مشاهدات إسلام آباد: السعودية ـ باكستان.. تحالف قديم وتفاهم ثابت لأكثر من ستة عقود

التقارب بين الرياض وإسلام آباد يتجاوز المستوى العادي وينعكس في ملفات كثيرة

مسجد الملك فيصل في إسلام آباد
مسجد الملك فيصل في إسلام آباد
TT

مشاهدات إسلام آباد: السعودية ـ باكستان.. تحالف قديم وتفاهم ثابت لأكثر من ستة عقود

مسجد الملك فيصل في إسلام آباد
مسجد الملك فيصل في إسلام آباد

تأتي زيارة ولي العهد السعودي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، إلى باكستان، كأول وجهة لجولته الآسيوية، تعبيرا عن أهمية إسلام آباد كحليف وثيق للمملكة العربية السعودية لأكثر من ستة عقود، وتأكيدا لدورها المحوري في المنطقة.
كان الاحتفاء الباكستاني بالضيف الكبير لافتا. فبعيدا عن إجراءات الترحيب المعتادة وموائد الشرف، امتلأ جدول الزيارة بلقاءات رفيعة المستوى شملت كبار المسؤولين الباكستانيين، وانتهت إلى توقيع عدد من الاتفاقيات. كذلك أبدى المسؤولون الباكستانيون امتنانا كبيرا للملك عبد الله، وأشادوا بإغاثة السعودية متضرري زلزال سنة 2005.
العلاقات السعودية – الباكستانية في الواقع مثيرة للاهتمام، لا سيما لدى المحللين والمتابعين الغربيين، فتقارب البلدين يتجاوز المستوى العادي، وينعكس في ملفات كثيرة. فهناك أكثر من مليوني باكستاني يعملون في السعودية. ولقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 111 مليار ريال سعودي (29.5 مليار دولار) خلال عشر سنوات، من عام 2003 حتى عام 2012، كان أعلاها عام 2011. بـ16.3 مليار ريال (4.3 مليار دولار)، وأدناها عام 2003 بقيمة 4.2 مليار ريال (1.1 مليار دولار)، وفقا لما أظهره تحليل لوحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة «الاقتصادية».
ليس هذا فحسب، بل إن التعاون العسكري بين البلدين كان مميزا، وخصوصا في مجالات التدريب. فثمة أكثر من 1200 مدرب باكستاني يعملون في تدريب القطاعات الأمنية والعسكرية المختلفة في المملكة؛ ويضاف إليهم مدربون في القطاعات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، وآخرون في القطاعات التابعة للقوات المسلحة، في إطار تعاون تبادلي عسكري بين الرياض وإسلام آباد. وكانت باكستان قد قدمت دعما لوجيستيا ومساندة كبيرة للسعودية إبان تأسيسها قواتها المسلحة. وتعد العلاقة في هذا المجال علاقة تاريخية، تضاف إلى العلاقات الأخرى المتطورة بين البلدين.
بيد أن ما يميز العلاقات بين البلدين، وبالأخص هذه الأيام، التقارب في الرؤية السياسية لملفات كثيرة، بغض النظر عن التحولات السياسية التي مرت بها باكستان منذ عام 1947. ويمكن القول، إن المصالح المشتركة للبلدين، ظلت ثابتة، إذ ترى السعودية في باكستان عمقا استراتيجيا لها في آسيا. وفي الوقت ذاته، ترى باكستان في السعودية، الدولة الإسلامية الأكبر ثقلا في الخليج، ومن ثم تعدها بوابتها إلى المنطقة العربية.
لأجل كل ذلك، تستدعي هذه العلاقة المتينة التكهنات والشائعات بين الحين والآخر، وتغرق الصحافة الغربية في حياكة قصص خيالية، في كل مرة يتبادل فيها مسؤولون من البلدين الزيارة.
خلال هذه الزيارة، أشار كل عسكري جرى التحدث إليه، إلى واقعتين تاريخيتين تشكلان مفصلا مهما في تاريخ العلاقات بين السعودية وباكستان، وقال أحدهم إن كلتيهما محفوظة في ذاكرة الباكستانيين شعبا وحكومة: عام 1998: «حين دافعنا عن حقنا في امتلاك السلاح النووي، وإقامة توازن استراتيجي، بعد أن قام جيراننا في الهند باختبار قنابلهم النووية في 11 و13 مايو من العام نفسه. حينذاك تخلى الجميع عنا، ووقفت السعودية إلى جانبنا مؤيدة حقنا في امتلاك هذا السلاح الاستراتيجي. ثم حين انكشفنا عسكريا ساعدتنا السعودية بعد أن تخلى عنّا السوفيات».
ليس صعبا على زائر باكستان أن يلحظ ما يعانيه اقتصاد البلاد من مشاكل بنيوية تراكمت عبر عقود من الزمن، وزاد من حدتها وتعقيدها الوضعان السياسي والأمني اللذان مرت بهما باكستان خلال السنوات الماضية. ورغم هذا، أكد صندوق النقد، أن اقتصاد باكستان بدأ يظهر علامات تحسن في ظل الخطوات الإصلاحية التي تقوم بها حكومة نواز شريف. وهذا ما أكده وزير المالية الباكستاني، إسحاق دار، الذي شدد على أن أجندة الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها حكومة بلاده، بدأت تأتي ثمارها، حيث سجل الاقتصاد نموا بنسبة 0.5 في المائة خلال الربع الأول من السنة المالية الحالية. وتوقع البنك المركزي الباكستاني، أن يحقق الاقتصاد الباكستاني نموا بنسبة أربعة في المائة خلال السنة المالية الحالية 2013 - 2014، وذلك بزيادة عن نسبة 3.6 في المائة التي حققها خلال السنة المالية الماضية 2012 - 2013.

