السلطات المصرية تتخذ تدابير استثنائية بعد كارثة غرق 40 مواطنًا

الحادث تسبب في أعنف انتقادات للحكومة.. ومحلب أعلن الاستنفار لحماية النيل

السلطات المصرية تتخذ تدابير استثنائية بعد كارثة غرق 40 مواطنًا
TT

السلطات المصرية تتخذ تدابير استثنائية بعد كارثة غرق 40 مواطنًا

السلطات المصرية تتخذ تدابير استثنائية بعد كارثة غرق 40 مواطنًا

في وقت اتخذت فيه السلطات المصرية تدابير استثنائية عقب حادث غرق «مركب نهري» في النيل غرب القاهرة، أودى بحياة 40 من ركابه، تضمنت إقالة مسؤولين رسميين، وإيقاف سير الصنادل النهرية ليلا، واصل أهالي الضحايا توجيه انتقادات شديدة لتعامل الحكومة مع الحادث، مطالبين بإقالتها.
وطالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكومة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تكرار حادث «المركب النهري». وشدد الرئيس السيسي على ضرورة مراعاة أسر الضحايا والمصابين، وسرعة صرف مستحقاتهم المالية، وتقديم الدعم المعنوي اللازم لهم.
ووافق إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، أمس، على صرف مساعدة مالية استثنائية مقدارها 60 ألف جنيه، لكل حالة وفاة في حادث غرق «المركب» في منطقة الوراق بمحافظة الجيزة الأسبوع الماضي، فضلا عن صرف مساعدة مالية استثنائية مقدارها عشرة آلاف جنيه، لكل مصاب.
من جانبه، شدد رئيس الحكومة في اجتماع مع أعضاء حكومته على ضرورة تحقيق السيطرة والانضباط في نهر النيل، مؤكدا أنه «علينا تحويل الحالة المؤلمة التي عاشها المصريون في حادث الوراق إلى قصة نجاح وانضباط». وأشار محلب إلى ضرورة تطبيق القانون بحسم على المعديات، وضبط التراخيص لكل المراكب والصنادل. كما وجه رئيس الوزراء بأن يرفع إليه تقرير أسبوعي يتضمن إجراءات تطبيق الانضباط في نهر النيل، مؤكدا «نريد حالة استنفار عام لحماية نهر النيل وتحقيق الانضباط فيه».
وقالت مصادر مصرية مسؤولة، إن «الحكومة أصدرت قرارات لتحقيق الانضباط في منظومة النقل النهري، تشمل إيقاف حركة الملاحة بالقاهرة الكبرى للصنادل النهرية ليلا، وإيقاف التراخيص الجديدة للمراسي والوحدات النيلية المتحركة، ومنع المكبرات الصوتية من مراكب النزهة ونقل الركاب، ومراجعة التشريعات الخاصة بمنظومة النقل النهري، وتغليظ العقوبات على المخالفين، والتأكد من التزام جميع الوحدات النهرية بتطبيق القوانين والاشتراطات المطلوبة، ومنها ارتداء العاملين والركاب لسترات النجاة وتكليف وزارة الموارد المائية والري، بالتنسيق مع المحافظين، لإعداد حصر كامل لموقف جميع المراسي النهرية على مستوى محافظات مصر، والتأكد من سلامتها».
وأضافت المصادر المصرية أنه تم تكليف وزارة النقل بالتنسيق مع المحافظين وشرطة المسطحات المائية، بمراجعة موقف جميع المعديات النهرية، والتأكد من سلامتها، وإيقاف أي معدية تخالف الاشتراطات على الفور، مع إلزام المعديات والمراكب النيلية بتعليق لافتة عليها بخط واضح، تبين مدة الترخيص، وعدد الركاب، لافتا إلى أن «الحكومة قررت بدء حملة موسعة على جميع الوحدات المائية النهرية، لضبط المخالفات القانونية المختلفة، ومنع السلوكيات الخاطئة، مع فحص ومراجعة موقف السائقين والعاملين على هذه الوحدات النهرية، وضبط أي مخالفة ترتكب على الفور، وتكليف وزارة النقل والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بإعداد خطة متوسطة وطويلة المدى، تتضمن برامج تنفيذية، لتطوير وانضباط منظومة النقل النهري، حيث ستتبنى الحكومة تنفيذ مشروع قومي لتأمين الملاحة النهرية، إضافة إلى ضرورة تأهيل الكوادر الفنية العاملة على الوحدات النهرية المختلفة».
من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، السفير حسام القاويش، إن «رئيس الوزراء قرر استبعاد رئيس هيئة النقل النهري، ومدير الإدارة العامة للمسطحات المائية، من منصبيهما».
ميدانيا، ما زالت أصداء غرق المركب النهري الذي كان يستقله مواطنون وأطفال، عقب اصطدامه بصندل نهري، تتصدر المشهد في مصر، بعدما وصل عدد القتلى إلى 40 إلى جانب مفقودين، وسط حالة غضب من جانب أسر الضحايا. وطالب أهالي الضحايا الحكومة بتقديم استقالتها، مؤكدين أن «الحكومة فشلت في التعامل مع الأزمة». ويرى مراقبون أن «الحكومة واجهت أشد موجة عنف ونقد لها في حادث المركب النهري»، لافتين إلى أن «الإجراءات والقرارات الحكومية عقب الحادث لم ترض الشارع المصري».
في السياق ذاته، قال محمد شحاتة، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنقل، إن «النقل النهري يحتاج لإعادة تأهيل ولإصدار قوانين جديدة تسمح للنقل النهري بالتفتيش على المراكب النهرية والعبارات والمعديات بشكل فعال بواسطة جهات مسؤولة عديدة»، موضحا أن الملاحة بنهر النيل يتم الإشراف عليها من هيئتي السلامة البحرية والنقل النهري، الأمر الذي أدى لعدم وجود مسؤول واحد يمكنه وضع مخطط عام للملاحة به.
ويعتبر غرق العبارة «السلام 98» في الثالث من فبراير (شباط) عام 2006 أسوأ كارثة بحرية في تاريخ مصر الحديث، حيث لقي أكثر من ألف شخص مصرعهم في حادث العبارة التي كانت تعمل على خط البحر الأحمر بين ميناء ضبا في السعودية وميناء سفاجا المصري، وكان معظم الركاب الـ1400 في العبارة من المصريين العاملين في الخارج.
وتشهد مصر دائما حوادث في نهر النيل، كانت آخرها في 5 يوليو (تموز) الحالي، حيث غرقت العبارة طابا على بعد 20 ميلا من ميناء سفاجا فور مغادرتها وعلى متنها 37 فردًا، منهم 27 فردا طاقمها و10 سائقين.
وفي غضون ذلك، تواصل السلطات المحلية جهودها للبحث عن مفقودين جدد، وقالت المصادر المصرية نفسها، إن «فرق الإنقاذ مستمرة في عملها على نطاق واسع ومساحات بعيدة؛ للبحث عن ضحايا آخرين للمركب النيلي».
وجددت السلطات القضائية، أمس، حبس طاقم الصندل المتسبب في الحادث 15 يوما على ذمة التحقيق. وأكد قائد الصندل أنه أصدر تنبيهات صوتية وضوئية لقائد المركب؛ لكن مكبرات الصوت بالمركب حالت دون سماعها، مشيرا في أقواله إلى أن «رخصته سارية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.