بيانهما أنه لا يمكن لأي قوة مهمًا كانت أن تتحرك في تركيا من دون علم الاستخبارات التركية (إم آي تي) ووحدات الاستخبارات الدولية الأخرى في منطقة شانلي أورفا وسَروج، وأضافا في اتهامهما المباشر للسلطات التركية: «لا تبحثوا بعيدًا عن الجناة في هذه المذبحة، فهؤلاء الذين يتحكّمون اليوم بالسياسة هم المسؤولون الأساسيون».
وفي السياق نفسه، اتهم الجناح العسكري لحركة الاستقلال الكردية، حزب العمال الكردستاني الـ«بي كي كي» الحكومة التركية «بدعم ومساندة (داعش)»، وهذه اتهامات تردّد صداها بين الأكراد الذين نظموا احتجاجات في أنحاء مختلفة من تركيا، معبرين عن غضبهم لأن السلطات المركزية لم تتمكن من صد الهجوم الإرهابي.
بناءً عليه، طرحت العلاقة المزعومة بين الحكومة التركية وجهاز الاستخبارات التركية «إم آي تي» من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى نقاشًا حادًا داخل تركيا وخارجها، إذ تزعم جهات معادية لسلطات أنقرة أن الحكومة التركية دعمت الجماعات المتطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة سعيًا إلى زعزعة استقرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يواجه ثورة شعبية منذ عام 2011. ولكن الواضح أن حرية التنقل بين تركيا وسوريا على امتداد حدود طويلة يبلغ طولها نحو 800 كلم ساهمت بشكل رئيسي في نمو الحركات المسلحة المتطرفة في سوريا منذ عام 2011، ذلك أن آلاف المتطوعين الأجانب الذين تدفقوا إلى سوريا والعراق اتخذوا من تركيا معبرًا لهم. كذلك عُرفت تركيا، منذ نشوء تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، في بعض وسائل الإعلام ولا سيما في الغرب بأنها «الطريق الجهادي السريع» التي استخدمت من قبل المجاهدين المخضرمين في القتال، كذلك من الشباب الذين تمكن «داعش» من استقطابهم من خلال «بروباغندا» العنف التي استعملها.
هذا، وفي لبنان أكدت مصادر متشددة خلال مقابلات لها مع «الشرق الأوسط» أجريت أخيرًا أن غالبية الشباب من أبناء طرابلس والبالغ عددهم نحو 400 شاب الذين يُعتقد أنهم توجّهوا إلى القتال مع «داعش» دخلوا إلى سوريا عبر تركيا.
ولكن في المقابل تؤكد الحكومة التركية أنها ملتزمة بإلحاق هزيمة بـ«داعش»، وترى أن هجوم سَروج جاء كعملية انتقامية على تشديد التدابير التركية ضد التنظيم المتطرف، ولا سيما أن الهجوم وقع بعد العمليات الأخيرة التي نفذتها الشرطة ضد أنصار «داعش» داخل تركيا، حيث اعتقلت الاستخبارات التركية أكثر من 250 شخصًا كانوا على صلة بالجماعات المتطرفة، ووفقًا لتقارير وردت إلى شرطة مدينة كلس، وسلط عليها موقع «إل مونيتور» الأميركي الضوء، أرسل «داعش» ثمانية انتحاريين من الرقة إلى تركيا.
إن الحكومة التركية تحرص الآن، جديًا، على تصوير هجوم سَروج كعملية انتقامية نفذها «داعش» على تركيا بسبب سياستها لمكافحة الإرهاب. وطبقًا لموقع «إل مونيتور» سئل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال مؤتمر صحافي إذا ما جاء التفجير كرد على الحملة التركية التي استهدفت خلايا «داعش»، مع اعتقال سبعة وعشرين شخصا في أربع محافظات قبل عشرة أيام، فأجاب أن «تركيا لطالما اتخذت تدابير للحد من خطر (داعش) وغيره من المنظمات الإرهابية. ولا شك أن هذه التدابير تزعج البعض». ولكن في هذا الصدد، اعتبر فلاديمير فان ويلينبرغ، المتخصص بالشؤون الكردية في «مؤسسة جيمس تاون»، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الأكراد هم الهدف الرئيسي للتفجيرات. وتابع أن الأكراد و«داعش» في مواجهة ونزاع في كل من سوريا والعراق، وامتدت المواجهة أخيرًا إلى منطقة تل أبيض الحدودية بين سوريا وتركيا في شمال ريف محافظة الرقة، حيث استطاعت الميليشيات الكردية السيطرة على المنطقة بعد قتال عنيف ضد مقاتلي «داعش». كذلك تقدمت الميليشيات الكردية في الشهر الماضي في منطقة عين عيسى، وتمددوا إلى مناطق قريبة من مدينة الرقة التي كان «داعش» قد اتخذها عاصمة له في سوريا.