في قاعدة نورخان
حطت طائرة ولي العهد السعودي في قاعدة نورخان العسكرية، قرابة السادسة فجرا. وكان في استقباله والوفد المرافق له، رئيس وزراء باكستان، نواز شريف.
كان الاستقبال وديا دافئا والحفاوة بالغة. ولدى نزول ولي العهد من سلم الطائرة، أطلقت المدفعية الباكستانية 21 طلقة ترحيبا. ثم توجه ولي العهد إلى المنصة، حيث عُزف السلامان الوطنيان السعودي والباكستاني. بعد ذلك استعرض الأمير سلمان حرس الشرف. ثم صافح كبار مستقبليه، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الباكستانية الفريق أول ركن رشاد محمود، وقائد الجيش الباكستاني الفريق أول ركن رحيل شريف، وقادة القوات الباكستانية، والوزراء، وكبار المسؤولين في الحكومة الباكستانية. كما كان في استقباله، نائب رئيس هيئة الأركان العامة، الفريق ركن عبد الرحمن بن صالح البنيان، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية باكستان، عبد العزيز بن إبراهيم الغدير، وسفير باكستان لدى المملكة محمد نعيم خان، والملحق العسكري السعودي لدى باكستان، المكلف العميد طيار ركن سعيد عفتان، وأعضاء السفارة السعودية لدى باكستان، ومديرو المكاتب السعودية. وقد غادر ولي العهد القاعدة الجوية بصحبة رئيس الوزراء نواز شريف، إلى مقر إقامته في قصر «بيت البنجاب».
كان الطقس، أقل برودة مما كان متوقعا. وكان الاعتقاد أن الطريق من القاعدة سيكون خاليا، غير أن مظاهر الزينة عبرت عن استعدادات كبيرة لاستقبال الأمير سلمان، وعن حفاوة بالغة. فقد زينت الشوارع على الجانبين بصور ولي العهد السعودي والرئيس الباكستاني.
صمم قصر «بيت البنجاب»، هذا المبنى الجميل الأنيق حيث أقام الوفد، في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، المهندس المعماري الباكستاني اللامع نيار علي دادا. ويقع القصر عند زاوية خضراء في أقصى شمال العاصمة العصرية الفتية، ويشرف على مساحات خضراء فسيحة إلى الشمال، ويتميز بلونه الأبيض وخطوطه المتناسقة الأنيقة.
أما نيار علي دادا – واسمه الأصلي نيار علي زيدي – المصمم المبدع المولود عام 1943، فيعد بين ألمع المعماريين في آسيا، وهو ابن أسرة هندية هاجرت من العاصمة الهندية دلهي إلى لاهور، قاعدة البنجاب، خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي. وفي عام 1957 التحق بجامعة البنجاب في لاهور لمدة سنتين، ومن ثم درس في الكلية الوطنية للفنون وتخرج فيها عام 1964. وبعدها درّس فيها ثم اختير عام 1976 زميلا في الكلية.
وخلال عقد السبعينات، فتح له مكتبا في لاهور مارس من خلاله مهنته، وأصاب شهرة واسعة بعد تصميمه مجمّع الحمراء للفنون بتصميم عصري حداثي مثير، ومن ثم صمّم على مقربة منه، مسرح الحمراء المفتوح الذي استحق عليه «جائزة مبنى العقد» عام 1989. وتوالت المنجزات والتقديرات فحصل على «جائزة فخر الأداء» الرئاسية عام 1992 لخدماته في مجال العمارة والمحافظة على التراث، وهو حتى اللحظة الباكستاني الوحيد الذي حاز «جائزة الأغا خان للعمارة».
بين أشهر منجزات دادا المعمارية، بالإضافة إلى قصر «بيت البنجاب» تصميمه جامعة بيكونهاوس الوطنية، واستاد القذافي في لاهور، وفندق سيرينا في إسلام آباد، ومقر مجلس فيصل آباد للفنون في مدينة فيصل آباد الباكستانية، ومبنى البرلمان في جزر المالديف.

