الأمم المتحدة تطلب تمويلاً لمساعدة 874 ألف متضرر من الزلزال

واشنطن تقدم 85 مليون دولار وتعلّق مؤقتاً عقوبات على دمشق

مخيم للنازحين جراء الزلزال في كهرمان ماراش بجنوب شرقي تركيا أمس (إ.ب.أ)
مخيم للنازحين جراء الزلزال في كهرمان ماراش بجنوب شرقي تركيا أمس (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة تطلب تمويلاً لمساعدة 874 ألف متضرر من الزلزال

مخيم للنازحين جراء الزلزال في كهرمان ماراش بجنوب شرقي تركيا أمس (إ.ب.أ)
مخيم للنازحين جراء الزلزال في كهرمان ماراش بجنوب شرقي تركيا أمس (إ.ب.أ)

قررت الولايات المتحدة تقديم مساعدة عاجلة قيمتها 85 مليون دولار لكل من تركيا وسوريا، للتعامل مع تداعيات الزلزال المدمر في البلدين، وعلقت لستة أشهر بعض العقوبات المفروضة على دمشق، فيما طلب برنامج الغذاء العالمي تمويلاً لمساعدة 874 ألفاً تضرروا من الكارثة الطبيعية، واستعدت الأمم المتحدة لإطلاق نداء إنساني يجمع مزيداً من المعونات من الدول والجهات المانحة.
وتسبب الزلزال في مقتل أكثر من 22 ألف شخص، وتشريد مئات الآلاف من السكان في البلدين وسط برد الشتاء القارس. وتجمع كثير من المشردين في مخيمات مؤقتة بساحات انتظار السيارات والمساجد وعلى جانب الطرق وسط الحطام، من دون إمدادات كافية من الغذاء والماء والتدفئة.
وأفاد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأنه بعد زلازل 6 فبراير (شباط)، «حشدت الولايات المتحدة، بتوجيه من الرئيس جو بايدن، الوكالات الفيدرالية والشركاء بسرعة، لتقديم المساعدة المنقذة للحياة على وجه السرعة بالتنسيق الوثيق مع حلفائنا الأتراك والمنظمات الشريكة في سوريا». وأضاف أنه استكمالاً للعمل الجاري «وصل المئات من الموظفين الأميركيين الإضافيين إلى المنطقة للمساعدة في إنقاذ الأرواح ومساعدة المحتاجين». وأعلن تقديم 85 مليون دولار «مساعدات إنسانية عاجلة لدعم الجهود التي يقوم بها فريق المساعدة والاستجابة للكوارث التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية». وأوضح أن الفرق الأميركية «لديها معدات متخصصة لعمليات البحث والإنقاذ. وانضم إليهم مديرو الطوارئ وفنيو المواد الخطرة والمهندسون واللوجيستيون والمسعفون والمخططون».
ويشمل الدعم الأميركي حتى الآن نشر أكثر من 150 شخصاً كجزء من فريقي البحث والإنقاذ المدينيين المدربين تدريباً عالياً إلى واحدة من أكثر المناطق تضرراً ومهام الجسر الجوي التي تقوم بها طائرات هليكوبتر من طراز «بلاك هوك»، لدعم عمليات الإنقاذ. وتساعد طائرات الهليكوبتر أفراد الإنقاذ في الوصول إلى مناطق يصعب الدخول إليها، كما أن واشنطن تجهز مسبقاً معدات الإغاثة التي تأمل في أن تنضم إلى جهود التعافي.
وعبر عن امتنان الإدارة الأميركية للحكومة التركية التي أعادت فتح الحدود حتى تتدفق المساعدات إلى شمال غربي سوريا، مرحباً بوصول أول قافلة مساعدات للأمم المتحدة عبر معبر باب الهوى. وطالب نظام الرئيس السوري بشار الأسد بـ«السماح فوراً بدخول المساعدات عبر كل المعابر الحدودية، والسماح بتوزيع المساعدات على كل المناطق المتضررة، والسماح للعاملين في المجال الإنساني بالوصول إلى جميع المحتاجين في سوريا من دون استثناء».
- بلينكن ـ جاويش أوغلو
