وحيدون لأحبتهم فارقوا الحياة بالزلزال شمال غربي سوريا

وحيدة بقيت في حارم (الشرق الأوسط)
وحيدة بقيت في حارم (الشرق الأوسط)
TT

وحيدون لأحبتهم فارقوا الحياة بالزلزال شمال غربي سوريا

وحيدة بقيت في حارم (الشرق الأوسط)
وحيدة بقيت في حارم (الشرق الأوسط)

بعينين حزينتين وقلب يعتصر ألماً، على فراق ابنها الوحيد، تجلس «أم حسن» ساعات طويلة كل يوم، في ظل البرد القارس، مقابل ركام المنزل الذي قضى تحته ابنها وعائلته، بالزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وترفض مغادرة المكان حتى المساء، وهي تستعيد ذكرياتها الجميلة مع ابنها وأحفادها التي عاشتها لسنوات، قبل أن يخطفهم الموت بالزلزال.
وتقول «أم حسن» (56 عاماً) من مدينة حارم شمال إدلب، إنها حتى اللحظة لم تتقبل الحقيقة المرة، أن ابنها (الوحيد) وأطفاله الخمسة وزوجته، قد غيبهم الموت، على الرغم من أنها قامت بلفهم بالأكفان وشاركت في دفنهم، إلى جانب مئات من ضحايا الزلزال الذي ضرب مدينتها. وفي جلوسها قبالة ركام منزل ابنها الذي انتشلت فرق الدفاع المدني جثمانه وجثامين أسرته: «تشعر بالهدوء والراحة».
وفي مشهد آخر، وبين أنقاض أحد المنازل التي دمرها الزلزال وسط مدينة حارم، يتجول أحمد (24 عاماً) الذي نجا من الموت، بين أنقاض منزل أهله الذين قضوا بالزلزال، ويحتضن سجادة صلاة صغيرة تذكره بأمه التي كانت تقيم صلاتها عليها، قبل أن تفقد حياتها بالزلزال، وهو يذرف الدموع حزناً عليهم، ويلملم بين الأنقاض ما تبقى من أشياء تذكره بهم.
وقال -وهو الذي نزح من مدينة حلب ويقيم في مدينة حارم منذ 4 سنوات- إنه الوحيد الذي بقي حياً من عائلته المكونة من أب وأم وثلاثة أخوة ذكور، وأخت واحدة، بسبب وجوده لحظة وقوع الزلزال في مكان عمله بأحد أفران الخبز بالمدينة. وبعيد وقوع الزلزال بلحظات قليلة علم من آخرين بوقوع أبنية على رؤوس ساكنيها، ليعود مسرعاً لتفقُّد أهله، وكانت حينها الصدمة التي لم يسبق أن عاشها في حياته، عندما شاهد البناء الذي يقيمون فيه وقد صار كومة من الدمار، ويحيط به ظلام دامس، ليبدأ البحث عنهم بيديه، محارباً الأعمدة الإسمنتية الضخمة، وقطع الخرسانة المكسرة؛ لكن من دون جدوى. وفي اليوم الثاني، قامت فرق الإنقاذ بانتشال جثامين أهله من تحت الأنقاض أمواتاً، بعد ساعات طويلة من العمل.
من جانبه، قال محمد سيد علي، وهو رئيس «المجلس المحلي» في مدينة حارم، إن «الحصيلة الأخيرة لعدد الأبنية المدمرة بشكل كامل جراء الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة حارم، وصلت إلى 35 بناء، وكل بناء مؤلف من 4 طوابق، وكل طابق يضم 4 شقق. ووصل عدد الشقق التي دُمرت إلى نحو 450 شقة سكنية، وكانت تؤوي عائلات متوسط عدد أفرادها بين 5 و6 أشخاص، وبلغ عدد الضحايا 1200، بينما هناك ما يقارب 600 شخص مفقود حتى الآن، كما أن عدد الجرحى وصل إلى 500 جريح، جرى إسعافهم إلى مشافي إدلب».
وأوضح أنه «بعد الانتهاء من عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض جراء الزلزال في المدينة، وانتشال الجثث التي كانت تحت الركام، انتقلت فرق (الدفاع المدني السوري)، والجهات المحلية والفرق التطوعية، إلى مرحلة ترحيل أنقاض المباني المدمرة إلى خارج المدينة، وفتح الطرق أمام حركة المدنيين. وفي الوقت نفسه، تعمل المنظمات الإنسانية والجهات المحلية على إيواء أكثر من 3000 عائلة منكوبة تضررت بالزلزال، وتقديم المساعدات الإنسانية حسب الإمكانات المتوفرة من غذاء وأغطية وخيام لهم».
وحول الإحصائيات الأخيرة لضحايا الزلزال المدمر في شمال غربي سوريا، قالت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، إن «عدد الوفيات وصل إلى 2167، والإصابات أكثر من 2950، حتى مساء السبت»، في حين تواصل فرقها عمليات البحث عن ناجين وانتشال جثث المتوفين في عدة أماكن في ريفي إدلب وحلب، وسط ظروف صعبة جداً.
وقال مازن علوش، وهو مسؤول العلاقات الإعلامية في معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا شمال إدلب، إن «عدد الشهداء السوريين الذين وصلوا من الولايات التركية الجنوبي التي ضربها الزلزال المدمر، عبر معبر باب الهوى؛ بلغ نحو 1176 شهيداً».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.