الحرب الأهلية في الغرب و«نبوءة القرن»

مدينة نيوم حاضنة مشروع عملاق شمال غربي السعودية ينبني بأدوات المستقبل (الشرق الأوسط)
مدينة نيوم حاضنة مشروع عملاق شمال غربي السعودية ينبني بأدوات المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الحرب الأهلية في الغرب و«نبوءة القرن»

مدينة نيوم حاضنة مشروع عملاق شمال غربي السعودية ينبني بأدوات المستقبل (الشرق الأوسط)
مدينة نيوم حاضنة مشروع عملاق شمال غربي السعودية ينبني بأدوات المستقبل (الشرق الأوسط)

قراءة الأحداث الكبرى باعتبارها «بداية» أو «منعطفاً تاريخياً جديداً»، من الأخطاء المنهجية الشائعة في التفكير، فقد نبهنا مؤرخ الأفكار الهولندي يوهان هويزنغا في كتابه «اضمحلال القرون الوسطى» إلى أن الثورات والحروب وانهيار الأنظمة الفكرية والسياسية، قد تكون (نهاية) مرحلة تاريخية كاملة (تغرب شمسها)، وليست بالضرورة (بداية) فجر عصر جديد.
هذه الفكرة اللامعة لا تنطبق اليوم – في تصوري - قدر انطباقها على الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي نشبت قبل عام، ووصفها عالم النفس الكندي جوردان بيترسون بـ«الحرب الأهلية في الغرب»!
اللافت في مفهوم «النهاية»، أنه يلقى قبولاً متزايداً بين الباحثين في الشرق والغرب على السواء، وهناك نغمة جديدة يتردد صداها، وهي أن حدة الاتهامات المتبادلة قد تخفي رغبة دولية شبه جماعية، في إنهاء النظام العالمي (أو اللانظام) في صورته الراهنة.

(1)
على مدار عام 2022 تفجرت كل الأسئلة - تقريباً - التي طرحت للنقاش العالمي ما بين 1989 و2021، حول النظام العالمي الجديد، ونهاية التاريخ وصدام الحضارات، والعولمة، التي نالت نصيب الأسد من النقد، حيث أدت العولمة إلى الترابط الاقتصادي وإحلال السلم لفترة بين القوى الكبرى. لكن منذ الأزمة المالية عام 2008، وحتى الركود الاقتصادي الجاري تغيرت الأحوال، وثبت أن الترابط الاقتصادي لا يضمن الاستقرار العالمي، وأن القضايا السياسية والتاريخية ما زالت مصدراً للتوتر.
ناهيك من أن تبادل الأفكار والبشر والسلع لم يولد بالضرورة وعياً عالمياً، وإن شئت الدقة فقد ثبت أن «العولمة» و«العالمية» ليستا شيئاً واحداً.
وصاغ الكاتب المخضرم توماس فريدمان – منذ سنوات – في كتابه «العالم مستوٍ... موجز تاريخ القرن الحادي والعشرين»، هذا الاختلال بين العولمة والعالمية، وأبدى قلقه على دور أميركا ومستقبلها بسبب العولمة التي تسوي العالم، فلا يبقى فيه كبير إلا بقدر ما يملك من معرفة تسهم في الإنتاج وتقديم الخدمات. فأميركا تخرج إلى العالم حتى لا تفقد دورها فيه، والعالم يتغلغل في مسام أميركا لأن لديه ما يقدمه.
كلام فريدمان يعني في العمق: أن العولمة أصبحت ضد أميركا، لأنها منحت ثمارها لما سمي «الدول والاقتصادات الناهضة»، وبالتالي لم تعد «العولمة» تفيد أميركا، بالقدر نفسه الذي استفادت منه الصين وقارة آسيا ودول الجنوب العالمي.
وهذا يفسر إلى حد كبير، لماذا أعلن الرئيس السابق أوباما أن المستقبل في آسيا وفي الاتجاه شرقاً، ووثقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وقتئذ، هذا المعنى في مقالها الشهير، بعنوان «أميركا في قرن المحيط الهادي»، مجلة «شؤون خارجية» منتصف أكتوبر عام 2011.
اللافت هنا أنه - بعد عقد تقريباً (سبتمبر «أيلول» 2022) – ردد الرئيس الروسي بوتين المفردات نفسها وبالنبرة نفسها: إن المستقبل في آسيا، مضيفاً أن الغرب في طريقه إلى الفشل. ولم يخرج الرئيس الفرنسي ماكرون عن المعنى نفسه، وحذر في مناسبات مختلفة من «اختفاء أوروبا جيوسياسياً» وسط تنافس صيني – أميركي متصاعد.