وكان بلينكن تحادث مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو «للتعبير عن دعمنا المستمر لتركيا والشعب التركي في أعقاب الزلازل المدمرة». وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، إن المسؤولين «ناقشا المساعدة الإضافية التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة لدعم جهود الإغاثة التركية»، ناقلاً عن بلينكن تعهده «مواصلة بذل كل ما في وسعنا بالتنسيق مع تركيا لمساعدة ضحايا الزلزال في كل من تركيا وسوريا». وقال أيضاً للصحافيين: «نحض نظام الأسد على السماح فوراً بدخول المساعدات عبر كل المراكز الحدودية والسماح بوصول (المنظمات) الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين بلا استثناء».
وهذا الاتصال هو الثاني بين بلينكن وجاويش أوغلو منذ وقوع الزلزال.
وأعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن التمويل مخصص للشركاء على الأرض «بهدف تقديم المساعدة الطارئة الضرورية إلى ملايين الأشخاص»، مضيفة أنه «سيدعم أيضاً تأمين مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي لمنع تفشي الأوبئة».
وفي وقت متزامن، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا مؤقتاً، بهدف إيصال مساعدات إلى السكان المتضررين في أسرع وقت ممكن. وأوضحت أن هذا الإجراء «يسمح لمدة 180 يوماً بكل الصفقات المتعلقة بمساعدة ضحايا الزلزال، التي كانت محظورة» بموجب العقوبات المفروضة على سوريا. وأشارت أيضاً إلى أن برامج العقوبات الأميركية «تتضمن أساساً استثناءات متينة للعمليات الإنسانية».
- الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء
في غضون ذلك، أفادت الناطقة باسم برنامج الغذاء العالمي في نيويورك شذى مغربي، بأن برنامج الأغذية العالمي قدم مساعدات غذائية عاجلة إلى 115 ألف شخص في سوريا وتركيا في الأيام الأربعة الأولى بعد الزلازل في المنطقة. ونسبت إلى المديرة الإقليمية للبرنامج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كورين فلايشر، أن «ما يجري تقديمه بشكل أساسي هو وجبات ساخنة وحصص غذائية جاهزة وحزم طعام عائلية - أشياء لا تتطلب مرافق طهي ويمكن استهلاكها على الفور». وأضافت أنه «بالنسبة لآلاف الأشخاص المتضررين من الزلازل، يعد الطعام إحدى أهم الحاجات في الوقت الحالي، وأولويتنا هي توفيره للأشخاص الذين يحتاجون إليه بسرعة».
وقالت مغربي: «يناشد برنامج الغذاء العالمي من أجل الحصول على 77 مليون دولار أميركي لتقديم المساعدة من خلال الحصص الغذائية والوجبات الساخنة لما مجموعه 874 ألف شخص من المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا»، موضحة أن ذلك يشمل 284 ألف نازح جديد في سوريا و590 ألف شخص في تركيا، حيث يوجد 45 ألف لاجئ و545 ألف نازح».
ووسط استعدادات في الأمم المتحدة لإطلاق نداء إنساني، قال الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن المنظمة الدولية «تساعد في حشد فرق الطوارئ وعمليات الإغاثة»، مضيفاً أن «فرقنا الإنسانية تؤكد أنه في سوريا، بما في ذلك الشمال الغربي، هناك حاجة إلى تمويل عاجل لتوفير المأوى والصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم والحماية وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي وكثير من الأشياء الأخرى التي تعد حاسمة في هذه المرحلة من ردنا على الزلزال». وأكد أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش سيعلن بحلول أوائل الأسبوع المقبل، نداءً عاجلاً لدعم المانحين للمتضررين من الزلزال.


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.