المفاوضات مع طالبان
في هذه الأثناء، تخوض باكستان، مفاوضات صعبة مع حركة طالبان، التي عرضت أمس، على حكومة إسلام آباد، وقفا لإطلاق النار بغية استئناف محادثات السلام المجمدة هذا الأسبوع، مقابل ضمانات بألا يهاجم الجيش الباكستاني مواقعها.
ولقد علق مفاوضو الحكومة الاثنين الماضي، المحادثات مع المتمردين، بعد أن تبنى فصيل طالباني مقتل 23 جنديا باكستانيا خطفوا في يونيو (حزيران) 2010. وطالبت الحكومة على الفور، بوقف لإطلاق النار قبل بدء جولة جديدة من المحادثات مع المتمردين.
ويذكر أنه منذ أطلق رئيس الوزراء نواز شريف عملية السلام، أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، قتل ما لا يقل عن 70 شخصا في اعتداءات قامت بها طالبان في باكستان.
وتطالب حركة طالبان الباكستانية لصنع السلام، بالإفراج عن معتقليها وانسحاب الجيش من المناطق القبلية التي تعد معقلا لها ولتنظيم القاعدة في شمال غربي البلاد، وفرض مفهومها للشريعة. وتعد بعض هذه المطالب غير مقبولة بالنسبة للحكومة الباكستانية ومؤسسة الجيش. وكان احتمال الانسحاب الأميركي من أفغانستان، قد خلق أجواء ضاغطة على المفاوضين، أوشكت أن تدفع بالمفاوضات إلى الفشل. ورغم تواصلها حاليا، فإن الكثير من المراقبين لا يبدون تفاؤلا بنجاحها.

