مخيمات النازحين شمال سوريا ملجأ لناجين من الزلزال

طفلة سورية في مخيم للنازحين قرب مدينة جنديرس (أ.ف.ب)
طفلة سورية في مخيم للنازحين قرب مدينة جنديرس (أ.ف.ب)
TT

مخيمات النازحين شمال سوريا ملجأ لناجين من الزلزال

طفلة سورية في مخيم للنازحين قرب مدينة جنديرس (أ.ف.ب)
طفلة سورية في مخيم للنازحين قرب مدينة جنديرس (أ.ف.ب)

فقدت دعاء الغضبان زوجها وأطفالها الثلاثة وانهار منزلها، فلم تجد خياراً سوى اللجوء، على غرار عائلات أخرى، إلى مخيمات النازحين التي حمتها خيمها من الزلزال المدمر في شمال سوريا.
حين ضرب الزلزال، فجر الاثنين، تركيا وسوريا، اهتزت الأرض تحت الخيم المنتشرة بكثرة على طول الحدود بين البلدين، لكن سكانها بقوا إلى حد كبير بمنأى عن الأضرار التي سببها انهيار أبنية ومنازل في أنحاء المنطقة حولهم.
داخل غرفة صغيرة، عبارة عن أربعة جدران يعلوها شادر، تنوح دعاء حزناً على أطفالها، وأصغرهم رضيع لم يتجاوز عمره أربعين يوماً.
تحاول شقيقتها، الناجية كذلك من الزلزال، تهدئتها من دون جدوى. تقول حانية الرأس وهي تجلس على كرسي بلاستيكي في مخيم دير البلوط «لوكالة الصحافة الفرنسية»: «لم يبق شيء لدينا، وها نحن اليوم نسكن أنا وعائلة أختي وأخي وأمي... أربع عائلات في خيمة صغيرة فوق بعضنا بعضاً في غرفة تعود لسيدة نعرفها». وتضيف: «لا نريد الطعام ولا الشراب. نريد مأوى فقط». تنظر دعاء إلى صورة أحد أبنائها، الذي توفي بعد انتشاله وبعدما تحدثت معه واطمأنت عليه، على شاشة الهاتف. تبكي متسائلة: كيف نجت وحيدة من حطام منزلها الذي بقيت لساعات طويلة تحت ركامه قبل انتشالها في بلدة جنديرس. وتقول: «حتى اللحظة، لا أشعر بأنني خرجت. وكأنني ما زلت تحت (الركام)».
يصدح الآذان من مكان قريب، لتتذكر دعاء آخر مشهد لزوجها الذي كان ممدداً إلى جانبها ويحضن أحد أطفالهما، وتقول: «تم دفنه حاضناً ابني. لم يتركه قط».
على غرار دعاء، استقبل مخيم دير بلوط ومخيمات أخرى، مكتظة أساساً، كثيراً من العائلات التي شردها الزلزال، منهم من سكن مع معارفه، ومنهم من لا يزال يبحث عن خيمة.

ويقول فداء محمّد، أحد سكان مخيم دير بلوط، للوكالة: «كان الزلزال مرعباً، لكن السكان شكروا ربهم على خيمهم بعدما شاهدوا ما حصل من حولهم».
وانطلقت مبادرات عدة لوضع خيم إضافية في المخيمات من أجل استقبال الناجين من الزلزال، أو الخائفين من هزات ارتدادية تأتي على ما تبقى من منازلهم، كما نصبت منظمات محلية خيماً للناجين في بلداتهم المتضررة.
بعد وقوع الكارثة، انتقل غياث زرزور للعيش لدى أحد أقاربه النازحين في مخيم دير بلوط، وبات يسكن في غرفة واحدة مع ابني عمه وعائلتيهما.
يجلس أبو عمر على الأرض منهكاً، عيناه متورمتان ووجهه ملفوف بضماد أبيض، وبالكاد يقوى على الكلام. ويقول: «نحن ثلاثون شخصاً في هذه الغرفة الصغيرة، من دون تدفئة ولا أغطية».
لم يتوقع الرجل الذي نزح قبل سنوات من ريف دمشق أن يجد نفسه مرة أخرى في مخيمات النزوح التي كان قد غادرها فرحاً ليقيم في منزل في بلدة جنديرس. لكن الزلزال دمر المنزل بالكامل. ويقول: «تهجرنا كثيراً. في المرة الأولى نزحنا بثيابنا من دمشق، واليوم يعيد التاريخ ذاته».
وطال الدمار الناتج عن الزلزال، الذي ضرب سوريا ومركزه في تركيا، خمس محافظات على الأقل. وتجاوزت حصيلة القتلى في البلدين أكثر من 17100 شخص، بينهم 3162 في سوريا. ومن لم يلجأ إلى المخيمات، توجه إلى عشرات من مراكز الإيواء التي أنشأتها السلطات المحلية في مناطق عدة.

في أحد مراكز مدينة إدلب، تضج خيمة ضخمة بضحكات أطفال يلعبون ويركضون حول أمهاتهم، مع أطفال آخرين ناموا من شدّة التعب غير آبهين بالجلبة من حولهم.
ويقول عبد القادر تيد أحد العاملين في مراكز الإيواء: «هناك أعداد هائلة من الناس بلا مأوى، يخشون أن تسقط بيوتهم فوق رؤوسهم جراء الهزات الارتدادية».
في مناطق منكوبة أخرى، اختار سكان تمضية لياليهم في سياراتهم وشاحناتهم.
وقرب بلدة جنديرس، التي طالها دمار هائل، تصطف سيارات خلف بعضها البعض وفيها نساء ورجال وأطفال، لم يحددوا أين ستكون وجهاتهم. يقول محمّد الحياني (50 عاماً)، جالساً على الأرض بالقرب من شاحنته وقد لف نفسه بغطاء شتوي: «بنايتنا تضررت، لا نستطيع أن نعود إليها، نخشى أن تسقط علينا جراء أي هزة ارتدادية». ويضيف: «نحن ثلاث عائلات هنا، البعض ينام في السيارة، والبعض في الشارع قربها».
وافترش العشرات أيضاً الأرض في حقول الزيتون المترامية الأطراف، لا يحملون معهم سوى ثيابهم وبعض الأغطية.
فرّت أم جاسم (54 عاماً) وزوجها مع طفليهما من جنديرس بعد الزلزال، وسارت العائلة بين حقول الزيتون حتى وصلت إلى مخيم دير بلوط القريب. وتقول من خيمة أحد أقاربها: «أين نذهب؟ بقينا في الشارع، ونحتاج مأوى. ليس بيدنا حيلة». أرسلت أم جاسم ولديها إلى جنديرس علهما يتمكنان من إنقاذ بعض الأغطية والحاجيات من تحت ركام منزلهم، لكنها لا تأمل خيراً بعدما انهار المنزل تماماً. تقطن السيدة منذ ثلاثة أيام في غرفة شبه خالية من الفرش، وتقول: «البرد ذبحنا هنا». وتختم: «لا نريد سوى مأوى، ما خسرناه يعوضه الله».



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.