تضارب بين المتمردين حول قبول الهدنة.. والمقاومة تتقدم بغطاء جوي من قوات التحالف

غارات مكثفة في صنعاء ومقتل 7 حوثيين أمام منزل هادي

مسلحون يمنعون بيع الوقود في محطة تزود بصنعاء أمس (رويترز)
مسلحون يمنعون بيع الوقود في محطة تزود بصنعاء أمس (رويترز)
TT

تضارب بين المتمردين حول قبول الهدنة.. والمقاومة تتقدم بغطاء جوي من قوات التحالف

مسلحون يمنعون بيع الوقود في محطة تزود بصنعاء أمس (رويترز)
مسلحون يمنعون بيع الوقود في محطة تزود بصنعاء أمس (رويترز)

شهدت الساحة اليمنية قبيل بدء سريان الهدنة التي تقدمت بها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية بناء على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، سلسلة من التطورات السياسية الأمنية والعسكرية في مختلف المحافظات. ومع التخبط في أوساط ميليشيا الحوثي والمتحالفين معه من قوات موالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، أعرب جناح من المسلحين رفضه الهدنة التي أعلنها التحالف العربي بقيادة السعودية، بينما قال جناح آخر إنه لم يبلغ بقرار الهدنة. ونفى المتحدث الرسمي باسم ميليشيا الحوثي، محمد عبد السلام على صفحته على موقع «فيسبوك» أمس ما نقل عن زعيمهم عبد الملك الحوثي بشأن رفضه الالتزام بالهدنة التي أعلنها التحالف العربي ابتداء من منتصف ليل أمس في اليمن.
وكتب المتحدث محمد عبد السلام أنه «توضيحا لما ورد على حساب نسب للسيد الحوثي في (تويتر) فلا حساب للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لا على (تويتر) ولا على أي وسيلة تواصل اجتماعية». ولكن المتحدث لم يحدد موقف الحوثيين من الهدنة الإنسانية التي كان من المرتقب أن تبدأ في منتصف من ليل أمس وتستمر حتى الجمعة بهدف تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. وكان المتحدث ينفي تغريدة نشرت على حساب يحمل اسم زعيم الحوثيين لم يتم التحقق منه وله أكثر من 16 ألف متابع جاء فيه «الهدنة المرفوضة» مضيفا أن «المعركة مستمرة». ومن جهة أخرى، نقلت وكالة الأنباء التي يسيطر عليها الحوثيون «سبأ» عن الحوثيين قولهم إن «الأمم المتحدة لم تخطرهم بشأن الهدنة».
ونسبت الوكالة التي يديرها محمد علي الحوثي القول: «لم يصل أي خطاب رسمي من الأمم المتحدة بشأن الهدنة»، مضيفا: «ليس هناك موقف لا سلبًا ولا إيجابا حتى تتم المخاطبة الرسمية من قبل الأمم المتحدة بهذا الخصوص».
وبدوره، صرح الدكتور عادل الشجاع، عضو الأمانة العامة (المكتب السياسي) لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه المخلوع صالح لـ«الشرق الأوسط» إن «المؤتمر لا تعنيه الهدنة لا من قريب أو بعيد». أكد مراقبون في الساحة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» أن الهدنة ستكون محكومة بالفشل، والسبب واضح وهو عدم التزام الحوثيين بها، رغم أنها هدنة إنسانية من أجل إيصال المساعدات الغذائية والدوائية العاجلة للمواطنين اليمنيين. وقد رحبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالهدنة، بينما دعت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى احترام الهدنة الإنسانية الجديدة، التي جاءت بالتزامن مع زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى العاصمة السعودية.
وفي التطورات الميدانية، واصلت المقاومة الشعبية الجنوبية والقوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، أمس، تقدمها وتحقيق انتصارات ضد الميليشيات الحوثية والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، في محافظة لحج، حيث باتت مدينة الحوطة، عاصمة المحافظة، قاب قوسين من التطهير من الميليشيات، بينما باتت معظم مدن المحافظة محررة. وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن «منطقة الوهط، في لحج، شهدت قتالا عنيفا بين الطرفين، وإن آليات عسكرية دمرت، إلى جانب سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الحوثيين وحلفائهم من قوات صالح». وتأتي مواجهات الوهط بعد يوم واحد على تحرير مدينة صبر، ثاني مدن المحافظة، وتقول المصادر المحلية في لحج إن «الميليشيات الحوثية وقوات صالح، تعانيان انهيارا متسارعا في صفوفهما، خاصة مع الضربات الجوية المتصاعدة التي تساند تقدم المقاومة».
وقبيل بدء سريان الهدنة، منتصف ليل أمس، كثف طيران التحالف غاراته على عدد من المحافظات والمواقع التي يتمركز فيها الحوثيون وقوات المخلوع صالح. ففي الجنوب، قصفت الطائرات مديرية كرش ومناطق أخرى في محافظة لحج.
وشنت طائرات التحالف عددا من الغارات على معسكر الاستقبال، في شمال غربي العاصمة اليمنية صنعاء. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن «دوي انفجارات عنيفة سمع داخل المعسكر المستهدف، كما استهدفت الطائرات منطقة ضُلاع همدان». وقالت مصادر محلية إن «منزل الرئيس اليمني الأسبق، أحمد حسين الغشمي، الذي تسيطر عليه الميليشيات الحوثية في تلك المنطقة، كان ضمن المواقع التي قصفت. كما شمل القصف الجوي، مواقع وثكنات للميليشيات الحوثية على الطريق الرابط بين العاصمة صنعاء ومحافظة المحويت، إلى ذلك تبنت المقاومة الشعبية في إقليم آزال، عددا من الهجمات التي استهدفت الميليشيات الحوثية وقوات صالح في صنعاء وذمار، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية». وقال المكتب الإعلامي لمقاومة آزال، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «عناصرها هاجمت محطة للبنزين في مدينة معبر بمحافظة ذمار، جنوب صنعاء، بعبوة ناسفة، الأمر الذي أدى إلى اشتعال النيران بداخل المحطة». وأوضحت المقاومة أن المحطة كانت مصدرا لتعبئة المشتقات النفطية لمركبات عناصر الميليشيات. كما تبنت مقاومة آزال مقتل 3 من عناصر الميليشيات الحوثية في نفس مدينة معبر.
وفي العاصمة صنعاء، قالت المقاومة الشعبية إن 7 من المسلحين الحوثيين، على الأقل، قتلوا في هجوم لعناصر المقاومة استهدف تجمعا للميليشيات الحوثية أمام منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي في شارع الستين الغربي بالعاصمة صنعاء، وذلك في سياق سلسلة العمليات التي تنفذها وتستهدف الميليشيات الحوثية وقوات صالح.
وقبل بدء سريان الهدنة واصل طيران التحالف أمس شن غاراته الجوية على عدة مواقع بمحافظة صعدة المعقل الرئيسي لميليشيا الحوثي شمال صنعاء. وقالت مصادر محلية لوكالة الأنباء الألمانية إن «غارات شديدة شنها طيران التحالف على معسكري الصمع وكهلان ومنطقة رحبان بمديرية سحار». وأشارت إلى أن قتلى وجرحى سقطوا جراء تلك الغارات، وأن طيران التحالف ما زال يحلق بكثافة في أجواء المدينة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.