«مكتب التنسيق».. حجر عثرة في النظام التعليمي بمصر

خبراء طالبوا بإجراء اختبارات مؤهلة للقبول في الكليات

جانب من مظاهرة بعض الطلاب مطلع الشهر الحالي أمام وزارة التعليم المصرية للمطالبة بإلغاء التنسيق («الشرق الأوسط»)
جانب من مظاهرة بعض الطلاب مطلع الشهر الحالي أمام وزارة التعليم المصرية للمطالبة بإلغاء التنسيق («الشرق الأوسط»)
TT

«مكتب التنسيق».. حجر عثرة في النظام التعليمي بمصر

جانب من مظاهرة بعض الطلاب مطلع الشهر الحالي أمام وزارة التعليم المصرية للمطالبة بإلغاء التنسيق («الشرق الأوسط»)
جانب من مظاهرة بعض الطلاب مطلع الشهر الحالي أمام وزارة التعليم المصرية للمطالبة بإلغاء التنسيق («الشرق الأوسط»)

جاءت مؤشرات تنسيق المرحلة الأولى لطلاب الثانوية العامة المنتقلين إلى الدراسة الجامعية في مصر، لتعيد قضية النظام التعليمي في مصر للنقاش مجددًا، الذي يمثل نقطة فارقة ومصيرية في حياة الطلاب وأسرهم، غير أنه يتوقف فقط على المجموع الذي حصلوا عليه في اختبارات الثانوية العامة كمعيار وحيد للقبول بالكليات، الأمر الذي دفع عدد من الخبراء والطلاب للمطالبة بتغيير نظام التنسيق وعمل اختبارات مؤهلة للكليات ليناسب خريجوها سوق العمل.
وارتفعت الحدود الدنيا للمرحلة الأولى لتنسيق هذا العام نظرًا لزيادة عدد الطلاب بها بنحو 10 آلاف طالب، مقارنة بالعام الماضي الذي بلغ آنذاك مائة ألف و220 طالبًا، كما ارتفع الحد الأدنى لتسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الأولى على العام الماضي بنحو 0.36 في المائة لشعبة علمي علوم، ونحو 1.1 في المائة للشعبة الهندسية، ونحو 1.1 في المائة للشعبة الأدبية.
وتشير المؤشرات شبه النهائية إلى أن الحد الأدنى للقبول بكليات الطب البشري سيقف عند 98.4 في المائة، والأسنان 98.2 في المائة، والصيدلة 97.2 في المائة، والعلاج الطبيعي 97.1 في المائة، والطب البيطري 96.7 في المائة، والهندسة 94.1 في المائة، والحاسبات والمعلومات 93 في المائة، والاقتصاد والعلوم السياسية 96.8 في المائة، والعلوم 94.9 في المائة، والإعلام 95.4 في المائة، والألسن 94.1 في المائة، واللغات 92.8 في المائة، بما يعني أن كليات القمة ستكون كاملة العدد مع انتهاء تسجيل طلاب المرحلة الأولى.
لكن هناك فجوة كبيرة بين مرحلة التعليم المدرسي والجامعي يعيشها الطلاب في مصر من حيث التخصص والدراسة، وهي الواحدة من المشكلات التي لا تحظى بالدراسة والاهتمام اللازمين.
ولا يعد دخول كلية معينة يترتب عليها مستقبل الطالب بأكمله اختيارًا في مصر، فذلك يتوقف على المجموع الذي حصل عليه الطلاب في الثانوية العامة ليتم توجيههم إلى الكلية المناسبة فيما بعد عبر ما يعرف بمكتب التنسيق، التابع لوزارة التعليم العالي، حينها لا تكون القدرات الشخصية عاملاً حاسمًا في الدخول إلى الكلية، وإنما فقط وحصريًا عبر المجموع.
وبالنسبة للطلاب، تكون الأيام الأولى في الكلية بمثابة الدخول إلى عالم جديد ومجهول، فالطالب وصل إليها فقط عبر معيار واحد هو المجموع الدراسي في اختبارات يعتمد أغلبها على «الحفظ والتسميع». فمثلاً نجد طالبًا يمتلك من الإمكانات ما يؤهله ليصبح طبيبًا، لكن اختبارًا صعبًا في إحدى المواد حرمه من هذا الحلم، وعلى النقيض تجد بعض المقبولين في كلية الطب ليسوا بالضرورة لديهم الموهبة والقدرات التي تؤهلهم ليصبحوا أطباء في المستقبل.
أدى هذا الوضع إلى ظهور بعض المبادرات المجتمعية التي تسعى لتأهيل الطلاب للقبول في الجامعات، لكن دون تغيير في واقع «التنسيق» المجحف أحيانًا، لكن هذه المبادرات غالبًا ما تهدف للربح في المقام الأول.
وعلى سبيل المثال، هناك مبادرة «التعليم ما قبل الجامعي»، وهو مشروع يهدف في المقام الأول لمساعدة الطلاب المقبلين على الدراسة الجامعية، وذلك من خلال عمل دورات تدريبية لتنمية مهاراتهم، وتوفير معيدين جامعيين يحدثونهم بتعمق عن الكليات المختلفة حتى يتسنى لمن ودعوا المرحلة الثانوية اختيار الكلية التي تناسبهم، مقابل 20 جنيهًا مصريًا في دورة تستمر لمدة 3 أيام. ويقول القائمون على المبادرة إن «المبلغ المطلوب هو قيمة إيجار المركز الذي يستضيف الدورات، بينما لا تهدف المبادرة للربح على حد قولهم، حتى إن المتطوعين العاملين فيها، بما فيهم المعيدون، لا يتقاضون أجرًا.