ملف الأحمدية
للموضوع الجهادي في باكستان، جذوره وتداعياته، ولا سيما في المناطق الحدودية. ولقد تطرقت عائشة جلال في كتابها «أنصار الله: الجهاد في جنوب آسيا»، لما حدث عندما سارت مظاهرات احتجاج في الشوارع تعد أتباع الطائفة الأحمدية، التي كان أسسها ميرزا غلام أحمد خلال القرن التاسع عشر، أي قبل تأسيس باكستان بفترة طويلة، طائفة لا علاقة لها بالإسلام. ويومذاك كان جزءا من هدف المتظاهرين، إحداث اضطراب يهز سلطة الحكومة الاتحادية الباكستانية، ولا سيما مع المطالبة باستقالة وزير الخارجية السير ظفر الله خان، المنتمي للطائفة الأحمدية.
في جو متوتر كهذا أصدر «تقرير منير»، الذي أعده عام 1954، اثنان من قضاة المحكمة الاتحادية، ليطلق تحذيرا غاية في البلاغة وبعد النظر، حيال الميول الآيديولوجية الهدامة في الدولة الوليدة.
ناشد «التقرير» الحكومة الإحجام عن نزع صفة الإسلام عن أبناء الطائفة الأحمدية، وحذّر من أن الفكرة العامة القائلة بأن باكستان دولة إسلامية، وأن لها الحق بأن تحدّد من هو المسلم. وعد أن من شأن هذا التوجه تشجيع إطلاق التهم التكفيرية، وتقسيم البلاد بصورة معاكسة تماما لحلم مؤسسها محمد علي جنه في تأسيس دولة جامعة.
«ولكن حصيلة هذا الجزء من التحقيق كان بعيدا جدا عما هو مرجوّ، وإذا كثر الارتباك والتشوش عند علمائنا إزاء مسألة بسيطة كهذه، سيكون من السهولة بمكان تخيل كيف ستبرز خلافات حول قضايا أكثر تعقيدا... ومع الأخذ في الاعتبار تعدد التعريفات والأوصاف التي يعتمدها علماء الدين، هل لنا أن نعلّق إلا بالقول: إنه لا اتفاق بين العلماء على هذه المسألة الأساس. وبالتالي، إذا أدلينا بدلونا واعتمدنا تعريفا خاصا بنا على غرار ما فعله هذا العالم أو ذاك، وإذا ما خالف هذا التعريف كل ما أقره كل الآخرين، فإننا بشبه إجماع نكون خرجنا من تحت مظلة الإسلام. وإذا ما اعتمدنا تعريف أي من العلماء فسنظل (مسلمين) فقط في نظره لكننا سنكون كفارا وفق الآخرين..».. ومع هذا لم تلق هذه الكلمات سوى آذان صماء، وعام 1974 عُدَّ الأحمديون «غير مسلمين» وفق تعديل دستوري.
وفي حالة مماثلة، إبان أول انتخابات رئاسية مباشرة أجريت في عهد الرئيس محمد أيوب خان عام 1965. حاول حلفاء أيوب خان، إضعاف منافسته الرئيسة فاطمة جنه – أخت مؤسس باكستان – وتشويه صورتها، وذلك عبر إصدار فتوى مضمونها أن الإسلام لا يجيز تولي امرأة رئاسة الدولة، وهو ما تردد بعد بضعة عقود لاحقة، مع بي نظير بوتو، أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة الباكستانية.
محاولات كهذه لاستخدام الإسلام أداة لإسباغ المشروعية على لاعبين في الحلبة السياسية وجماعات في المجتمع المدني، سواء كانت الأحمدية أو غيرها، غذت تيارات فتاكة فظيعة في باكستان، مهدت الطريق أمام كثرة من المتشددين لقتل مواطنين لهم من المسلمين بعد تكفيرهم أو اعتبارهم «غير مسلمين».



القضاء الكوري الجنوبي يُصدر مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)
TT

القضاء الكوري الجنوبي يُصدر مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول (أ.ف.ب)

أصدر القضاء في كوريا الجنوبية مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول تتيح للمحققين القيام بمحاولة ثانية لاعتقال يون سوك يول المتحصن في مقر إقامته في سيول تحت حماية حرسه، فيما أعلن زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون أن بلاده اختبرت بنجاح، الاثنين، صاروخاً فرط صوتي جديداً سيساهم في ردع «جميع الخصوم» في المحيط الهادئ، على ما أوردت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية الثلاثاء.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائه نظيره الكوري الجنوبي شو تاي-يول (أ.ف.ب)

ويجري مكتب مكافحة الفساد والشرطة وإدارة التحقيقات بوزارة الدفاع تحقيقاً مشتركاً في محاولة يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) وإغلاق البرلمان بقوة الجيش.

وبرر الرئيس المحافظ المعزول الذي لطالما واجه عمله السياسي عرقلة من البرلمان ذي الغالبية المعارضة، هذا الإجراء لكونه يريد حماية البلاد من «القوى الشيوعية الكورية الشمالية» و«القضاء على العناصر المعادية للدولة».

