مظاهرات الخدمات في البصرة تكشف عن بوادر صراع «شيعي ـ شيعي»

الاحتجاجات خرجت بعد تصريحات للمالكي وتحولت لعراك في مجلس المحافظة

جنود عراقيون وأميركيون على خط النار في الرمادي أمس (أ.ب)
جنود عراقيون وأميركيون على خط النار في الرمادي أمس (أ.ب)
TT

مظاهرات الخدمات في البصرة تكشف عن بوادر صراع «شيعي ـ شيعي»

جنود عراقيون وأميركيون على خط النار في الرمادي أمس (أ.ب)
جنود عراقيون وأميركيون على خط النار في الرمادي أمس (أ.ب)

مع بلوغ درجة الحرارة ما فوق سقف الـ«50» درجة مئوية في وسط وجنوب العراق، حسب الأنواء الجوية، والتردي الواضح في ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين والخدمات، شهدت مدن عراقية عدة مظاهرات ليلية احتجاجًا على سوء خدمة الكهرباء، حيث تطورت في البصرة إلى مقتل وجرح متظاهرين، وتحولت فيما بعد لعراك باللكمات داخل مجلس المحافظة.
ورفع مجلس محافظة البصرة، أول من أمس، جلسته الاعتيادية الأسبوعية، إثر حدوث مشادة كلامية بين نائب رئيس مجلس المحافظة المنتمي لكتلة المحافظ وإحدى عضوات المجلس، تطور فيما بعد إلى اشتباك بالأيدي بين أعضاء كتلة المواطن، التي يتزعمها عمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وكتلة بدر المنضوية في ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق.
المظاهرات التي خرجت في مناطق شمال البصرة نهاية الأسبوع الماضي، جاءت بعد يوم واحد على تصريحات أدلى بها نائب رئيس الجمهورية العراقي نوري المالكي، التي وصف فيها الخدمات في المدينة النفطية الأغنى بالعراق (البصرة) بالمتراجعة وأن أهلها لن يصبروا طويلا، وأضاف في تصريحات صحافية خلال زيارته للمدينة، أن «الحكومة الحالية غير قادرة على النهوض بواقع محافظة البصرة، ولا حتى الاستفادة من الأموال التي تحصل عليها».
وأضاف أن «واقع المحافظة قد تراجع بشكل كبير، وفي حال لم تتم معالجته، فإن أهالي البصرة لن يستطيعوا الصبر إلى ما لا نهاية، إذ إنهم ينتجون النفط ويحرمون حتى من نظافة شوارعهم وأن الأمر يحتاج إلى التفاتة قوية».
وتابع المالكي قائلا، إن «الكل يتاجر بأهل البصرة مع مظلوميتها الكبيرة وعدم الاهتمام بها، وإن ممثلي المحافظة في البرلمان يجب أن يكون لهم صوت قوي، وسأقف معهم لإصلاح الوضع الموجود على الأرض باتجاه تحقيق الخدمات وتخفيف المعاناة على المواطنين».
المظاهرات في البصرة أدت إلى مقتل وجرح أربعة أشخاص من المتظاهرين جراء إطلاق النار عليهم من قبل قوات أمنية على خلفية سوء الخدمات المقدمة إلى أقضية ونواحي شمال البصرة، خصوصا فيما يتعلق بقضية التيار الكهربائي.
وقال مصدر في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «مشادة كلامية حدثت في الجلسة الأخيرة لمجلس المحافظة كانت بين نائب رئيس المجلس وليد كيطان المنتمي إلى كتلة المواطن، وعضو المجلس أمطار رحيم من كتلة بدر المنضوية في ائتلاف دولة القانون تحولت بعد ذلك إلى مشادة كلامية مع رئيس كتلة بدر الشيخ أحمد السليطي».
وأضاف أن «المشادات تحولت إلى عراك بالأيدي بين أعضاء الكتلتين الشيعيتين الأكبر في المجلس، حتى وصل الأمر إلى قيام حمايات أعضاء الكتلتين بإشهار أسلحتهما كل في وجه الآخر، قبل أن تتدخل القوة الأمنية المكلفة بحماية مبنى ومحيط مجلس المحافظة لفض الاشتباكات».
وتابع أن «المشادة جاءت على أثر الخلافات بين الكتل المكونة لمجلس المحافظة وقضية الخدمات المقدمة للمواطنين وغيرها من الأمور، التي في مقدمتها الموقف من المحافظ المنتمي لكتلة الحكيم».
وبين أن «المحافظ استدعى سرايا عاشوراء، التابعة لحزب الحكيم، لحمايته وحماية ديوان المحافظة، الأمر الذي حصل سابقا خلال المظاهرات، مما قد يحول الصراع إلى مسلح بين أقطاب القوى الشيعية في مجلس محافظة البصرة».
إلى ذلك، قال المحلل الاستراتيجي الدكتور محمد فيصل في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «البصرة المدينة الغنية بالنفط، التي تعتبر المصدر الأساسي لخزينة الدولة العراقية مهددة حاليا بالسقوط في منزلق التناحر والاقتتال، إذا ما بقيت القوى الشيعية الأكبر في مجلس المحافظة على مواقفها، وسعي قياداتها في بغداد إلى جر الخلافات لها، وهي المدينة التي كانت شبه مستقرة».
وأضاف أن «هناك خلافا واضحا ما بين زعيم المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وأن الرجلين لن يتهاونا في موضوع السيطرة على ثاني أكبر المدن العراقية، ومركزها النفطي، وذات المقاعد الكثيرة في البرلمان، لذا تجدهما لن يدخرا جهدا في سبيل أحكام السيطرة على المدينة دون الاكتراث للمواطنين ومصالحهم، وخصوصا أن عرفنا أن رئيس الوزراء الحالي ضعيف ولا يريد أن يخسر أيا منهما».



تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
TT

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

بعيداً عن تعثر مسار التسوية في اليمن بسبب هجمات الحوثيين البحرية، أشاع الإعلان الأممي اتفاقاً بين الحكومة والحوثيين حول المصارف والطيران أجواءً من الأمل لدى قطاع عريض من اليمنيين، مثلما زرع حالة من الإحباط لدى مناهضي الجماعة المدعومة من إيران.

ومع إعلان غروندبرغ اتفاق خفض التصعيد بين الحكومة والحوثيين بشأن التعامل مع البنوك التجارية وشركة «الخطوط الجوية اليمنية»، فإن المبعوث لم يحدد موعداً لبدء هذه المحادثات ولا مكان انعقادها، واكتفى بالقول إن الطرفين اتفقا على البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خريطة الطريق.

غروندبرغ يسعى إلى تحقيق أي اختراق في مسار السلام اليمني بعد إعاقة الحوثيين خريطة الطريق (الأمم المتحدة)

بدت آراء يمنيين في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي متباينة في كل مضامين اتفاق التهدئة، باستثناء تمنياتهم بنجاح محادثات الملف الاقتصادي لأن من شأنها أن تعالج وفق تقديرهم جذور الأزمة الاقتصادية والانقسام المالي وانقطاع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين منذ ثمانية أعوام.

في المقابل، ناقضت تقارير يمنية نفسها، مثل ما ورد في تقرير لمركز صنعاء للدراسات كتبه نيد والي، ففي حين حاول توجيه السبب الأساسي للاتفاق نحو ضغوطات من دول في التحالف على الحكومة لصالح الحوثيين، عاد واقتبس من المبعوث الأممي قوله في رسالة لمجلس القيادة: «الانقسام الاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد ستترتب عليه تبعات خطيرة وربما مدمرة، وعزل البنوك وشركات الصرافة عن النظام المالي العالمي سيؤثر سلباً على الأعمال التجارية وعلى تدفق التحويلات المالية».

وكتب الباحث في التقرير نفسه: «عانى الاقتصاد اليمني من الشلل نتيجة عقد من الصراع، وأي ضغوط إضافية لن تجلب سوى أوضاع إنسانية وخيمة، ليس أقلها تعطيل القدرة على تقديم المساعدات. يتم تداول عملتين في الأسواق المالية اليمنية بسعري صرف متباينين، ورغم أن الانقسام الدائم في النظام المصرفي ومؤسسات الدولة قد يصبح أمراً لا مفر منه في نهاية المطاف، لا ينبغي التشكيك بأن تداعيات ذلك على الاقتصاد ستكون وخيمة وأليمة بصورة استثنائية».

وقالت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية دعمت خريطة الطريق ومشروع إنهاء الأزمة اليمنية، والخلافات والعراقيل ليست طريقة للوصول إلى السلام في كل الأحوال».

ومن خلال تعليقات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر استمزاج يمنيين في قطاعات تجارية وتربوية، تتجنب المعلمة نجاة التي اكتفت بذكر اسمها الأول الخوض في الجدال المتواصل بين المؤيدين والمعارضين لاتفاق التهدئة وتعتقد أن الذهاب للمحادثات الاقتصادية بنيات صادقة ونجاحها هو البشرى الحقيقية لمئات الآلاف من الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين حرموا من رواتبهم منذ نهاية العام 2016، ولكل سكان البلاد الذين يدفعون ثمن الانقسام المالي والمواجهة الاقتصادية.