ومع كل إجازة صيفية تتناثر الإعلانات في شوارع ومواصلات مصر، خصوصًا في العاصمة القاهرة، التي تروج لعدد من مراكز التأهيل البدني والرياضي لمن يريدون اجتياز اختبارات القبول بالكليات العسكرية، في ظل عدم وجود مؤسسة رسمية تعمل على ذلك، وهذه المراكز تحصد مبالغ طائلة دون تحقيق أي إفادة لخريجي الثانوية العامة الطامحين في الالتحاق بالجيش والشرطة.
وفضت الشرطة المصرية المكلفة بتأمين وزارة التربية والتعليم، قبل نحو أسبوعين، مظاهرة نظمها عدد من طلاب الثانوية العامة طالبوا فيها بإلغاء نظام التنسيق، وتطبيق نظام القدرات في الالتحاق بالجامعات، وهو ما يعكس رفض قطاع من الطلاب للنظام المعمول به في مصر منذ عقود للالتحاق بالجامعات.
ويشرح محمد عبد الفتاح، الذي تخرج من كلية الألسن بجامعة عين شمس في القاهرة في عام 2008، إن «أبرز مشكلة واجهته بالانتقال إلى الدراسة الجامعية هي اختلاف طريقة الدراسة والمناهج، خاصة في كلية هدفها الأول تعليم اللغات الأجنبية، التي غالبًا ما تكون جديدة على الطلاب، وبينما تغيب أي مرحلة تمهيدية للكلية لمعرفة طريقة الدراسة وحتى اختيار اللغة التي سيتحدد عليها مستقبل الطالب بالكامل».
ويقول محمد لـ«الشرق الأوسط»: «بمجرد دخولك إلى الكلية في العام الدراسي الأول تكون فريسة وهدفًا للأسر الطلابية، التي تسعى إما لجذبك إلى محيطها والانتماء إليها؛ أو على الأقل تحقيق أعلى ربح منك من خلال بيع القواميس والكتب الدراسية». لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث تابع محمد: «لا توجد أي معايير لاختيار اللغة التي تفضل دراستها سوى درجة اللغة الإنجليزية في الثانوية العامة، دون أخذ احتياجات سوق العمل في الاعتبار، أو القدرات الشخصية لتلقي اللغة وإجادتها»، ومن ثم يقترح وجود دورة ولو لأسبوع واحد يلتحق بها الطلاب المقدمون على دراسة اللغات حتى لا يخطئوا الاختيار الذي قد يكلفهم الكثير، ويتابع: «بسبب دراسة لغات لا يحتاجها السوق لوفرتها وزيادة أعداد دارسيها، كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية ومؤخرا الألمانية، فإن كثيرين من زملائي اضطروا للعمل بوظائف لا ترتبط بقريب أو من بعيد باللغة التي درسناها في الكلية، مما يعني ضياع أربع سنوات من العمر دون أي نفع». ويقول عبد المقصود الملاح، 22 عامًا، والطالب بكلية العلوم في جامعة القاهرة، إن أحد جوانب المشكلة تتمثل في المعايير التي تختار الأسر على أساسها إلحاق أبنائها بالكليات، حيث يأتي المجموع في المقام الأول وليس رغبة الطلاب، على طريقة «هذا ما وجدنا عليه آباءنا»، مضيفًا: «فمن يحصل على 98 في المائة لا بد وأن يلتحق بكلية الطب، بغض النظر عن ميوله وموهبته والمجال الذي يمكن أن يبزغ فيه».
ويوضح الملاح: «كما أن النظام الأكاديمي المصري يعاني خللاً، حيث تستوعب الكثير من الكليات أعدادًا ضخمة من الطلاب لا يحتاجها سوق العمل»، والسبب برأيه يرجع إلى الثقافة التي صنفت الكليات إلى كليات قمة وكليات قاع إذا جاز التعبير، الأولى يتنافس عليها المتنافسون وأخرى لا تجد من يدخلها.
ويقول الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشكلة تكمن في الأفكار المسبقة الموجودة في عقول الناس، والتعميم بتصنيف كليات قمة وكليات قاع؛ ليكون العمل بعدها مضمونا حسبما يعتقدون، ويرفض هذا المفهوم قائلاً إن «الوضع في العالم عكس ذلك تمامًا، فتجد أن كليات الحقوق والعلوم والتجارة مثلاً لا تقل أهمية وقيمة عن كليات الطب والهندسة، التي يتم اعتبارها في مصر كليات قمة، كما أنها توفر فرص العمل بنفس القدر». كما طالب الدكتور مجدي بضرورة إلغاء نظام التنسيق ليكون المعيار في الالتحاق بالكليات «هل الطالب مؤهل أم غير مؤهل للدراسة بها؟». ويقول إن «معايير الجامعة تختلف عن معايير الثانوية العامة»، متسائلاً: «هل يمكن للدكتور الاستغناء عن المحاسب خريج التجارة في الخدمات البنكية؟»، مشيرًا إلى أن كل كلية لها أهميتها.
ويدلل مجدي على رأيه بأن «الطبيب لا بد وأن يملك القدرة على التواصل والكلام مع الناس والاستماع إليهم، وليس مجرد حفظ لما يرد في الكتب، وكذا دارس الهندسة لا بد أن يتميز بالإبداع والخيال وليس مجرد مجموع عال». ويختتم: «لا بد من وجود اختبارات مؤهلة للطلاب قبل التحاقهم بالكليات، مع وجود تقييم في السنة الأولى من الجامعة لمعرفة إذا كان يمكن للطلاب المواصلة في الكلية أم لا، على طريقة الكليات العسكرية التي تجري اختبارات قدرات للمتقدمين إليها مع ضرورة تحديد عدد المقبولين، لافتًا إلى أن الامتحانات في الثانوية والجامعة ليست مقياسًا لسوق العمل.



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.