الكونغرس يسعى لتقليص الدور الحكومي في التعليم

خلافات بين مشروعي قانون في مجلسي الشيوخ والنواب

السيناتور باتي موراي عضو الحزب الديمقراطي في واشنطن في كابيتول هيل خلال محاولتها للتوصل إلى صياغة متوافقة على مشروع القانون (نيويورك تايمز)
السيناتور باتي موراي عضو الحزب الديمقراطي في واشنطن في كابيتول هيل خلال محاولتها للتوصل إلى صياغة متوافقة على مشروع القانون (نيويورك تايمز)
TT

الكونغرس يسعى لتقليص الدور الحكومي في التعليم

السيناتور باتي موراي عضو الحزب الديمقراطي في واشنطن في كابيتول هيل خلال محاولتها للتوصل إلى صياغة متوافقة على مشروع القانون (نيويورك تايمز)
السيناتور باتي موراي عضو الحزب الديمقراطي في واشنطن في كابيتول هيل خلال محاولتها للتوصل إلى صياغة متوافقة على مشروع القانون (نيويورك تايمز)

اتخذ الكونغرس الأميركي قبل أيام خطوة نحو تقليص دور الحكومة الفيدرالية في التعليم، خاصة استغلال اختبارات معيارية مرتفعة المخاطرة في معاقبة المدارس، في أول مراجعة مهمة لهذا الأمر منذ تمرير قانون «جميع الأطفال» (No Child Left Behind) منذ 14 عامًا.
ورغم توافر اتفاق شبه عام حول ضرورة إعادة تنقيح القانون، فإن السبل المقترحة للقيام بذلك شديدة التباين.
من جانبه، مرر مجلس النواب النسخة التي أقرها للقانون في صورته الجديدة، في إجراء غلبت عليه القيود المحافظة التي رفضها أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي والرئيس الأميركي باراك أوباما. وبدأ مجلس الشيوخ في مناقشة بديل لهذه النسخة، وهو عبارة عن مشروع قانون يحظى على الأقل ببعض الدعم من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لكن البيت الأبيض ما يزال يراه غير مكتمل الأركان.
جدير بالذكر أن قانون «جميع الأطفال» الذي مرره الكونغرس بهامش كبير، جرى اعتباره أحد الإنجازات الداخلية الكبرى للرئيس جورج دبليو بوش. ومع ذلك، فقد أثارت بنوده المتعلقة بالاختبارات الموحدة جدالاً كبيرًا منذ ذلك الحين.
وازدادت هذه الخلافات حدة خلال السنوات التي أعقبت صياغة رئيس مجلس النواب جون إيه. بوينر والسيناتور إدوارد إم. كيندي لنسخة تمثل حلاً وسطا، ووقع عليها بوش.
وتتضمن نسخة مجلس النواب من مشروع قانون التعليم المنقح بندًا يسمح للأطفال منخفضي الدخول بنقل أموال فيدرالية بين الإدارات التعليمية، الأمر الذي تعهدت إدارة أوباما باستخدام حق الفيتو ضده. والملاحظ أن مشروع القانون، الذي جرى تمريره بـ2018 صوتًا مقابل 213 صوتا، لم يحظ بأي دعم ديمقراطي تقريبًا.
وداخل مجلس الشيوخ، انطلقت الدعوات التي تحث جميع الأعضاء على التعاون. ومن جانبه، قال السيناتور لامار ألكسندر، عضو الحزب الجمهوري في تينيسي: «طلبنا من أعضاء مجلس الشيوخ إبداء ضبط النفس».
ويذكر أن ألكسندر يعمل مع السيناتور باتي موراي، عضو الحزب الديمقراطي في واشنطن، على صياغة مشروع قانون يمثل حلاً وسطا بين الفريقين. وأضاف: «هدفنا هو ضمان النجاح، ما يعني إقناع الرئيس أوباما بالتوقيع على مشروع القانون. وبالنسبة لنا، فإن قانون جميع الأطفال يمثل القضية الأولى».
الملاحظ أن كلا من نسختي مشروع القانون المعني بالتعليم الصادرتين عن مجلس الشيوخ ومجلس النواب تتناولان ما عارضه منتقدو قانون «جميع الأطفال» طيلة سنوات - وهو النظام العقابي للاختبار والذي تشرف عليه الحكومة الفيدرالية - ويتجه المشروعان الجديدان نحو إتاحة قدر أكبر من السيطرة المحلية.
ويتمسك مشروعا القانون بالاختبارات السنوية للقراءة والرياضيات الضرورية في ظل القانون الحالي، بينما ستحصل الولايات على حرية أكبر في تقرير كيفية استغلال اختبارات التقييم تلك لقياس مستوى أداء المدارس والمدرسين.
ومع ذلك، فإن مشروع القانون المطروح أمام مجلس الشيوخ يتطلب من الولايات الاستمرار في استخدام الاختبارات باعتبارها عاملا مهما في عملية المساءلة والمحاسبة، بينما تخلو النسخة المطروحة داخل مجلس النواب من هذا الأمر.
تبعًا لقانون «جميع الأطفال»، فإن نتائج الاختبارات أساسية، ويمكن أن تخضع المدارس التي تخفق في تحقيق نتائج طيبة لسلسلة من صور العقاب المتصاعدة التي تتنوع بين الإشراف الإجباري وغلق المدارس.
ويحظر مشروعا القانون الحاليان على الحكومة الفيدرالية فرض أي مجموعة محددة من المعايير الأكاديمية، مثل المعايير الجوهرية المشتركة التي يندد بها الكثير من المحافظين والذين يعتبرونها محورًا للتدخل الفيدرالي.