وتتمنى المعلمة على ممثلي الجانبين الحكومي والحوثيين استشعار المعاناة الكبيرة للملايين من اليمنيين الذين يقاسون نتيجة الظروف الاقتصادية وتوقف المرتبات ووجود عملتين محليتين، والحرص على التوافق والخروج باتفاق على استئناف تصدير النفط والغاز ووضع آلية مرضية لصرف المرتبات، وإنهاء الانقسام المالي لأن ذلك في تقديرها سيكون المنفذ الحقيقي للسلام.

الرواتب وتوحيد العملة

يقول الموظف الحكومي رضوان عبد الله إن الأهم لديه، ومعه كثيرون، هو صرف الرواتب وإنهاء انقسام العملة، لأنهم فقدوا مصدر دخلهم الوحيد ويعيشون على المساعدات والتي توقفت منذ ستة أشهر وأصبحوا يواجهون المجاعة وغير قادرين على إلحاق بناتهم وأبنائهم في المدارس لأنهم لا يمتلكون الرسوم التي فرضها الحوثيون ولا قيمة الكتب الدراسية ومستلزمات المدارس ولا المصروف اليومي.

تعنّت الحوثيين أفشل جولات متعددة من أجل السلام في اليمن (إعلام محلي)

ويؤيده في ذلك الموظف المتقاعد عبد الحميد أحمد، إذ يقول إن الناس تريد السلام ولم يعد أحد يريد الحرب وإن السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يواجهون مجاعة فعلية. ويزيد بالقول إن صرف المرتبات وتوحيد العملة أهم من أي اتفاق سياسي ويطلب من الحكومة والحوثيين ترحيل خلافاتهم السياسية إلى ما بعد الاتفاق الاقتصادي.

ولا يختلف الأمر لدى السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والذين يعبر أغلبيتهم عن سخطهم من الموافقة على إلغاء الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في حق البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يرى عادل محمد أن إنهاء انقسام العملة واستئناف تصدير النفط سيؤدي إلى وقف تراجع سعر الريال مقابل الدولار الأميركي وسيوقف الارتفاع الكبير في أسعار السلع لأن ذلك أضر بالكثير من السكان لأن المرتبات بسبب التضخم لم تعد تكفي لشيء.

ويتفق مع هذه الرؤية الموظف في القطاع التجاري سامي محمود ويقول إن توحيد العملة واستئناف تصدير النفط سيكون له مردود إيجابي على الناس وموازنة الدولة، لأنه سيحد من انهيار الريال اليمني (حالياً الدولار بنحو 1990 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة) كما أن الموظفين والعمال الذين تعيش أسرهم في مناطق سيطرة الحوثيين سيكونون قادرين على إرسال مساعدات شهرية، لكن في ظل الانقسام وفرض الحوثيين سعراً مختلفاً فإن ما يرسلونه يساوي نصف رواتبهم.

مصلحة مشتركة

يرى الصحافي رشيد الحداد المقيم في مناطق سيطرة الحوثيين أن التوصل إلى اتفاق في هذا الملف فيه مصلحة مشتركة وإعادة تصدير النفط والغاز سيسهم في عودة أحد مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، كما أن استئناف صرف مرتبات الموظفين سوف يسهم في الحد من معاناة مئات الآلاف من الموظفين.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين تتهددهم المجاعة (الأمم المتحدة)

ويشدد الحداد على ضرورة أن يتوجه ممثلو الجانبين إلى هذه المحادثات بصدق ومسؤولية لمفاوضات تحسم هذا الملف، ورأى أن أي اختراق يحدث في هذا الجانب سيعزز بناء الثقة وسيقود نحو تفاهمات أخرى، و سيكون له انعكاسات إيجابية على حياة كل اليمنيين.

لكن الجانب الحكومي لا يظهر الكثير من التفاؤل ويعتقد اثنان من المسؤولين سألتهم «الشرق الأوسط» أن الحوثيين غير جادين ويريدون تحقيق مكاسب اقتصادية فقط من خلال هذه الجولة، لأنهم يريدون الحصول على رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم لامتصاص النقمة الشعبية الواسعة، ويرغبون في الحصول على حصة من عائدات تصدير النفط، دون أن يكون هناك مقابل أو تقديم تنازلات فعليه تخدم مسار السلام، فيما يتعلق بتوحيد العملة والبنك المركزي.

ووفق ما أكده المسؤولان فإن الجانب الحكومي الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بحكم مسؤوليته عن الجميع، سيشارك بإيجابية في المحادثات الاقتصادية وسيكون حريصاً على إنجاحها والتوصل إلى اتفاقات بشأنها استناداً إلى مضامين خريطة طريق السلام التي كانت حصيلة جهود وساطة قادتها السعودية وعُمان طوال العام الماضي وحتى الآن.