هاتاي التركية تكبّدت وحدها ثلث ضحايا الزلزال... والتعرف على الجثث مهمة شاقةhttps://aawsat.com/home/article/4148236/%D9%87%D8%A7%D8%AA%D8%A7%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%A8%D9%91%D8%AF%D8%AA-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%87%D8%A7-%D8%AB%D9%84%D8%AB-%D8%B6%D8%AD%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%84%D8%B2%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AB%D8%AB-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9-%D8%B4%D8%A7%D9%82%D8%A9
هاتاي التركية تكبّدت وحدها ثلث ضحايا الزلزال... والتعرف على الجثث مهمة شاقة
جثث في ساحة أحد مستشفيات أنطاكية في إقليم هاتاي التركي (أ.ب)
أنطاكية: «الشرق الأوسط»
TT
TT
هاتاي التركية تكبّدت وحدها ثلث ضحايا الزلزال... والتعرف على الجثث مهمة شاقة
جثث في ساحة أحد مستشفيات أنطاكية في إقليم هاتاي التركي (أ.ب)
تتنقل رانية زنوبي وسط العتمة والبرد بين الجثث المكدسة أرضاً في موقف للسيارات، فتفتح الأكياس السوداء واحداً تلو الآخر بحثاً عن عمها المفقود إثر الزلزال العنيف الذي حوّل أنطاكية في جنوب تركيا (الاثنين) إلى مدينة منكوبة.
تقول اللاجئة السورية بحسرة: «عثرنا على عمّتي لكن ليس على عمّي». وهي خسرت ثمانية من أفراد عائلتها في الكارثة التي أوقعت أكثر من 17500 ألف قتيل حتى اليوم (الخميس)، في تركيا وسوريا المجاورة.
ويتجمع ناجون آخرون في موقف أكبر فنادق أنطاكية، المدينة الكبرى في محافظة هاتاي، للكشف على الجثث الممددة الواحدة جنب الأخرى. وعدّدت وكالة الصحافة الفرنسية مساء أمس (الأربعاء)، نحو مائتي جثة بعضها ملفوف بأغطية فقط، وُضعت على جانبَي صف الخيام التي ينشط فيها عناصر طبيون قَدِموا من جميع أنحاء البلد وبعضهم حتى من الخارج.
وقضى ما لا يقل عن 3356 شخصاً في محافظة هاتاي وحدها، أي نحو ثلث الضحايا الذين عُثر على جثثهم حتى اليوم (الخميس) في تركيا، وعددهم 14351 قتيلاً على الأقل.
وإزاء حجم الكارثة، لم تعد هناك مساحة متبقية في موقف السيارات الشاسع. فوُضعت سبع جثث عند أسفل حاوية تطفح بالنفايات. وعلى مسافة ثلاثين متراً لا يزال المستشفى الضخم من الإسمنت والزجاج قائماً، غير أن التصدعات الضخمة التي يمكن رؤيتها رغم عتمة الليل على أحد جوانب المبنى، دفعت السلطات لإخلائه.
وجوه من المأساة (رويترز)
كما طالت الأضرار داخل المستشفى، ما جعل من المستحيل استقبال مصابين أو قتلى فيه. ويتم نقل الجرحى إلى الخيام الحمراء والبيضاء الموزعة على ثلاث مجموعات من ألوان مختلفة طبقاً لخطورة الإصابات. ونُقل الكثير من الجرحى في مروحيات إلى مستشفيات قاومت الهزات، لا سيما في أضنة. أما القتلى، فينتهي بهم الأمر على الأسفلت.
حين سئل إيتشان قيصريلي، القادم من أنقرة، عن عدد الذين نُقلوا إلى هناك منذ (الاثنين)، أجاب: «ربما 400. وربما 600». ويقوم المتطوع الذي لم ينم منذ يومين، بمساعدة العائلات على البحث عن قتلاها وتقديم الدعم النفسي الضروري لها، فيما لا تتوقف حركة الناجين ذهاباً وإياباً في موقف السيارات. في جهته اليمنى، يرفع رجل وابنه جثة، ثمّ يواصلان تقدّمهما من غير أن يُبديا أي ردّ فعل. خلفهما يتقدم رجل ببطء خلف مقود سيارة قديمة زرقاء داكنة، عثر على الجثة التي كان يبحث عنها، فمددها على المقعد الخلفي في كيس أسود، تاركاً الباب الخلفي الأيسر مفتوحاً لإخراج القدمين منه.
ثمة شاحنة بيضاء ضخمة مركونة في الموقف، لا تُستخدم لنقل المساعدات على غرار الكثير من الشاحنات التي تتعاقب على الطريق إلى أنطاكية، بل تُستخدم لنقل الجثث مجهولة الهوية.
وقال إيتشان قيصريلي، إن «نحو 70 في المائة من الجثث هنا مجهولة الهوية». إذا لم يحضر أقرباء لتسلم الجثث في غضون 24 ساعة، يتم وضعها في الشاحنة لنقلها إلى مقابر جماعية.
وأوضح المتطوع: «يمكن وضع خمسين جثة في الداخل»، مضيفاً: «يمكننا وضع عدد أكبر، لكننا لا نريد أن نكدّسها».
2025... عام ملء الفراغات؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/5098475-2025-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A7%D8%AA%D8%9F
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.
يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟
بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.
دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.
بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».
حال العالم
في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.
في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.
وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.
يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟
إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.
شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.
التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ
مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.
تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.
في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