(2)
إذا صح مفهوم هويزنغا عن النهاية، فإننا نكون أمام مفارقة كبرى في تفسير ما يحدث، وهي: هل القوى الكبرى تستثمر «أزمة أوكرانيا» و«الأزمة الاقتصادية العالمية» - أميركا وروسيا والصين – من أجل تغيير النظام العالمي الراهن، وإعادة نمذجته بما يتوافق مع مصالح كل منها وطموحها في المستقبل، سواء أكان صياغة جديدة لهذا النظام أحادي القطب (أميركا) أو الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب (الصين وروسيا ودول الجنوب العالمي)؟
وفقاً لهذا السؤال – السيناريو: يكون الرئيس الروسي بوتين قد قام بإنهاء مرحلة كاملة تمتد بين معاهدة هلسنكي عام 1975 وحتى قضم القرم عام 2014 بما في ذلك الجيوب الانفصالية في مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، ثم الحرب في أوكرانيا عام 2022 التي لم تنتهِ بعد، مروراً بتمزيق إعلان باريس عام 1991 الذي يحدد شروط سلام ما بعد الحرب الباردة.
ولا توجد مفاجأة في ذلك، فما حدث كان على مرأى ومسمع من دول العالم؛ لا سيما الدول الغربية، واعترفت مجلة «شؤون دولية» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 بهذا الوضع الجديد في ثلاث كلمات: «روسيا كسرت القواعد».
هدف بوتين المعلن هو عالم متعدد الأقطاب، ذلك أن روسيا اليوم (ثاني أكبر ترسانة نووية في العالم، وأكبر احتياطي من النفط والغاز، إضافة إلى موقع جغرافي استراتيجي وسط كتلة اليابسة الأوراسية)، تريد أن تفتح قناة اتصال للحليف الصيني على البحر المتوسط عبر أراضٍ سورية، وتمنع أميركا في الوقت نفسه من التوسع والوصول إلى الشرق، لذا فإن روسيا هدف واضح لأميركا بوصفها شرطاً أساسياً لمجابهة التحدي الذي تمثله الصين. وبالتالي سيكون عدم حسم الحرب في أوكرانيا لصالح الغرب يعني أن النظام العالمي الجيوسياسي قد تغير.
وهذا قد يضعف الموقف الاستراتيجي للغرب أمام الحلفاء والخصوم، فما الذي يضمن التزام الدول الأخرى بنظام دولي مستقر قائم على سيادة القانون، خاصة وأن هذه السيادة انتهكت أمام الجميع وباتت محسومة للأقوى؟!
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا خرجت روسيا ضعيفة من الصراع، فإن الرابح الأكبر لن يكون الغرب وحده، وإنما آسيا والصين بالمثل، لأن روسيا في هذه الحالة ستزيد من اعتمادها على الصين ودول آسيا.