تحاول الشرطة إيقاف المتظاهرين خلال مظاهرة ضد الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول بالقرب من مقر إقامته الرسمي في سيول بكوريا الجنوبية (رويترز)

واضطرّ الرئيس للتراجع عن خطوته المفاجئة بعد ساعات من إعلانها وتمكّن النواب من الاجتماع في البرلمان الذي طوّقته القوات العسكرية، والتصويت لصالح رفع الأحكام العرفية، تحت ضغط آلاف المتظاهرين. وعزل البرلمان يون من منصبه في 14 ديسمبر، ورُفعت شكوى ضده بتهمة «التمرد»، وهي جريمة عقوبتها الإعدام و«إساءة استخدام السلطة» وعقوبتها السجن 5 سنوات.

وجاء في بيان أصدره المحققون، الثلاثاء، «إن مذكرة التوقيف الجديدة ضد المشتبه به يون صدرت بعد ظهر اليوم» بتوقيت سيول، بسبب محاولة إعلانه الأحكام العرفية لفترة وجيزة.

انتهت مهلة مذكرة التوقيف الأولى الصادرة في 31 ديسمبر، الاثنين، دون أن يتمكن مكتب التحقيق في الفساد من توقيف يون لاستجوابه.

والجمعة، حاول المحققون بمؤازرة الشرطة دخول مقر إقامة يون لاعتقاله لكنهم واجهوا حوالى 200 جندي وعنصر في جهاز الأمن الرئاسي، وتراجعوا بعد استحالة تنفيذ المذكرة القضائية بعد 6 ساعات من المواجهة التي شابها توتر.

موالون للرئيس المعزول يون سوك يول يتظاهرون في سيول صباح اليوم احتجاجاً على أمر الاعتقال (أ.ب)

وأعلن الحزب الديموقراطي المعارض، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، أنه قدم شكوى ضد الرئيس المؤقت شوا سانغ موك بتهمة «التقصير في أداء الواجب»، لأنه لم يفلح في منع جهاز الحراسة عن اعتراض «توقيف» يون. وطلب الجهاز المكلف التحقيق مساء الاثنين من محكمة منطقة غرب سيول تمديد المهلة المحددة لمذكرة التوقيف.

وعزا يون بوك نام، رئيس جمعية «محامون من أجل مجتمع ديموقراطي»، فشل المحاولة الأولى لتوقيف الرئيس المخلوع في المقام الأول إلى افتقار مكتب مكافحة الفساد الذي لم يمض على تأسيسه أربع سنوات، ويعمل فيه أقل من مائة موظف، إلى الخبرة، فهو لم يوجه اتهاماً إلى أي شخص حتى الآن.

وأوضح يون: «بطبيعة الحال، ليست لديهم خبرة في الاعتقالات، ناهيك عن اعتقال الرئيس»، مشيراً إلى أن «تعاون الشرطة ضروري».

ونشب خلاف بين مكتب مكافحة الفساد والشرطة حول دور كل منهما في عملية التوقيف، فقد تحدث المكتب عن افتقاره إلى الخبرة في هذا المجال، ورغبته بتولي الشرطة مهمة تنفيذ المذكرة، وردت الشرطة بأن المسؤولية تقع على عاتق المكتب. وأقر المكتب في نهاية الأمر بأن هذا الإجراء ضمن مهامه، في حين أكدت الشرطة أنها ستوقف حرس الرئيس في حال قاموا بعرقلة العملية ضد يون سوك يول.

متظاهرون يطالبون باعتقال الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول يحضرون تجمعاً بالقرب من المقر الرئاسي في سيول (أ.ب)

وتعهد يون، الأسبوع الماضي، في بيان، بـ«القتال حتى النهاية». وطعن محاموه في قانونية مذكرة التوقيف واختصاص مكتب مكافحة الفساد، وأوضحوا أن القانون يمنح هذه الهيئة سلطة التحقيق في عدد محدد من الجرائم التي يرتكبها مسؤولون رفيعو المستوى، لكن القائمة لا تشمل جريمة «التمرد».