المحلل تيمور غوكسيل يرى من جهته أن هجوم سَروج «يهدف أساسًا إلى وضع الأكراد في مواجهة مع تركيا... فليس (داعش) وحده الذي يرى في الأكراد عدوًا لدودًا له، بل تنظر إليهم تركيا أيضا بكثير من الحذر، لا سيما إلى حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره منظمة إرهابية». ويشرح أنه بعد سقوط تل أبيض بيد الأكراد جرت محادثات في أنقرة بشأن تدخل محتمل في الحرب السورية المستمرة وإمكانية احتلال منطقة طولها نحو 70 ميلا وبعمق 20 ميلا لجعلها «منطقة عازلة» في سوريا. وعلى الرغم من أن المسؤولين في الحكومة التركية أكدوا أن مثل هذا التدخل يهدف إلى منع مقاتلي «داعش» من دخول أراضي تركيا، اعتبر محللون أن هدف العملية الحقيقي هو دحر المقاتلين الأكراد وطردهم بعيدًا عن الحدود. وفي هذا الصدد كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد تعهد في وقت سابق بأن تركيا لن تسمح للأكراد السوريين بإقامة دولة خاصة بهم في سوريا. وهكذا فإن إشعال فتيل التوتر بين الأكراد وتركيا سيكون لا محالة ضمن جدول أعمال «داعش». ووفق فان ويلينبرغ، من المؤكد أن «داعش» كان قد بقي حتى الآن مترددًا في تنفيذ نشاطات كهذه في تركيا، خوفا من أن تشدد تركيا أكثر تدابيرها لمنع تدفق المقاتلين الأجانب أو النشاطات على الحدود.
تجد الحكومة التركية نفسها الآن مضطرة إلى التأقلم والموازنة ما بين أمرين، أولهما تضييق الخناق على الجماعات المتطرفة التي تعتبرها أساسية في محاربة عدوها في سوريا الرئيس بشار الأسد، وثانيهما الحفاظ على السلام والاستقرار ضمن أراضيها. فبعد وقوع التفجير في مدينة سروج، تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى الرئيس رجب طيب إردوغان حول تعزيز التعاون لمكافحة «داعش» كما وافق على زيادة الجهود الرامية إلى «وقف تدفق المقاتلين الأجانب وتأمين الحدود التركية مع سوريا». وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت صحيفة «حريات نيوز» التركية عن خطط جديدة لتعزيز المراقبة على الحدود من خلال الاستعانة بأساليب مراقبة ورصد متطورة واعتماد سياج مزدوج على الحدود.
وعودة إلى غوكسيل، وهو ضابط دولي متقاعد وأكاديمي وخبير استراتيجي، فإنه يقول إنه «في الوقت الذي اعتمدت تركيا نهجًا متسامحًا مع (داعش) فهي تجد اليوم نفسها تحت ضغط شديد لاعتقال مقاتلي التنظيم وحرمانهم من الممرات الأمن... إن (داعش) تحظى بتعاطف كبير في تركيا بينما الحكومة تعمل على جعل حياتهم أكثر صعوبة».
في أي حال، يظهر أن الرئيس إردوغان اختار سياسة مزدوجة للتصعيد العسكري، إذ ذكرت وسائل إعلام محلية أن تركيا نفذت ضربات جوية في شمال سوريا، حيث استهدفت الطائرات الحربية التركية في آن معًا قواعد لتنظيم داعش، كما شنت أيضا غارات على معسكرات تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
وحسب المراقبين، ليس هناك من شك في أن السياسة التي اتبعتها تركيا في سوريا كانت سياسة دقيقة ولا تخلو من الخطر، وكما أظهر كثير من التجارب السابقة فإن التغاضي عن نشاط الجماعات المتطرفة، وفي بعض الحالات استغلالها كأذرع قتال لتنفيذ غايات معينة، غالبًا ما يؤدي إلى ارتدادات سلبية على البلاد التي تسلك هذا الطريق. لكن القصف الجوي التركي لمواقع ميليشيا حزب العمال الكردستاني يهدد بانعكاسات داخلية.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».