(3)
الوجه الآخر في فكرة هويزنغا عن «النهاية»، يجعلنا أيضاً نتعمق في حالة الاختمار والجيشان داخل المهاد التاريخي للمرحلة الراهنة، وهي فترة (ما بين) النهاية والبداية، التي قد تسودها الفوضى وعدم الاستقرار على الصعد كافة، والحروب المحدودة بأشكال مختلفة بين ثنائيات غير متكافئة، أو العكس، فقد تسيطر على تلك الفترة المخاوف المتبادلة والتوجس والحذر في أقصى درجاته.
هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة تنهي (اتفاقية فرساي 1919) ولا تأبه فيها الدول الكبرى بوجود «مجلس الأمن» أصلاً، وبالتالي العودة من جديد إلى عالم القرون الوسطى، حيث يحق لأي قوة عسكرية عظمى أن تستعرض عضلاتها، ولا تعترف بالقانون الدولي؟
هل نحن على موعد مع حروب الثلاثين عاماً (1618 -1648)، ولكن بأشكال وذرائع متعددة؟
هل سنشهد حرباً طويلة الأمد، لها ائتلاف دولي متغير ومتعدد، ومستويات تضامنية مختلفة؟
أو أننا أقرب لتحقيق نظرية المفكر الأسترالي هيدلي بول (1932 – 1985)، التي ضمنها في كتابه المعنون: «المجتمع الفوضوي: دراسة النظام في السياسة العالمية»؟
يقول بول: السلطة في المجتمع الدولي سوف تنتقل نحو الأعلى، وأحياناً نحو الأسفل، فضلاً عن أنها ستصبح أفقية وليست فقط رأسية، مع ظهور عدة مستويات من الولاء العابر للقوميات والحدود، وهو ما يشير إلى تشكل «قرون وسطى جديدة، كبديل عصري للنظام السياسي الشامل الذي كان سائداً في القرون الوسطى، أو ما يعرف اليوم بمرحلة (ما بعد ويستفاليا) عام 1648.
يتألف هذا النظام السياسي الجديد - كما يقول - من مجموعة من الولايات الحاكمة المتداخلة وسلطات مجزأة وولاءات متعددة‏، وبالتالي تنتهي فكرة وجود سلطة سيادية مركزية واحدة تقيم في (مكان ما) من النظام الدولي. وهذه الفكرة تتحدى اليوم نظرية الدولة في شكلها التقليدي واتفاقية «فرساي» ومجلس الأمن (الأمم المتحدة)، وكل ما هو قائم من مؤسسات دولية حتى كتابة هذه السطور.‏

(4)
كلمة السر فيما يحدث – لم تعد سراً - هي: صعود دول (غير غربية) سوف تصبح بحلول عام 2050 أكثر تأثيراً على الساحة العالمية. ورغم أن هذا الصعود لن يلغي دور الغرب المهم في تشكيل العالم الجديد، فإنه سيحد من الهيمنة الأحادية لأي قوة مهما كان اسمها.
وبعبارة أخرى، فإن مفهوم «العالمية» الجديد الذي تسعى مجموعة القوى الصاعدة (غير الغربية) لبلورته اليوم، لن يتناقض بالضرورة مع القيم والمؤسسات الغربية (كمنجز إنساني حضاري) ولكنه سيتيح للمؤسسات والتقاليد والمعايير الثقافية الأخرى فرصاً واعتبارات متساوية.
ويظهر ذلك في التحالف غير المسبوق، بين آسيا ودول الجنوب العالمي، الذي قد يرفض – في المستقبل القريب - الاختيار بين أميركا والصين وروسيا، لأكثر من سبب موضوعي:
أولاً: أن هذه القوى الصاعدة ستكون قد تطورت واستقلت بقرارها بما يكفي، خارج التنافس العالمي (الصفري).
ثانياً: أن ارتباط القوى الصاعدة باتفاقيات وشركات مع القوى الكبرى سوف يجعل من الصعب المفاضلة بينها، حيث ستحكم خياراتها المتوازنة (مصالحها أولاً). وهو تحول استراتيجي مهم، قد يلعب الدور الرئيسي في حسم ملامح نظام عالمي جديد في صورته التوافقية، ربما أقرب إلى نظرية هيدلي بول.
ثالثاً: أن انتقال مركز الثقل العالمي إلى آسيا والمحيط الهندي – الهادي والجنوب العالمي، في سبيله إلي تغيير مفهوم الجغرافيا – السياسة أيضاً، وقد يجعل من مناطق تشاركية عالمية في آسيا، لا سيما «نيوم»، أحد أهم المراكز الفاعلة في النظام العالمي الجديد، ومن الشرق الأوسط الراهن (أوروبا الجديدة)، كما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في نبوءة جيوسياسية لافتة عام 2018، (وقبل الحرب الروسية – الأوكرانية) بأربعة أعوام!
لذلك كله من الأفضل – الآن وليس غداً - أن يفتتح الفاعلون الصاعدون في آسيا والشرق الأوسط ودول الجنوب العالمي نقاشاً فكرياً عالمياً، حول «نبوءة القرن»:
- كيف يتحول عالمنا؟ وما ملامح الجغرافيا الجديدة؟
- ما الذي علينا الاستعداد للقيام به أو العكس؟
- ما طبيعة التحديات والآفاق (ما قبل) النظام العالمي الجديد؟
* باحث مصري



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».