وبعد إصدار مذكرة التوقيف الأولى، خيّم أنصار يون ومعارضوه خارج مقر إقامته الرئاسي متحدين البرد، لكن قبل إصدار المذكرة الجديدة، تضاءل عدد أنصار يون بشكل كبير، الثلاثاء، وفق ما شاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في المكان.

وإذ عزل البرلمان، يون، ما أدى إلى كفّ يده عن مزاولة مهماته، فإنه لا يزال رئيساً بانتظار بتّ المحكمة الدستورية بقرار العزل بحلول منتصف يونيو (حزيران). وتبدأ المحاكمة في 14 يناير وستستمر حتى في حال عدم مثوله. وإذا صادقت على العزل، فسيتم تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في مدة شهرين.

من جهة أخرى، أجرت بيونغ يانغ التجربة الصاروخية الجديدة أثناء زيارة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى كوريا الجنوبية، وقبل أسبوعين من تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة. وقال كيم الذي أشرف على عملية الإطلاق برفقة ابنته جو إي إن «نظام الصواريخ الفرط صوتي المتوسط المدى» يهدف إلى تعزيز الردع النووي للبلد تدريجياً. وأكد أن هذا السلاح الجديد «سيردع بشكل موثوق أي خصوم في منطقة المحيط الهادئ يمكن أن يؤثروا على أمن دولتنا».

وذكرت الوكالة الرسمية أنه تم استخدام «مركّب جديد من ألياف الكربون» لمحرك الصاروخ، كما «أدخلت وسيلة جديدة... إلى نظام التحكم في الطيران والتوجيه».

A photo released by the official North Korean Central News Agency (KCNA) shows the launch of an intermediate-range ballistic missile (IRBM) with a hypersonic warhead as payload, at an undisclosed location in North Korea, 06 January 2025 (issued 07 January 2025). EPA/KCNA EDITORIAL USE ONLY

ويسمح استخدام ألياف الكربون في صنع صاروخ بتخفيف وزنه، بالتالي زيادة مداه وقدرته على المناورة، لكنه يصعب السيطرة على هذه التكنولوجيا بسبب ضعف قدرة هذه المادة المركبة على مقاومة درجات حرارة مرتفعة. ويصنف صاروخ بأنه فرط صوتي حين تزيد سرعته عن 6 آلاف كلم في الساعة، ما يزيد بـ5 مرات عن سرعة الصوت.

وأوضح يانغ مو جين، رئيس جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «ما هو مقلق في هذا الصاروخ أن هذه التكنولوجيا لا تمتلكها حالياً سوى روسيا والصين والولايات المتحدة». وتابع: «من أجل الوصول إلى مثل هذه السرعة، لا بد من استخدام مواد قادرة على مقاومة ظروف قصوى».

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية أن الصاروخ أطلق من منطقة بيونغ يانغ واجتاز 1500 كلم بسرعة «ماخ 12» التي تزيد 12 مرة عن سرعة الصوت، قبل أن يسقط في بحر اليابان أو بحر الشرق، حسب التسمية الكورية. وأكد كيم جونغ أون «أن هذه الخطة والجهد هما حتماً للدفاع عن النفس وليسا خطة وعملاً هجوميّين». لكنّه شدد على أنه «لا يمكن للعالم تجاهل أداء» هذا الصاروخ القادر، على حد قوله، على «توجيه ضربة عسكرية خطرة لخصم بكسره بفاعلية أيّ حاجز دفاعي صلب». وأكد كيم أن «تطوير القدرات الدفاعية لكوريا الشمالية التي تهدف لأن تكون قوة عسكرية، سيتسارع بشكل أكبر».

وهذه أول عملية إطلاق صاروخ تقوم بها كوريا الشمالية في العام الجديد، بعد آخر عملية أجرتها في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية الأميركية. وندد بلينكن بعملية الإطلاق، مؤكداً أن بيونغ يانغ تتلقى «معدات وتدريباً عسكرياً» من روسيا.

من جانبه، ندد رئيس كوريا الجنوبية بالوكالة، تشوي سانغ موك، الثلاثاء، بـ«تهديد خطير» للأمن الإقليمي. ورأى المحللون في إطلاق الصاروخ وتصريحات كيم جونغ أون رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.