من جهتها، قالت ليلي إسكلسين غارسيا، رئيسة الاتحاد الوطني للتعليم، أكبر اتحاد للمعلمين على مستوى البلاد، معلقة على مشروع القانون المطروح داخل مجلس الشيوخ: «إنها قفزة كبرى على صعيد التعامل مع الأطفال. إنه يتخلص من سلطة الاختبار والعقاب التي تتيح تصنيف طفل أو مدرسة ما بناءً على اختبار موحد».
يذكر أن الكونغرس أخفق مرارًا في جهوده في إعادة صياغة القانون. منذ عامين، مرر مجلس النواب مشروع قانون في هذا الصدد، لكن مجلس الشيوخ لم يتخذ أي إجراء. وفي فبراير (شباط)، طرح مجلس النواب مشروع قانون يكاد يكون مطابقًا للنسخة التي طرحت عام 2013.
إلا أن الجمهوريين المحافظين المنتخبين حديثًا، الذين أبدوا معارضة متزايدة تجاه «المعايير الجوهرية المشتركة»، حيث اعتبروها مؤشرًا على تدخل مفرط من قبل الحكومة الفيدرالية في التعليم، دفعوا قيادة مجلس النواب نحو سحب مشروع القانون. وسمح للأعضاء حينذاك بطرح تعديلات جديدة للحد بدرجة أكبر من التدخل الفيدرالي.
خلال النقاشات المستمرة حول إعادة صياغة القانون، الذي تم تمريره بداية الأمر عام 1965 تحت مسمى «قانون التعليم الابتدائي والثانوي»، مارس المحافظون ضغوطًا قوية بهدف تقليص دور الحكومة الفيدرالية.
من جانبهم، أشار الديمقراطيون إلى أن القانون جرت صياغته في الأصل بهدف حماية أكثر الطلاب فقرًا، مشددين على ضرورة اضطلاع الحكومة الفيدرالية بدور مهم في فرض هذا القانون لضمان تلقي الطلاب الفقراء والأقليات العرقية والطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة على خدمة تعليمية متكافئة.
في هذا الصدد، قالت موراي داخل مجلس الشيوخ هذا الأسبوع: «دعونا نتذكر أن محاسبة الولايات عن جميع الطلاب ستنجح فقط إذا حصلت على الموارد التي تحتاجها لضمان نجاح الطلاب. للأسف، فإن بعض المدارس لا توفر ذات المستوى من الفرص التعليمية الذي توفره مدارس أخرى». أما البيت الأبيض فيضغط من أجل محاسبة الولايات بدرجة أكبر عما يوفره مشروعا القانون.
من ناحية أخرى، يشعر المدرسون والمديرون والآباء بقلق حيال التشاحن الدائر داخل الكونغرس، بجانب تنامي غضبهم حيال الدور المحوري الذي تلعبه الاختبارات الموحدة في حياة أطفالهم، مع انتشار موجة من المظاهرات ودعوات المقاطعة خلال السنوات الأخيرة.
وزادت مشاعر السخط جراء استغلال إدارة أوباما للحوافز المالية الواردة بقانون «جميع الأطفال» لضمان استخدام الولايات نتائج اختبارات الطلاب في تقييم أداء المدرسين المهني.
ويلزم مشروع القانون المطروح بمجلس الشيوخ الولايات على إقرار إرشادات لتصنيف المدارس بحيث تتضمن عناصر أخرى مثل معدلات التخرج وإتقان الإنجليزية ونتائج تقييم الآباء والأمهات ونتائج الدراسات المسحية حول مستوى رضا الطلاب والسجلات العقابية أو تقييم ظروف العمل للمدرسين.
ويشعر بعض المعنيين بالتعليم بالقلق من أن تسفر إضافة هذه المعايير عن تقليل التركيز على الجانب الأكاديمي.
على الجانب الجمهوري، يرغب أعضاء الكونغرس منهم في السماح للطلاب المنتمين لمناطق فقيرة بنقل التمويل الفيدرالي معهم حال تغييرهم المدرسة التي يتعلمون بها، بجانب حصول الآباء والأمهات على إيصالات تمكنهم من استغلال المال المخصص لمدارس حكومية في الالتحاق بمدارس خاصة.
وتسعى نسخة مشروع القانون المطروحة في مجلس الشيوخ إلى توفير مزيد من المال لبرنامج منح تنافسية جديد للتعليم المبكر ويتضمن بنودًا لضمان عدم استغلال السلطات التعليمية في الولاية أو السلطات التعليمية المحلية الأموال الفيدرالية محل التمويل المحلي.
وبينما يفرض مشروع القانون القائم أمام مجلس النواب حد أقصى على الإنفاق، فإن نظيره المعروض على مجلس الشيوخ لا يتناول مسألة التمويل.
من ناحيته، أعرب آن دنكان، وزير التعليم، خلال مقابلة أجريت معه عن اعتقاده بأن أمام مشروع القانون «فرصة 40 إلى 60 في المائة» لأن يصل إلى مكتب الرئيس.
وأضاف أن الإدارة تنظر لقانون التعليم باعتباره فرصة للمعاونة في الحد من التفاوت، وأن إقرار قانون من دون إرشادات واضحة لتناول المدارس التي تعلم أكثر الطلاب فقرًا وأبناء الأقليات العرقية، سيعد بمثابة إهدار لتراث الحقوق المدنية المميز للقانون.

* خدمة «نيويورك تايمز»



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.